الرائدة الريفية.. حلقة الوصل لنشر التوعية الصحية والمجتمعية في مصر
تحتاج النساء في المناطق الريفية إلى نساء مثلهن، ذوات مصداقية، ليتلقين عنهن المعلومات الطبية الصحيحة، وهذا دور الرائدات الريفيات.
في عام 2005 لفت نظر أحد العمال إعلان ورقي عن وظيفة شاغرة ملصق على أحد جدران مديرية الصحة في أسيوط.
كانت شروط الالتحاق بالوظيفة المذكورة في الإعلان؛ أن تكون المتقدمة مصرية الجنسية، ومن أهل المحافظة، وألا يقل عمرها عن الـ21 سنة. كما يجب أن تكون حاصلة، على الأقل، على مؤهل متوسط، وأن تكون المتقدمة حسنة السير والسلوك مستوفية شروط اللياقة الصحية. والأهم أن تتمتع المتقدمة للوظيفة بشخصية قيادية، وتوافق على التعهد بالحفاظ على سرية البيانات الشخصية.
عاد الأب العامل بالإعلان إلى منزله، وشجع ابنته ذات الـ22 عاماً التي حصلت حديثاً على دبلوم التجارة، على التقديم للوظيفة. قدمت الابنة بالفعل كونها مستوفية الشروط المطلوبة، ونجحت في الاختبار الوظيفي لتبدأ عملها كرائدة ريفية.
لأكثر من خمسة عشر عاماً، تستيقظ حليمة (38 عاماً) مبكراً كل يوم لتبدأ روتينها اليومي الذي تتبعه منذ بدأت عملها كرائدة ريفية في محافظة أسيوط. تنهض لتعد نفسها للذهاب إلى العمل، تتجه إلى الوحدة الصحية أولاً تمضى الحضور في تمام الثامنة صباحاً، تنهي بعض الأعمال الورقية سريعاً لتنطلق بعدها في زياراتها الميدانية لبيوت السيدات.
تعتبر مصر الدولة الأكثر سكاناً في الشرق الأوسط وثالث دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا. وفقاً للمسح السكاني الصحي في مصر لعام 2014، ارتفع معدل انتشار وسائل تنظيم الأسرة عن الأعوام السابقة للمسح. أرجعت الحكومة هذا إلى الجهود المبذولة لإعلام النساء بالخدمات الصحية، ومن أهمها ما تقوم به الرائدات الريفيات. وهنا ستتاح لنا فرصة التعرف على إحداهن عن قرب.
من هي الرائدة الريفية؟
رغم أهمية الدور الذي تلعبه “الرائدة الريفية” وعمل الكثير من السيدات بهذه المهنة لعقود عديدة، لا يعلم الكثيرون عنها أي شيء، حتى أن العديد من العاملين بالقطاع الصحي لم يسبق لهم السماع بهن للأسف.
يمكننا تعريف الرائدة الريفية بأنها همزة الوصل بين المؤسسة الصحية وأهل القرية أو المركز التابعة له، تحديداً النساء المعنيات بما تقدمه الوحدة الصحية من خدمات، واللاتي يجدن صعوبة في الخروج من البيت بشكل متكرر. الدور الأساسي للرائدة الريفية هو المساهمة في نشر التوعية الصحية والمجتمعية بين عموم الناس، ويتم ذلك عبر حصر الأسر في القرى والمراكز والمدن، وتوزيع الأسر على الرائدات الريفية.
تعمل حليمة إلى جوار رائدتين أخريين في المركز الصحي بنزلة عبد اللاه بأسيوط، حيث تتولى كل منهن على حدة مسؤولية التواصل والمتابعة مع حوالي 500 أسرة.
يتمحور عمل حليمة حول الزيارات الدورية للسيدات في بيوتهن؛ لإعلامهن بأي حملة تطعيمات أو فحوص طبية أو حملات توعية جديدة كحملات التوعية ضد خطورة ختان الإناث أو فحص الثدي المبكر للوقاية من سرطان الثدي. كذلك تحرص الرائدة الريفية على المتابعة مع السيدات للتأكد من حصولهن على وسائل تنظيم الأسرة، أو للاطمئنان على الحوامل منهن في الشهور الأولى وإرشادهن حول الميعاد المناسب لزيارة الوحدة الصحية للمتابعة، وصولاً لمرحلة ما بعد الولادة وكل ما يتعلق بالرعاية والتغذية السليمة للأمهات وأطفالهن.
تعد وظيفة الرائدة الريفية من الوظائف الصعبة التي تتطلب جهداً ذهنياً وبدنياً كبيراً. لا تنقطع زيارات الرائدات الريفيات لبيوت السيدات في حر الصيف القاسي، أو شهور الشتاء قارسة البرودة.
تخدم الرائدات قرى ومراكز ومدن نصف ريفية- نصف حضرية، سائرات في طرق غير ممهدة، لا يتمكن الأطباء المنتدبون المغتربون من الوصول إليها.
