لأن المعرفة حماية.. كيف نتحدث مع أطفالنا عن الجنس؟
قد نحجم عن تقديم معلومات جنسية لأطفالنا معتقدين بذلك أننا تحميهم، ولكن الحماية الحقيقة هي أن نقدم لهم المعرفة الكافية التي تساعدهم في حياتهم.
في صف اللغة العربية بالمرحلة الإعدادية، اعتادت “ميس عبير” من حين إلى آخر أن تلفت نظرنا كفتيات صغيرات بلغن حديثاً إلى ضرورة العناية بالنظافة الشخصية، والحرص على ألا تفوح منّا رائحة عرق كريهة، وأخبرتنا بطريقة غير مباشرة عن إزالة الشعر والاهتمام بجمال أجسامنا ونظافتها.
في زيارة منزلية لإحدي صديقاتي حينها، تقابلت صدفة مع أختها الكبيرة، وحين جاءت سيرة “ميس عبير”، سألتني: “هل حدثتكن عن الأمور إياها؟”، وتابعت حديثها بأنها عازمة على تقديم شكوى ضدها لكلامها عن أمور “عيب” مع الطالبات.
قُدِمت الشكوى بالفعل، وأُلجِم لسان “ميس عبير”، والتزمت بعدها المنهج الدراسي ولم تخرج عنه.
في نفس العام، أذكر أننا كنّا نحضر صف مادة العلوم حين قَدِمت وكيلة المدرسة متجهمة، وطلبت من المعلم أن يغادر الفصل لبضع دقائق، وبعدها تحدثت بحزم وبوضوح شديدين عن أننا صرنا فتيات كبيرات، ولذا علينا الانتباه للفوط الصحية خلال فترة الدورة الشهرية، وعدم إلقائها دون لفها بإحكام، خاصةً بعد تكرار شكوى “الدادات” من الأمر. كان كلامها يحتوي تحذيراً مباشراً: “أظن كبرنا وبقينا واعيين وفاهمين”.
وقتها، كان من الصعب عليَ أن أفهم: إذا كنا فتيات كبيرات كما قالت وكيلة المدرسة، فما الخطأ الذي ارتكبته معلمتي في حديثها معنا في بعض المواقف التي استدعت التوعية والنصح عن صحتنا ونظافتنا الشخصية؟ في حين لم تُعتبَر نصائح الوكيلة “عيباً”؟
مفاهيم مغلوطة
يعد الجنس جزءاً مهماً وحيوياً في حياة الإنسان. كما إن معناه أشمل وأوسع من الفعل الجسدي، حيث يؤثر على شعورنا تجاه أنفسنا وعلى جزء كبير من خياراتنا المهمة التي نتخذها في الحياة.
كأب أو أم قد يبدو ما تعتقده عن الجنس واضحاً ومباشراً، لكن عندما يتعلق الأمر بإرساء الأساس لمساعدة أطفالك على تطوير فهم صحي للجنس، فإن الحديث معهم قد يشعرك بالارتباك.
ستجد نفسك أمام أسئلة عديدة يطرحها طفلك، والتي ربما ناقشها أو تداولها مع أصدقائه، وأنك ملزم بالإجابة عليها بوضوح وسهولة، لأنك إن لم تجب ابنك، كن متأكداً أنه سيحصل على إجابة سؤاله من مصدرٍ آخر، وقد يكون مصدراً غير موثوق به.
في مجتمعاتنا يفتقد أغلب الأطفال وذويهم الى تربية جنسية صحيحة.
تكمن المشكلة الرئيسية في الفهم المغلوط لمعنى مصطلح التربية الجنسية لدى الآباء والأمهات، وتوارث هذا الفهم الخاطئ تباعاً في الأجيال اللاحقة.
ما زال الحديث عن الجنس وما يتعلق به من أمور يقع في خانة المحظور أو عدم الحياء، والتربية الجنسية في ذهن أغلب الآباء والأمهات تعني أن نشجع الأطفال والمراهقين خاصةً على ممارسة الجنس، والمطالبة بحرية مطلقة دون قيد أو شرط أخلاقي أو ديني أو اجتماعي، وهذا غير صحيح.
وفي الوقت الذي يخجل الأب والأم من الحديث مع أبنائهم عن الجنس، ويرفضون أن يُدرّس لأولادهم منهج تعليمي جنسي في المدارس تحت اسم التربية الجنسية، يقبلون على إنفاق أموالهم على تجديد باقة الإنترنت والاشتراك في منصات الأفلام، بلا أدنى فكرة عما يتابعه أبناؤهم من مسلسلات وأفلام أجنبية دون وعي بما هو مناسب لعمرهم.
