النعامة والطاووس.. القليل من الثقافة الجنسية في السينما المصرية
قليلة هي الأفلام والمسلسلات العربية التي تناولت الثقافة والتربية الجنسية بجدية، نتحدث هنا عن فيلم “النعامة الطاووس” الذي ظل حبيس الأدراج سنوات طويلة، لدرجة أن صاحب فكرة الفيلم توفى قبل أن يخرج إلى النور.
قصة سينمائية يكتبها الأب والمخرج المصري البارز صلاح أبو سيف (1915- 1996) بعنوان “مدرسة الجنس”. يعجز حتى وفاته عن تقديمها في فيلم سينمائي لأسباب رقابية. ليأتي الابن والمخرج محمد أبو سيف ويقدمها في عام 2002 في فيلم يحمل عنوان “النعامة والطاووس”.
التأخر في الدخول لـ “مدرسة الجنس” يحمل دلالة لا تغيب؛ القصة التي يكتبها الأب لا تزال تصلح ليناقشها الابن، ويقدمها لنفس المجتمع بعد مرور عقود على كتابتها، هذه المرة بإضافة بصمة الكاتب المغوار لينين الرملي على السيناريو والحوار.
الزوجة (النعامة- دافنة الرأس في الرمال) بعد ثلاث سنوات من زواجها، وبعد حمل وإنجاب طفلتها الأولى، لا تعرف إن كانت قادرة على الاستمتاع بحياتها الحميمية.
عندما يواجهها زوجها (الطاووس- المنتشي بخبراته الجنسية الهشة) ذات ليلة بأنها “باردة“، لا تستطيع الحكم على مدى صحة تعليقه، تترك المنزل غاضبة، وتتعرض حياتهما للتهديد، وتبدأ أسئلتهما.
بداية الرحلة
يبدأ الزوجان رحلة استكشاف ما ينقصهما. شابان تجاوزا عقدين أو ثلاثة من عمرهما لا يقدران على الاعتراف لنفسيهما بأنهما دخلا لتلك الحياة الزوجية دون أدنى معرفة عن جسديهما ورغباتهما وما يصل العواطف بالجنس.
خلال رحلتها المرتبكة تضطر النعامة لنفض الرمال التي تعمي عينيها عن تذكر لحظة ختانها التي تلت “فضيحة” اكتشاف أمها لأول قبلة تبادلتها مع طفل صغير.
تتداعى أمامها الصور في لحظة اعتراف أمام طبيبة الصحة الجنسية التي قررت، بعد تردد طويل، أن تلجأ إليها: السيدات اللاتي يفتحن ساقيها، الألم غير المفهوم، الدماء، الصراخ. تتذكر عجز أمها عن الحديث معها لحظة بداية دورة الطمث وبلوغها، وتتذكر الهلع في عينيها كأن أصابتها مصيبة. تتذكر ليلة زواجها وحديث الأم بالتلميحات غير المفهومة.
الأم كالجدة وأم الجدة، تنتظر أن يمر زواج البنت كما مر زواجهن: الكبت والصمت والخبرات التي تكتسب بالتجربة التي تبدأ بعد أن تقع الفاس في الراس.
تتابع النعامة حديث زميلات العمل عن حياتهن الحميمية بتركيز أكبر. ترى بينهن من انتزعت حقها في الاستمتاع وإمتاع الطاووس، وترى من تدّعي الاستمتاع حتى توحي لشريكها بالرضا والإشباع، المرتبط حتماً بصورته عن نفسه كطاووس لا يفتقر للخبرة في إمتاع شريكته.
هذا الادعاء بالنسبة لها هو ضمانة “السعادة” الزوجية التي لا ريب فيها. السعادة الزوجية تعني وفق زميلاتها أن تزكي طاووسيته مقابل ترضيات مادية ومعنوية أخرى، ترضيات لا علاقة لها بالجنس أيضاً.
الطاووس/الزوج من ناحيته تحتضنه “شلة أنس” تضم رجالاً ونساء يسعون خلف المتعة دون رابط أو التزام. لكنه يكتشف أنه يقع فريسة لنساء أكثر خبرة منه، يستخدمونه ويغذونه بمزيد من الطاووسية، ثم يلقون بالعلاقة خلف ظهورهم ما أن يظهر صيد جديد أكثر تشويقاً. يبدأ تدريجياً في فقدان الثقة في اكتمال خبرته الموهوم.