تخبرني حليمة أنها واجهت بعض الصعوبة كي تقنع زوجها بالاستمرار في عملها الذي قابله بعدم الترحيب كونه رجلاً صعيدياً يفضل أن تبقى زوجته في المنزل، خاصةً مع وجود أطفال. لكن حليمة حاولت قدر جهدها أن توفق بين عملها ومنزلها ورعاية أولادها الأربعة، وبعد تثبيتها في العمل عام 2013، استقرت الأمور وتحسن موقف زوجها من العمل.
دليل الرائدة الريفية.. وتنظيم الأسرة
تستعين الرائدات الريفيات أثناء أداء عملهن بدليل الرائدات، والذي يصحبنه معهن في زياراتهن لبيوت السيدات من أجل مراجعة المعلومات والتأكد منها، بالإضافة إلى الاستعانة بالصور التوضيحية التي تسهل عليهم مهمة إيصال المعلومة للسيدات. يتناول دليل عمل الرائدة الريفية موضوعات مختلفة مثل رعاية حديثي الولادة، الأمراض المعدية وغير المعدية، الصحة الإنجابية، التغذية السليمة، وغيرها من الموضوعات التي تهم النساء بشكل مباشر، ما يلعب دوراً عظيماً في استجابتهن للرائدات والتواصل معهن عند الحاجة.
تخبرني حليمة عن آخر دورات تلقتها؛ وكانت عن التوعية بفيروس كورونا المستجد وسبل الوقاية منه، وأعراضه، والإجراءات اللازم اتباعها في حالة الاشتباه، وضرورة التسجيل للحصول على اللقاح ضد الفيروس.
أما في شهر أغسطس العام الماضي تلقت حليمة وزميلاتها دورة تحت عنوان “تدريب الـ30 يوماً”، وتختص بمتابعة السيدات بعد الولادة في فترة النفاس من خلال زيارات أسبوعية لمدة ثلاثين يوماً، يليها زيارة في اليوم الأربعين في حالة عدم الذهاب إلى العيادة الصحية لتركيب وسيلة منع حمل.
هذه أدوار ضرورية، فوفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان حوالي 20% من الولادات تحدث في غضون 24 شهراً فقط من الولادة السابقة على مستوى الجمهورية.
يشير المسح السكاني الصحي لعام 2014، إلى أن حوالي 59% من النساء المتزوجات حالياً في مصر يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة. أكثر الوسائل الحديثة استخداماً على نطاق واسع هي اللولب، والحبوب، والحقن، بينما ذكرت الدراسة أن 3% من هؤلاء السيدات استخدمن الطرق التقليدية مثل الانسحاب قبل القذف، والامتناع عن العلاقة الجنسية المهبلية في أيام الخصوبة. وعليه، لم تستخدم 41% من النساء المتزوجات، اعتباراً من عام 2014، أي وسيلة لتنظيم الأسرة.
يمكن لنقص المعلومات تعريض النساء لخطر الحمل غير المرغوب فيه بعد فترة وجيزة من الولادة السابقة، مما قد يحمل مخاطر صحية ويسبب مضاعفات ووفاة أثناء الحمل. بينما تتسبب المعلومات غير الدقيقة مثل أن حبوب منع الحمل تسبب زيادة في الوزن أو الإصابة بسرطان الثدي، أو أن انقطاع الحيض الرضاعي قد يمنع الحمل من سنتين إلى ثلاث سنوات بعد إيقاف الرضاعة في إحجام كثير من السيدات عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة. وهنا يكمن أهمية الدور والجهود التي تبذلها الرائدات الريفيات، كحليمة وغيرها، لما يوفرنه من توعية مباشرة لهؤلاء السيدات.
يقع ضمن مهام عمل حليمة وزميلاتها متابعة السيدات الحوامل بشكل دوري من خلال زيارات نصف شهرية عند إتمامهن الأسبوع الثلاثين: “في الأول كانت الزيارة على فترات متباعدة يمكن كل شهرين مرة، دلوقتي لأ”. تتضمن هذه الزيارات توعية السيدات حول علامات الخطر في الحمل، علامات الولادة، وأسس التغذية السليمة وغيرها من أمور.
دورات تدريبية اجتماعية لا طبية فقط
ترى حليمة أن الاهتمام بالدورات التدريبية التي يحصلن عليها أصبح أكبر من ذي قبل، وبصفة شبه دورية، كما يعاد عقد الدورة الواحدة أكثر من مرة لضمان حصول كافة الرائدات عليها.
في حديث هاتفي مع فاطمة محمد توفيق، طبيبة تنظيم أسرة في المركز الصحي بنزلة عبد اللاه بمحافظة أسيوط، والذي تعمل به حليمة، توضح لي أنها تحرص على تزويد الرائدات الريفيات اللاتي يعملن معها بالمعلومات الطبية اللازمة في حال احتجن للإجابة على أحد استفسارات السيدات أثناء زياراتهن للبيوت. لكن ما يشغل بالها حقاً كطبيبة هو الموضوعات ذات البعد الاجتماعي مثل ختان الإناث أو زواج القاصرات وغيرها، تقول “عند نقطة معينة في كلامها مع الستات الرائدة بتقف.. مش بتعرف ترد”.
لا يمكن أن نغفل أن الرائدة الريفية تأتي من المجتمع المحلي نفسه الذي تعمل به، محملة رغماً عنها بموروثه الثقافي والاجتماعي، تكمل د. فاطمة حديثها “فغصب عنها أحياناً ألاقيها بتقول ما يمكن يا دكتورة الممارسة دي صح أو ما شابه”.
في العام الماضي شاركت حليمة ضمن الرائدات الريفيات في حملات طرق الأبواب، والتي وصل عددها 530 ضمن حملة “احميها من الختان” لتوعية الأسر، نساءً ورجالاً، بمخاطر ختان الإناث الجسدية والنفسية، والتي نظمها المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة بالشراكة مع البرنامج المشترك بين يونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان.
توضح حليمة قائلة: “شاركنا في جمع البيانات، والتوعية بخطورة ختان الإناث. بعض الستات كانت بتستجيب وتقول خلاص مابقيناش نختن بنات، لكن الحقيقة بعضهم كانوا بيرفضوا”. في حالة الرفض تحاول حليمة إقناع مثل هؤلاء النساء بزيارة الوحدة الصحية للتحدث مع طبيبة الوحدة التي تملك من المعلومات الطبية ما قد يُرجع هؤلاء السيدات عن اعتقادهم “بقول للست منهم روحي للدكتورة، وتشوف لو البنت محتاجة عملية ختان ولا لأ”. حليمة تعلم أن الطبيبة في النهاية ستنصحهم بعدم إجراء العملية.
تعتقد د. فاطمة أن من الضروري أن يخوض جميع المختصين في مجال طب تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية من أطباء أو تمريض أو مقدمي رعاية طبية أو رائدات ريفية لدورات تدريبية وحلقات نقاش تثقيفية تدمج العلوم الاجتماعية مع الطب، لأن هذا التخصص من أكثر التخصصات المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالأعراف والسلوكيات المجتمعية.
تضيف د. فاطمة أن من أهم القضايا التي ينبغي التعرض لها بالنقاش والبحث لتصحيح المفاهيم والمعتقدات الموروثة لا المعلومات الطبية المغلوطة فقط، تلك المرتبطة بالنوع الاجتماعي كالعنف ضد المرأة، أو ختان الإناث، أو حرمان البنات من التعليم، أو ضرورة إنجاب الولد تعزيزاً للأفضلية التي يتمتع بها الذكور.
وهنا تكمن أهمية الدور الذي تلعبه الرائدة الريفية في رأيها؛ لأنها تتواصل بشكل مباشر مع السيدات بطريقة مبسطة وسهلة، كما أنه لا يمكنها كطبيبة، أو أي طبيب، التحدث باستفاضة مع كل سيدة تدخل العيادة لضيق الوقت، بينما تملك الرائدة فرصة أكبر لتحقيق ذلك مع تقدير ما يتضمنه عملها من مشاق وجهد بدني في الخروج يومياً، صيفاً وشتاءً، في منطقة حضرية – ريفية ممتدة لمتابعة هذا الكم الهائل من الأسر.
على جانب آخر، هناك مساعٍ جادة من قبل وزارة الصحة والإسكان بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي لتدريب 14000 رائدة ريفية للعمل في مجال الصحة المجتمعية، من أجل توسيع نطاق خدمات وإمدادات تنظيم الأسرة.
** تاريخ آخر تحديث: 27 فبراير 2024
الرائدة الريفيه الصحيه هي…
الرائدة الريفيه الصحيه هي فعلا سيدة المجتمع الريفي
بالتوفيق للجميع والموضوع مهم…
بالتوفيق للجميع والموضوع مهم للسيدات ولصحتهم وسلامتهم
لم أ قبل في الاختيار
أهلاً بك/
على الأقل عرفتي طريقة التقديم وما تتطلبه هذه الوظيفة مما سيحسن فرصك في القبول في المرات القاددمة.
نتمنى لك التوفيق.
نفسي اشتغل فى التطوع فى التوعية الصحية والرائد ةالريفية
أهلاً بك أسماء/
يمكنك أن تسألي عن فرص التطوع في أقرب وحدة صحية قريبة من محل سنك.
نتمنى لك التوفيق.
لماذا عدم دخول الرائدة الريفية ف التأمين الصحي ؟
وهي اساسي حلقة الوصل ما بينها وبين السيدات
أهلاً بك/
يختلف هذا الأمر من بلد لأخرى وفقاً لتشريعاتها وقوانينها الخاصة التي تنظم العمل بالمجال الصحي