الحماية تتحقق بالمعرفة
كيف تمتد مظلة الـ”عيب” والـ “ما يصحش” لكل ما يتعلق بتعليم أبنائنا أبسط المعلومات الجنسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأجسادهم، في أوقات لا تنقطع فيها الأخبار عن المتحرشين والاعتداءات الجنسية وسط موجة من العنف الجنسي؟
العامل المشترك في أغلب حوادث التحرش والاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها كلٍ من الفتيات والأولاد في مرحلة المراهقة، هو جهل أغلبيتهم بالحد الأدنى من المعرفة الذي يمكنهم من إدراك ما يتعرضون له، وأخذ بعض الوقت قبل التصرف، سواء بالدفاع عن النفس أو طلب المساعدة أو الإبلاغ عما حدث.
للاطلاع على المزيد: عشرة أخطاء قد تقود طفلك إلى جحيم التحرش والاستغلال الجنسي
لذا أصبحت التربية الجنسية الشاملة ضرورة لحماية الأطفال بناتاً وبنيناً، حيث لا تقتصر على الموضوعات المرتبطة بالجنس بشكل مباشر، بل تمتد وفقاً لمنظمة “اليونسكو” إلى تزويد الأطفال والمراهقين بالمعلومات والمهارات والمبادئ التي تمكنهم من تحقيق اختيارات صحيحة على المستوى الجسدي والجنسي والنفسي والعاطفي، كي تضمن لهم حياة آمنة، واعين فيها بحقوقهم وحقوق الآخرين، محافظين على صحتهم وكرامتهم.
كما تساعد التربية الجنسية على تعزيز التواصل بين الأبناء والآباء، وخلق علاقة ثقة واستيعاب بين الطرفين تجعلهم قادرين على التعبير عن أي شيء يخص أجسادهم، أو ميولهم ورغباتهم الجنسية التي تكون حينها في مرحلة التطور، أو عند تعرضهم لأي حادثة أو ما شابه.
التربية الجنسية تبدأ من عند الأب والأم
أغلبنا يتذكر صف مادة العلوم في المرحلة الإعدادية، والدرس الشهير عن الجهاز التناسلي للرجل والمرأة. أنا كذلك أتذكر الأمر، وأذكر معلم المادة وقتها. كان رجلاً شاباً -في بداية الثلاثينيات على وجه الدقة- حازماً، بدأ الحصة الدراسية بكلام محدد وواضح حول طبيعة هذا الجزء من المنهج، وأخبرنا أنه “لا حياء في العلم”، وفي حالة عدم فهم أي جزئية، علينا ألا نتردد في طلب إعادة شرحها أو طرح سؤال بخصوصها.
وقتها بعد شرح الجهاز التناسلي للرجل، رفعت يدي وسألت السؤال الذي لم أنسه حتى يومنا هذا وهو “مستر، طيب إزاي الرجل بيقدر يتحكم إن السائل الخارج من العضو الذكري يكون بولاً أو سائلاً منوياً؟” أثنى معلمي على اختيار السؤال، وأجابني بشرح وافٍ ومبسط عن الدور الذي يلعبه المخ هنا في تهيئة الجسم، فمثلاً في أثناء العملية الجنسية، يعطي إشارات محددة لإفراز السائل المنوي.
حتى الآن أشعر أنني مدينة بالفضل لمعلمي في كل مرة أردت الفهم ولم أخجل من السؤال.
تبدأ التربية الجنسية عند الأب والأم عند تلقيهما العديد من الأسئلة من صغارهم بدافع الفضول والاكتشاف، وعادةً ما يُفاجأ الوالدان بأسئلة غير التي كانا يتوقعانها.
لكن لا داعي للقلق! عندما يفاجئك سؤال من طفلك لم تكن مستعداً له، يقترح بعض أطباء الأطفال أن تجيب/ي بـ “إنه سؤال ذكي أو جيد” ثم تسأل طفلك ما الذي دفعه إلى التفكير في هذا السؤال، وستخبرك إجابته الكثير حول ما يسأل عنه ولماذا، كما ستوفر بعض الوقت للتفكير في إجابة السؤال.
