البدايات المبهرة
Flickr

البدايات المبهرة

“أؤمن شخصياً بالحب المشحون، المليء بالعواطف المتضاربة والمواقف المتضادة، بالعلاقات المصحوبة بقبول عيوب الطرف الآخر”

فيديو على موقع “فيس بوك” لشاب يفاجئ حبيبته وسط أصدقائها بطلب خطبتها وسط تهليل وصيحات أنثوية فرحة…صورة على موقع فيس بوك لشاب يتقدم لخطبة فتاة وسط اصدقائها بالحرم، وعلى وجهها علامات الإنبهار والسعادة. أخبار تتناقلها الصحف الأليكترونية تحت عناوين مثيرة مثل: “شاب يفاجئ صديقته بطلب خطبتها”، “لوحة إعلانية في حرم كلية تجارة تتجوزينى يا علا؟”، “بالفيديو: “شاب يطلب الزواج من حبيبته بطريقة مفاجئة لن تصدقها!”


بالطبع صادفتك مؤخراً على مواقع التواصل الإجتماعى مثل تلك الأخبار. حتى وإن لم تصادفك، فبالطبع سمعت زوجتك أو خطيبتك تحكي لك عن هذه المشاهد، وتجذب رأسك عنوةّ لمشاهدة الصور أو الفيديو المصاحب للخبر، وبالتأكيد دخلت فى جدال هزلي حول الفئات الرومانسية النادرة جداً، والتي “لم يحالفك الحظ” لتصبح واحداً منهم. يسمونها رومانسية نادرة وأسميها بدايات “مبهرة”. يؤسفني أن اخبركم بأنني لا أقصد أي شيء يوحي باتفاقنا على أنها رومانسية نادرة ومبهرة، لأن البداية المبهرة لا تتوجها دوماً خاتمة مبهرة. أؤمن شخصياً بالحب المشحون، المليء بالعواطف المتضاربة والمواقف المتضادة، بالعلاقات المصحوبة بقبول عيوب الطرف الآخر والتأقلم معها بشكل لا يؤذي الطرف الآخر أو يكون على حسابه. أذكر أننى  صحت في يوم بانزعاج شديد من صديق يروي لي أنه يعرف جيداً كيف يمتص غضب صديقته رغم ارتكابه خطايا الحب السبعة. سألته فى فضول عن الطريقة السحرية، فأجابني بفخر مصحوب بعنجهية ذكورية “ببهرها .. فى نص الخناقة بقولّها بحبك، وحشني غضبك، أنا عملت كدة عشان اشوف وشك المكشّر، بشدّها فى حضنى وبعتذرلها فى ودنها”. لم أجد أمامي سوى أن أخبره بأنه يبتذل الحب وما يصاحبه من مشاعره، وأنه آجلاً أم عاجلاً ستفقد كلماته بريقها، وبالتالى سيفقد مع أول غلطة حبيبته المسكينة.

البدايات المبهرة هي سلاح ذو حدين كلاهما أشد ألماً و أذية من الآخر، فهي قد تكون وسيلة “فعّالة” للوصول إلى الهدف وتحقيق المراد، ولكنها تتضمن من جهة أخرى التغاضي عن المستوى الأعمق من العلاقة من أفعال وتصرفات وأوجه التشابه والإختلاف بين الطرف المنبهر والطرف المبهِر. تتشوش الرؤية وتصاب العيون بالزغللة بفعل العوامل المبهرة.


أؤمن شخصياً بالحب المشحون، المليء بالعواطف المتضاربة والمواقف المتضادة، بالعلاقات المصحوبة بقبول عيوب الطرف الآخر

البدايات المبهرة قد تكون أيضاً عاملاً من عوامل التجمّل والتصنع ولكن هذه المرة تحت شعار “إني لا أكذب ولكنى أود إبهارك!” (أنظر “إني لا أكذب ولكني اتجمّل”) علماً بأن الإهتمام المبالغ فيه، والإحتفاء الشديد كوسيلة إبهار، وزحزحة الفواصل، وقطع المسافات بين الطرفين رغبةً فى الوصول للطرف الآخر لن يستمر طويلاً، وسيظهر الضد تماماً مع أول خلاف حقيقي وربما يكون رد الفعل عكس توقعاتك تماماً!|
 إن إبتعدنا قليلاً عن نظرية المؤامرة، فالبدايات المبهرة قد تكون بحسن نية هدفها إسعاد الطرف الآخر والوصول الى قلبه بأقصى سرعة، ولكن مع الأسف النتائج المترتبة على ذلك لن تكون دوماً فى صف صاحبها. دعنا نعترف بحقيقة انك لست بـ “مستر بيرفيكت” او “لورد فانتاستيك”، وبالتالي لن تكون كل مفاجآتك بنفس درجة الإبهار، فكما يقول المثل المصري “مرة تصيب ومرة تخيب” ولكن ليست تلك هي المشكلة. المشكلة هي أنك أيضاً لن تكون دوماً فى حالة مزاجية جيدة تكفل لك القيام بحركاتك المبهرة ومفاجآتك المدهشة، وبالتالي قد يقارن شريكك ما بين حالك فى بداية العلاقة ومنتصفها وحالها الآن، وستكال إليك الإتهامات من كل صوب وحدب بالتغير واللامبالاة وأن حبك لم يعد بقدر ما سبق وستذكرك بلا شك ببداية علاقتكما المبهرة، وبالطبع ستنال إتهامات متعلقة بكونك مخادع وأن تلك ليست حقيقتك.
العلاقة العاطفية تلزمها حركة ديناميكية تدفعها للأمام وتعيد لها الحيوية والنشاط، لا بأس من الإبهار والمفاجآت ولكن إستخدمها فى وقتها المناسب وأجعلها تعبّر عن مواقفك وتؤكد تصرفاتك وأفعالك وتبرهن على صدق عاطفتك وحبك، وإلا ستصبح كالألعاب النارية فى السماء: إبهارك لحظي وغير مؤثر. ملاحظة: المدونات المنشورة تعبّر عن رأي كتابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.
  
هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات