إجهاض بير السلم … وتجربة لا تُنسى
تصرخ زوجة أخي وصوتها يهز كياني، يهز أخي قدمه في توتر، كمحاولة يائسة للسيطرة على أعصابه. تصرخ هي مرة أخرى:”بموت.. الحقوني!”. ينظر أخي إليّ في استجداء أي جملة مني تطمئنه عن حالها، ولكن كنت عاجزة عن عمل أي شيء.
كنا نجلس أنا وأخي في إحدى العيادات التي تُوصف في مصر بعيادات “تحت السلّم”، لأن طبيبة النساء التي تُجري عملية الإجهاض لزوجة أخي، هي الطبيبة الوحيدة التي وافقت أن تقوم بالعملية، بمبلغ يناسب حالتهم المادية كزوجين حديثين لديهم طفلة لم تكمل العام بعد.
جاء هذا الحمل عن طريق “عدم الحذر”، ولم تكن صحة “ريهام” زوجة أخي، ولا الحالة المادية لأخي، تسمح بأن يدفعا تلك المبالغ الطائلة التي يطلبها الأطباء “الكبار” لإجراء هذه العملية، دون مناقشة السيدة التي تريد إجراء العملية عن أسباب الإجهاض، وكأنها حملت فيه من “الحرام”.
كابوس البحث عن طبيب
للأسف في مجتمعنا العربي والمصري، يتم تحريم الإجهاض بشكل مطلق دون النظر في ظروف السيدة الحامل. عندما اكتشفت ريهام أنها حامل ذهبت لطبيبتها الخاصة، هي نفس الطبيبة التي تعرف حالتها وحذرتها من الحمل.
أخبرت زوجة أخي طبيبتها أنها تريد أن تجهض الطفل.
الطبيبة رفضت لأسباب دينية، ومن بعدها لجأنا لأكثر من طبيب وكان يرفض لنفس السبب، بالرغم من المحاولات التي قامت بها ريهام لأن تثبت لهم أنها متزوجة، ولديها طفلة، وصحتها وظروفها لا تسمح.
قالت ان الطفل مازال نطفة لم تُبث فيه الروح، ولكن دون جدوى، أو شفقة لحالة تلك المسكينة.
في ظل تلك الأحداث، نصحتني صديقة بطبيب جيد وأمين ومحترف يقوم بتلك العمليات دون أن يناقش الأسباب، وأكدت لي انه موثوق به، ويقوم بإجراء العملية باحتراف شديد ونظافة أشد.
خطفت منها رقم الهاتف وتحدثنا إليه في محاولة للحجز، لنفاجأ بالأسعار الخيالية،
وكأننا ندفع ثمن سكوته لا ثمن إجراء العملية.
كان الأمر مستفزاً جداً لنا جميعاً، حيث أنه كان استغلالاً واضحاً للموقف – الذي يعتبر أزمة تمر بها مريضة أمام طبيب.
طالت رحلة البحث، والوقت يمر، والنطفة تكبر، وريهام تنهار، وأخي يهيم على وجهه لا يعلم ماذا يفعل، ويشعر بالضعف وقلة الحيلة لأن حالته المادية لا تسمح له بدفع هذا الرقم للطبيب، إلى جانب أنه حتى لو كان معه هذا المال، فإنه كان سيدفعه مجبراً بسبب هذا الاستغلال الواضح.
تحت السلم
في يوم ما، نصح أحد أصدقاء أخي بأطباء “تحت السلّم”. هكذا بالظبط وصفهم صديق أخي، وهؤلاء أطباء يقومون بهذه العمليات بأسعار معقولة، ولا يتحدثون عن أي شيء مع المريضة.
ظل أخي يبحث عن طبيبة من أطباء “تحت السلم”، حتى وجد تلك الطبيبة المريبة. بمجرد أن رأيتها في أول زيارة لها انقبض قلبي؛طريقة حديثها، ملامح وجهها، حتى عيادتها التي تشبه السلخانة!
أنظر إلى ريهام فأراها تبكي. لا تصدق أنها ستجري عملية في هذا المكان المرعب، على يد هذه الطبيبة غريبة الأطوار. تمسك بيدي ويدها ترتعش. أشفق عليها وعلى أخي، وأتمنى أن يكون هناك حلاً في يدي، ولكن محال.
هو موقف كُتب علينا جميعاً وكان يجب أن نخوضه. توسلت إليّ ريهام يوم العملية أن أكون معها. كانت تضغط على يدي وتبكي، “لا تتركيني وحدي مع هذه الغريبة”.
من داخلي – كفتاة لم تتزوج بعد – خفت على نفسي من هذه التجربة، ولكن لم أستطع أن أرفض.
كنت أشفق عليها فعلاً.
ذهبنا في ذاك اليوم، نجر أقدامنا، وريهام تبكي كالأطفال الذين يخشون التطعيم. تصطحبها الطبيبة في غرفة مغلقة، وترفض تماماً أن يدخل أي شخص معها.
نجلس أنا وأخي في الخارج، لنمر بأقسى لحظات حياتنا. صراخ ريهام وهي تحت تأثير البنج، تأخر الطبيبة في الداخل، ريهام تردد “انا بموت!”.
للأسف الاحتمال ليس بعيداً.
أبكي أنا ويكتم أخي دموعه، العيادة معبّقة بالبنج والديتول، والأساس القديم المكسور، والمنضدة المليئة بالتراب. لا يوجد حتى ممرضة تساعد الطبيبة، وكأنها تقوم بـ”سبوبة” خاصة بها.
قبل أن ننهارتماماً، تخرج ريهام، شبه غائبة عن الوعي، والطبيبة تصرخ فيها “حرام عليكي تعّبتيني”.
في تلك اللقطة انفجر أخي: “من أتعب من! كل هذا الدم وكل هذا الصراخ والألم الذي تعرضت له زوجتي، وفي النهاية تصرخي فيها وكأنك كنتِ تضعين لها مكياجاً؟”.
رد فعل الطبيبة لم يختلف كثيراً عن رد فعل أي سيدة تتشاجر معها في الطريق.
مدت يدها طالبة الأموال، قامت بعدها أمام أعيننا، وبيد ملوثة بآثار الدماء، كتبت لها وصفة الدواء وناولتها لنا بقرف.
حتى الآن، تلك التجربة الأليمة محفورة في ذاكرتنا، جعلتني أخشى الزواج، والحمل، وأطباء النساء، وأكثر من كل هذا، اخشى قلة الحيلة.
Shehal kan 3andha mn shehaar
Shehal kan 3andha mn shehaar
Fash dart l ijhad