قبل التطرق إلى المعلومات التي يجب علينا تناولها مع أبنائنا في المراحل العمرية المختلفة، إليكم عدة نصائح هامة عند الحديث مع أطفالنا لتهيئة بيئة مريحة وآمنة للحديث لديهم:
- ابدأ/ي بالتدريج. لا تعط/ي الطفل قدراً كبيراً من المعلومات مرةً واحدةً. امنحه فرصة للتفكير في إجابتك، والعودة إليك مرة أخرى بسؤال جديد.
- استمع/ي إلى حديث طفلك وأفكاره جيداً، احترم/ي ما يقوله، حتى وإن لم تتفق/ي معه.
- بادر/ي بالحديث مع طفلك متى سنحت الفرصة، لا تنتظر/ي أن يسألك هو بالضرورة.
- الشعور بالإحراج أو عدم الارتياح ردا فعل طبيعيين وشائعين، لكن لا تدعهما يمنعانك عن الإجابة.
- كن صادقاً. إن لم تكن تعلم إجابة أحد الأسئلة، لا تشعر/ي بالحرج. بل يمكنك أن تقول/ي لطفلك أنك لست متأكد/ة من الإجابة الصحيحة، وأنه من الأفضل أن تبحثا عنها معاً.
- تحدث/ي مع طفلك أثناء إعداد الطعام أو قيادة السيارة، مع الانتباه لما يقوله بالإيماء وترديد السؤال قبل إجابته، فوفقًا لبعض العلماء في مجال التربية الجنسية يساعد هذا على تقليل الحرج والارتباك لدى كلٍ منكما (الأبوين، والابن/الابنة).
- تحدث/ي مع آباء وأمهات آخرين. قد تحصل/ين على نصائح وأفكار مفيدة، كما أنها وسيلة ناجحة لمعرفة ما يتداوله الأطفال الآخرون حول الجنس والعلاقات.
- تجنب/ي التأنيب أو التعنيف عند الحديث، اكسب/ي ثقة ابنك، ودائماً تذكر/ي حقه في السؤال والحصول على الجواب.
- دائماً تذكر/ي أن الأطفال يحصلون على المعلومات حول الجنس من مصادر عديدة مثل الأصدقاء، الإنترنت، الأفلام والمسلسلات، وفي كثير من الأحيان تكون هذه المعلومات غير دقيقة ومتضاربة، مما قد يربك الطفل ويؤثر على سلوكه بالسلب، وهذا سبب إضافي مهم للإجابة على أسئلة طفلك بوضوح وصدق.
ماذا أقول ومتى؟
في كل مرحلة عمرية جديدة يدخلها الطفل، تتكون لديه رغبة أوسع في معرفة المزيد حول الجنس. لا يوجد دليل ملزم للوالدين حول المعلومات بحسب كل مرحلة عمرية، ولكن هناك خطوطاً عريضة يمكن الاعتماد عليها، واعيين أنه أصبح من السهل وصول الأطفال إلى المعلومات التي يبحثون عنها، خاصةً في ظل شيوع محتوى متنوع يشتمل على معلومات/ أفكار/ إشارات جنسية على منصات الإعلام والإنترنت، لذا كلما بادرنا في ملء الفراغات، كان ذلك أفضل لأبنائنا.
في المرحلة العمرية من ثلاث إلى سبع سنوات
يمكنك أن:
- تتحدث/ي مع طفلك عن جسمه وأعضائه التناسلية بصفتها أعضاء هامة لها وظائف معينة كبقية الأعضاء. واحرص/ي على استخدام الألفاظ الصحيحة مثل قضيب وخصيتين للولد، والمهبل للأنثى. بهذا تكون/ين علمت طفلك كيف يمكنه الحديث عن جسده بوضوح، وبدون خوف عند تعرضه إلى أي موقف.
- تشرح/ي له مفهوم الحدود والخصوصية كأن لا يلمس أحداً ولا يسمح لأحد بلمسه في المناطق الخاصة.
- تشرح/ي له من كيف ومن أين يأتي الأطفال بطريقة بسيطة.
من ثماني إلى عشر سنوات
يمكنك الحديث عن مرحلة البلوغ، والتي عادةً تبدأ عند الفتيات ما بين عمر تسع سنوات وثلاث عشرة سنة، وتبدأ عند الذكور ما بين عمر عشر سنوات وخمس عشرة سنة. تعد هذه الفترة مربكة للعديد من الفتيات والأولاد، حيث يمرون بالعديد من التطورات الفسيولوجية مثل نزول الدورة الشهرية ونمو الثديين عند الإناث، وكبر حجم الخصيتين وظهور حب الشباب وغلظة الصوت عند الذكور، إلى جانب العديد من التطورات النفسية والإدراكية.
