مخاوف سرطان الثدي
Pixabay

كيف أطرد شبح سرطان الثدي؟

عندما سمعت من والدتي، وأنا طفلة، قصة مرض الفنانة شادية، والعملية التي وصفتها أمي بـ ” قطعوا صدرها”، دب الرعب في أوصالي، وكتمت شهقة كادت أن تنفلت. كيف يقطعون صدر امرأةً؟

كان الأمر ضبابياً بالنسبة لقدراتي على الاستيعاب والفهم، لكن، مما لا شك فيه، أن شبحاً ما ظهر، ولم يختفِ منذ ذاك الوقت عن ملاحقتي.

ليس من السهل أبداً على امرأة أن تتعامل مع “سرطان الثدي” كواقع يشهر سلاحه في وجوهنا جميعاً.

تشير بعض الإحصائيات أن امرأةً، من أصل ثمانية، معرضة للإصابة بالمرض. نحن لا نتحدث هنا عن نسبة يمكن تَفهمها أو التعامل معها بنوع من أنواع الارتياح، ولكننا نتعامل مع نسبة مفزعة ومخيفة حد الموت.

الوقوع في براثن شبكة من العلاقات، تسقط فيها واحدة من الأقارب، تليها صديقة عزيزة، في مصيدة هذا المرض، يجعل الخوف يسيطر. أصبت، كالمئات غيري، بهيستريا البحث عن وقاية من الشبح – حتى لو كانت تخاريف.

من حين لآخر، أستيقظ صباحاً على نعي في “السوشيال ميديا”، لامرأة لا أعرفها خسرت معركتها وراحت ضحية لهذا المرض. بكل تلقائية، أتحسس صدري، وما أسفل إبطي، وأعوذ بالله من شر الوقوع في أسر الشبح المرعب.

هوية الأنثى

إنه أمر من الصعب اختصاره في كلمات بسيطة. أنها مسألة أكبر من مجرد الحياة أو الموت. نحن نتحدث عن جودة الحياة ونوعيتها وشكل الموت والعذاب الموصوف قبله.

حتى عندما تنجو امرأةً من الشبح الفاتك بها، فهي ستخرج ناقصة لعلامة حقيقية من علامات وجودها … ثدييها.

الثديان لدى المرأة جزء أصيل من تركيبتها الجسدية وتوازنها الهرموني؛ إنهما رمز لأنوثتها وأداة لوظيفة طبيعية تحمل كل معاني استمرار الكون. 

حتى لو لم تكن المرأة أماً، فهي تجسيد لهذا الكيان الذي تحيا على كاهله البشرية. بالتالي فقد الثديين، أو أحدهما، وبلا أي نوع من أنواع تزويق الكلام، هو فقد للهوية. 

رمز الأنوثة
Pixabay

رحلة العذاب والألم


لكننا، للأسف، عندما نتعامل مع أدبيات المجتمع في مواجهة هذا المرض، نجد استخفافاً بهذه النقطة، ويكون التركيز فقط على أن تعيش المريضة دون التساؤل حول كيفية خروجها من صدمة فقد أحد أهم رموز أنوثتها.

ما بين الألم النفسي والألم الجسدي، خلال رحلة العذاب والألم، التي تغير جميع تفاصيل حياة كانت، يبدأ المجتمع في التقليل من شأن التعويض ببدائل جراحية تجميلية ويتعامل معه كأمر ثانوي تكميلي تجميلي بحت.

كل ما سبق لا يجسد حقيقة المأساة التي نعيشها – كنساء – في بلادنا. نحن نعيش في بيئة غير صحية، من حيث الطعام والشراب والهواء والعادات الغذائية والحياتية التي تتسبب بشكل مباشر في الخلل الهرموني – أحد أسباب سرطان الثدي.

أضف لمشاكل البيئة، التوتر النفسي والعصبي، الذي تفرضه علينا ضغوط الحياة العصرية في القاهرة. تفقد المرأة يوماً عن يوم الآدمية وتصبح شيء ذو مواصفات معلبة – ممزقة هي بين عملها في الشارع وفي المنزل حتى اختل توازنها النفسي.

برامج توعية تملأ الفضاء الإعلامي، تطالب المرأة بالكشف الدوري المنتظم كأسلوب وقاية، ومحاولة للكشف المبكر عن المرض.

 

لم ينظر أحدهم لواقع التأمين الصحي المخصص للنساء العاملات.

مثلاً أشعة “الماموجرام” لا تدخل ضمن الإجراءات الطبية المؤمن عليها، وإن كانت بعض تأمينات الرعاية تقدم تخفيضاً لها ربما لا يتجاوز الـ 15%.

ناهيك عن شريحة ضخمة من النساء، غير المنتظمات في عمل يُحسب له أي نوع من التأمينات الصحية، مثل العاملات في/من المنازل والبائعات المتجولات اللائي يقعن في شريحة “الأرزقية”.

لقد كان احتكاكي الحقيقي مع هذا المرض من خلال صديقة عزيزة عليّ، ورغم أنها تعمل في إحدى القنوات المصرية الشهيرة، إلا أننا اكتشفنا أنه لا يوجد تأمين صحي للعاملين بهذه القناة.

كان السؤال: كيف سنحصل على العلاج؟

عندما بدأنا البحث في الإجراءات الخاصة بالعلاج على نفقة الدولة، اكتشفنا أن هناك طابوراً طويلاً من المنتظرات للعلاج، وأن العلاج ليس مؤمناً عليه بالكامل، حيث تدفع الدولة جزءاً منه وتتحمل المريضة الجزء الآخر. 

الحارس من سرطان الثدي
Pixabay

مواجهة الفوضى والعشوائية


لم تكن تلك هي الكارثة الوحيدة، بل أن تشخيص حالتها/ من البداية، لم يكن دقيقاً. لولا اهتمام مجموعة من الصديقات، ممن لديهن شبكة علاقات واسعة بأطباء داخل وخارج مصر، ما كنا استطعنا تحديد حالتها وبروتوكول العلاج المناسب لها.

حالة من الفوضى والعشوائية هي التوصيف الحقيقي لمواجهة هذا المرض اللعين الذي ينتشر بين ليلة وضحاها بخبث وخلسة. وصل الشبح إلى الفتيات في سن ما قبل منتصف الثلاثينات، ما يهدد توازن الحياة نفسها بالقضاء على أمهات المستقبل. 

نحتاج إلى معجزة لمواجهة هذا الشبح. بداية من علاج مسببات الخلل الهرموني والنفسي، مروراً به بحملة قومية حقيقية مدروسة الجوانب، مع وضع خطة طويلة المدى لتحسين ظروف الحياة للنساء، فتوفير مستشفيات متخصصة ليس هو الحل، نهاية بخطة توفر رعاية شاملة وخاصة لكل فتاة تولد على هذه الأرض.

كل منا صممت وصفتها الخاصة لطرد شبح سرطان الثدي: انضممت راغبةً إلى هيستريا الوقاية بالطرق الطبيعية؛ تبنيت نظرية تحويل بيئة جسدي من حمضية إلى قلوية، باعتماد نظام غذائي نباتي.

لكننا في النهاية نجلس جميعاً على طاولة قمار خفية، لنراهن بأعمارنا على النجاة بلا أي ضمان حقيقي له.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات