كنت قد تخرجت في الجامعة وبدأت العمل في مكان لطيف وكان مرتبي، رغم قلته، مناسباً آنذاك - يكفيني ولا يفيض.
كان هو في بدايات نجاحه المهني، يكبرني بعشر سنين تقريباً، كانت علاقتنا لا تتعدى المعرفة اللطيفة السطحية؛ لا أستطيع وصفها بأكثر من ذلك، لكني كنت أشعر تجاهه بالإعجاب.
في عصر يوم عمل عادي هاتفني هذا الشخص طالباً مني أن أعيره 500 دولار!
حكي حكاية طويلة ملخصها أنه سيسافر في مساء اليوم التالي وليس لديه وقت لصرف شيك بالدولار تلقاه مقابل عمل، وأنه بمجرد عودته من السفر، بعد أيام قليلة، سيعيد المبلغ.
لم أكن بالطبع أملك هذا المبلغ، ولكني "عملت قرد" كي أستعير من والدتي جزءاً من مصروف البيت الذي يرسله لها والدي المقيم في الخارج في ذلك الحين.
نجحت وأعرته المبلغ! سافر الشاب وهاتفني من الخارج يشكرني مرة أخرى على "جدعنتي". سألني إن كنت أريد شيئاً من الخارج. أجبته بالنفي. كنت أشعر بسعادة وكلي أمل في أن تأخذ العلاقة منحنى آخر بسبب مساعدتي له.
ما حدث لاحقاً كان متوقعاً جداً، ولكن ليس لفتاة لم تكمل عامها الثاني والعشرين بعد، خاصة وأن الشاب ناجح ومثقف ولطيف جداً، وهذا المبلغ لا يمثل رقماً كبيراً بالنسبة له.
لم أستطع مصارحة أمي بما حدث وأخذت سلفة من العمل ورددت المال. مرت الشهور، واحداً تلو الآخر، ولم يرد الشاب الدولارات ولم أستطع حتى سؤاله أكثر من مرتين - وعلى استحياء.
كان رده يحمل أسفً على التأخير وتحجج بالنسيان ووعد برد المال في أقرب فرصة!
نهاية القصة هي أنني، بعد 6 أشهر، كنت أحكي لزميلتي في العمل ما حدث فيتضح أن هذا الشاب وجد ضحية أخرى، هي أخت الزميلة، التي بدورها حذرت أختها.
ما زلت أشعر بالامتنان لتلك الأخت التي واجهت الشاب بالقصة، فلم ينكرها، وطَلَبت منه أن يرد ما أخذه مني، ففعل لائماً معاتباً متحججاً بالنسيان، وأنه لم يكن هناك داع للتصعيد والفضائح، وأنه كان بإمكاني الإلحاح أكثر حتى يتذكر!!!

لم أتعلم من هذا الموقف الذي أوجعني كثيراً، فبعد هذه القصة بأقل من سنة، ارتبطت بشاب وسيم ولطيف ومهذب وابن ناس.
تحملت مصاريفه بالكامل على مدار سنين بحجة أنه في بداية حياته المهنية، كنت أشعر بالضيق أحياناً.
لكني كنت سعيدة "بهبلي".
كنت أشعر أني فتاة متحققة مستقلة جدعة تساند من سيكون زوجها وتدعمه، ولا يصرف عليها أحد، بالعكس، هي التي تتحمل الشق المادي في العلاقة رغم أنه لم يكن هناك أي شق آخر يتحمله الطرف الآخر من الأساس!
أذهب للعمل من الساعة التاسعة للسادسة كل يوم، ويذهب هو في نفس الوقت للجيم ليحافظ على لياقته البدنية.
نخرج كل يوم لملاقاة الأصدقاء ويأتي الشيك، الذي أتحمله بالكامل، وبالطبع لست أنا من يدفع أمام الناس حماية لـ"برستيجه". جرت العادة بيننا أن أعطيه ليدفع هو أمام الناس.
لم استوعب أن ما يحدث هو استغلال مادي صريح إلا عندما بدأ يحصل على المال من عمله وبدا أنه ينجح.
أصبح دخله يساوي دخلي، أو يزيد، ورأيت بعيني كيف يصرف ماله على نفسه فقط؛ سيارة بعد أن كان يستعمل سيارتي طوال الوقت واضطر أنا لركوب التاكسي. ملابس غالية جداً، واستمر أنا في تحمل الأعباء المادية الخاصة بـ فسحنا بالكامل وشراء بعض لوازم الزواج الذي كان مقدراً أن يكون قريباً.
أدركت وقتها فقط ما يحدث. انتهت العلاقة وكانت هذه النقطة من أهم أسباب انتهائها.

الاستغلال المادي للمرأة هو شكل من أشكال العنف ضدها، وأخص هنا المرأة لعدة أسباب أهمها في رأيي:
حياة الثور في الساقية
في مجتمعنا، من الأمور المتعارف والمتفق عليها، أن يتحمل الرجل العبء المادي وتتحمل المرأة البيت والأطفال والتمارين والتنظيف إلخ إلخ.
تغير هذا كثيراً. أصبحت المرأة تشارك الرجل في الصرف وتحمل العبء المادي ولكن لم يشارك الرجل المرأة في الأعباء المنزلية ولا رعاية الأطفال.
أصبحت المرأة تعمل خارج المنزل لتشارك زوجها الصرف ثم تغسل وتمسح وتكنس وتطبخ وتراعي الأطفال وتعلمهم وتأخذهم للتمارين في محاكاة حقيقية للثور في الساقية!
النطاعة
هناك فرق كبير بين ألا يملك طرف أي مال، فيقرر الطرف الآخر أن يتحمل عبئه، وبين أن يكون الدخل تقريباً متساوياً، ولكن يقرر الرجل توفير ماله واستغلال ما تملكه المرأة.
لو عُكس الوضع وقررت المرأة أن توفر مالها لنفسها و"تستنطع"، يستطيع الرجل، ببساطة، التوقف عن الصرف عليها.
بينما، في أغلب الأحيان، لا تملك المرأة أن تفعل نفس الشيء لأسباب كثيرة هنا في مجتمعنا من أهمها ما قالته لي مساعدتي في المنزل، والتي تتكفل بأطفالها التسعة، بينما يأخذ زوجها كل دخلها من تنظيف المنازل ليتعاطى مخدر الترامادول، ويترك لها الفتات لتطعم الأطفال.
قالت لي عندما سألتها لما لا تتوقفي ببساطة عن إعطائه أي أموال "هيطردني أنا وعيالي في الشارع، وأنا ماليش حتة أروحها، وأهو عالأقل منظر. يبقى بالاسم معايا راجل بدل ما اتمرمط في الدنيا".
لا أستطيع أن أضع في نقاط "كيف تعرفين أنك تتعرضين للاستغلال المادي"، لأننا، كنساء، نعرف!
نحن نعرف جيداً عندما نتعرض لهذا النوع من الاستغلال، ولكننا نختار أن نسكت، أو الأسوأ، أن نكذّب إحساسنا ونتخيل أننا نساء قويات مستقلات داعمات جدعات.
إذا شعرتِ بشك أنك تتعرضين للاستغلال المادي، فأنت بالفعل تتعرضين للاستغلال المادي.