تحدث/ي مع ابنك أو ابنتك عن أن البلوغ مرحلة طبيعية من مراحل النمو. أخبرهم بالمتغيرات التي تحدث لهم لتساعدهم على فهم أجسادهم ومشاعرهم المتغيرة. يمكنك أن تشارك/ي ابنك أو ابنتك ما مررت به في نفس المرحلة وكيف تعاملت معه.
من 11 سنة إلى 14 سنة
مع تقدم أطفالك في السن، قد يحجمون شيئاً فشيئاً عن طرح الأسئلة عليك. لذا من المهم أن تبني علاقة من الثقة والصداقة بينكما وأن تبادر/ي دوماً بمعرفة أخبارهم وما يمرون به، وتفسح/ي لهم المجال للكلام بحرية ودون خوف.
في هذه المرحلة يميل الفتيات والأولاد إلى الحصول على المعلومات بأنفسهم، إلى جانب تعرضهم لمحتوى واسع ومختلف ذي طابع جنسي عبر الإنترنت ومنصات التواصل الإلكتروني.
في هذه المرحلة يجب أن يكوِّن ابنك أو ابنتك فكرة واضحة عن مفهوم الحميمية في العلاقات، ومعرفة بالجهاز التناسلي للذكر والأنثى. كما يمكنك شرح العلاقة الزوجية بأسلوب علمي بسيط، والاستمناء والعادة السرية.
احرص/ي على جعل أولادك ملمين بأهمية احترام الطرف الآخر، وحقه في قبول أو رفض أي مبادرة عاطفية، وماهية التحرش الجنسي.
يقترح بعض الأطباء ألا يقتصر الشرح على الجانب الجسدي بل يتضمن الجوانب العاطفية والاجتماعية حول الجنس، وهو أمر هام للأولاد والفتيات في هذه المرحلة.
من 14 سنة فما فوق
هذه المرحلة امتداد لسابقتها، مع توسع في النقاش وترك مساحة أكبر للأبناء لإبداء رأيهم بحرية.
في هذه المرحلة، من الهام أن تناقش/ي سؤال ما الذي يدفعنا إلى ممارسة الجنس؟ ما الذي تمثله هذه العلاقة في حياتنا؟ تحدث/ي عن الحب، وأكد/ي على احترام الطرف الآخر ومبدأ الموافقة.
تحدث/ي عن الأمراض المنقولة جنسياً الشائعة، وشجع/ي ابنك أو ابنتك على قراءة معلومات أكثر حولها وطرق الوقاية منها، إلى جانب الحديث عن ممارسات الجنس المختلفة عن الجماع، مثل الجنس الفموي والشرجي، والأمراض التي قد تنتقل من خلالهما.
في هذه المرحلة يسمع المراهقون العديد من المعلومات الجنسية الخاطئة على الأغلب، والتي تدخلهم في حالة من القلق والشعور بعدم الثقة في النفس، مثل الربط بين القدرة على ممارسة الجنس بامتلاكك قضيب كبير، أو الشعور بأنك “غريب” إن لم تكن تمارس الاستمناء بانتظام، أو أنكِ لن تكوني قادرة على الاستمتاع بالجنس لعدم امتلاكك ثديين كبيرين، وغيرها من معلومات توارثناها شعبياً أو استقاها الشاب أو الفتاة من الأفلام الإباحية.
وأخيراً كأب أو أم تذكرا دائماً أن التربية الجنسية ليست رفاهية أو دعوة للخروج عن الأخلاقيات، بل ضمان حياة آمنة جسدياً ونفسياً لأبنائنا.
مفيدة جداً واتمنى يكون عندكم…
مفيدة جداً واتمنى يكون عندكم قروب على الواتسب لتبادل المعلومات والمشاكل
مرحباً بك،
ليس لدينا خدمة…
مرحباً بك،
ليس لدينا خدمة الواتساب، ولكن يمكنك متابعة موقعنا أو يمكنك الدخول على منتدى النقاش من خلال هذا الرابط: https://almontada.lmarabic.com/forum
شكرا
شكرا
عفواً، نتمنى لك حياة سعيدة.
عفواً، نتمنى لك حياة سعيدة.
الى الامام فعلا مفيد
الى الامام فعلا مفيد
كلام زي الفل