يخضع تحت ضغط لزيارة الطبيبة التي تراجعها زوجته عندما طلبت مقابلته لتقصي المزيد حول علاقتهما.
يبدأ أثناء الجلسة في سرد تصورات عن علاقة من طرف واحد، تدور حول إمتاع طرف واحد، وامرأة لا ترفع عينيها خجلاً، بل تصر على إطفاء النور أثناء الجنس، باردة تعتقد أن هذه طبيعة الأحوال، بينما من يشكو برودها يعتقد أن متعته لا علاقة لها بمتعتها.
لا يفهم الطاووس أن مداعبتهما الجنسية وتواصلهما الحسي مرتبطان بالسعادة التي اعتاد ألا يطلبها إلا عنوة وعلى عجل.
السعادة المغتصبة على عجل هي قانون الخبرات الجنسية التي كونها على يد عاملات الجنس وأفلام البورن. نعرف أنه واقعياً لا يستطيع تكوينها في مكان آخر. من يتيح لشاب وشابة في مقتبل العمر حتى التعارف دون خوف من الأهل أو ممنوعات وتحرشات الشارع حتى للمسة اليد والاحتضان.
بالنهاية يصل الفيلم لتراضي الزوجين والتزامهما بتدريبات علاجية تحسن من تواصلهما الجنسي، بعد رحلة بين السياقات الاجتماعية وحجب الجهل والتجهيل والممنوعات التي وصلت بهما لطريق مسدود.
الدين لا يمنع المتعة
استعان الفيلم بالرأي الديني في عدد من المشاهد، دار الرأي حول التخفف من الحياء بين الزوجين والحث على السعي للمتعة المتبادلة والتنفير من إتيان الزوجة كالبهيمة وفق الحديث المشهور.
كذلك استعان بالرأي الطبي الذي مثلته طبيبة الصحة الجنسية كشخصية مركزية في الفيلم تتابع حالة الزوجين.
يظهر الفيلم في أكثر من مشهد زبائن العيادة حريصين على إخفاء وجوههم عند الدخول والخروج، دلالة على العار المحيط بطلب المساعدة من أجل علاقات أكثر صحية. فاللجوء للأطباء في هذه الأمور لا يوازي إلا دلالة على العجز الجنسي عند الرجال والعجز عن القيام بالواجب عند النساء.
هذه المفاهيم التي تلغي كل تفاصيل تلك العلاقة الحميمية التي نتوقعها خالية في الواقع من الحميمية ونخجل من طلب المعرفة بشأنها. كأن متعتنا وعارنا متشابهان.
قدّم الفيلم عبر شخصية الطبيبة شروحاً مبدئية مباشرة ربما ساذجة، ولكنها مفهومة في إطار يقدّم فيه مخرج فيلماً أول عن الموضوع، يريد تمريره من بين أنياب الرقابة، ويتخوف من ردود الفعل، ويسعى لتوسيع قاعدة المشاهدة والتقبل.
إذا نظرنا لمحاولات الأب المتكررة لإنتاج الفيلم ورفض الرقابة المستمر له نرى امتداد الشعور بالعار من طرح هذا الموضوع للجمهور. الجمهور الذي يذهب للسينما ويتزوج وينجب ولكنه في نظر الرقابة لم يبلغ بعد رشده حتى يتعاطى مع هذه الأفلام، ولا يهم أن يعرف ويفكر في أدق تفاصيل ومشاعر حياته وحياة زوجته أو العكس.
بنظرة سريعة يمكن حصر الأفلام التي قاربت الموضوع من أي زاوية في عدد لا يتجاوز أصابع اليدين. أذكر مثلاً أفلام “سهر الليالي” و”أسرار البنات” و”فيلم ثقافي” و”بنتين من مصر” و”الأبواب المغلقة” و”هاتولي راجل” بزوايا تناول مختلفة.
اليوم بعد مرور ثمانية عشر عاماً على عرض الفيلم، تعصف في وجوهنا توابع تجاهل ما أراد أن يلفت إليه صلاح أبو سيف النظر عندما كتب قصته من عشرات السنين؛ وباء اجتماعي يهز افتراضاتنا عن مجتمع الستر والكتمان والمنع والرقابة وقيم الأسرة وأخلاقها.
نستمع إلى قصص مريعة عن التحرش والاغتصاب وشرعنتهما في أوساط العائلة والعمل والشارع والمدرسة والجامعة. نسب مجنونة لأسر تجري عمليات الختان، نسب مجنونة لحالات الطلاق المبكر.
أما العلاقات الزوجية المستمرة فحدث ولا حرج عن مفاهيم لم يطرحها الفيلم ولكنها تشكّل قوام معظمها.
الفيلم مثلاً يطرح مشكلة تسرّع الزوج في إتمام الجنس دون مقدمات أو مداعبات، ولكنه لا يلتفت أصلا لمفهوم “التراضي” الذي نعرفه الآن نسبياً، فالمشكلة المطروحة هي أسلوبه وليس رضاها واستعدادها من عدمه، هذا المفروغ منه أو المنفصل عن باقي الأمور.
يرى معظم الأزواج أنه أياً كان حال العلاقة الثنائية خلال اليوم أو الأسبوع، أياً كان القبول النفسي من أحدهما تجاه الآخر، يكون وقت الجنس استثناء، مهمة يجب إتمامها على أي حال، عند الطلب.
ما يسمى الآن الاغتصاب الزوجي هو بالذات تخطي نقطة التراضي وإهمالها. ومعظم ما يتسبب في “العنف الزوجي” يحدث أيضا نتيجة الرفض من قبل الزوجة. رفضها غير متوقع وغير مقبول. عُرفياً هو علامة “نشوز” عن الطاعة المفترضة. الجنس إذن اختبار للطاعة قبل أن يكون مساحة للمتعة الرضائية.
إن كانت المساحة المتاحة للفن في هذا المجال تشوبها كل هذه المخاوف الرقابية والمحاذير التي شكلت بالتدريج رقابة ذاتية لدى الفنانين، وجعلت من خوض معركة بهذا الحجم لصناعة فيلم واحد كابوس يتجنبونه، سواء الصناع أو الممثلين والممثلات، من أين ننتظر أن تأتينا المعرفة عن الجنس؟ إن كانت غائبة عن مدارسنا وجامعاتنا وكذلك عن الإعلام لنفس الأسباب .
هل تركنا لمجتمعنا نافذة سوى أفلام البورن التي نستهجن التصورات الزائفة التي تكونها لدى الشباب؟ لتأتي العلاقات بعد الزواج كارثية وكاشفة عن فداحة الجهل المستوطن. هل ساهمت السرية والكتمان في تعزيز العفة أم في تعزيز التعاسة؟
التعساء في كل مكان حولنا، إما لخوف من اقتحام العلاقات وعلانيتها قبل الزواج أو لقبول حياة زوجية باردة لأسباب اجتماعية محيطة، أو للخجل من طلب المعرفة والمساعدة أو للعار الذي يلحق بالباحثين عن الحب والحميمية وسط المكبوتين والمحرومين الحاقدين والمسعورين.
لا عجب أن يصيبنا وباء التحرش الجنسي وشيوع الاغتصاب والعنف والجرائم البشعة، لا عجب أبداً.
يعتمد الشباب في المجتمع…
يعتمد الشباب في المجتمع المغربي مثلا على ثقافة افلام البورن وعن الثقافة الشعبية عن العلاقة الحميمية بين الزوجين فحتى الحديث عن الجنس بين الافراد يكاد يكون منعدما رغم انه في الاصل غالبا ان المتحدثيين اما لديهم شبق وادعاء او لديهم معلومات عن افكار وخرافات ليست لها علاقة بالواقع. المراة في مجتمعي هي اداة لممارسة الجنس وليست لها نظرة غير ذلك حتى في علاقات الصداقة هي مشروع محتمل لممارسة جنسية لكن يبقى الاهم هو انه حتى في هذه الحالة لا تكون رغبة المراة من عدمها في ممارسة الجنس موضوعا قابلا للنقاش فالرجل هو من لديه الرغبة في وما على المرأة الا تلبية تلك الرغية