• الحب والعلاقات

صداقة دوت كوم

By أحمد عفيفي on 2016-05-052022-02-17

“ربما يوجد من يقبلنا كما نحن، بقصصنا العادية الناجحة أو المحبطة، بحالات فرحنا وحزننا، بصراحتنا منزوعة الخجل، بأسئلتنا الكثيرة”

إحدى أفضل معطيات الشبكة؛ هي قدرتها على تخطي الحواجز، والحدود، والعرقيات، والثقافات، أو بالأحرى قدرتها على تذويب الحواجز والحدود والثقافات. أنت عبر الشبكة يمكنك ان تتعرف على اصدقاء من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تتعرّف عليهم في العالم الحقيقي.

دعونا هنا نخصّص الامر بعض الشيء، ونتحدث عن الصداقة بين الرجل والمرأة، حيث ان عدداُ كبيراً من الرجال والنساء على حد سواء يجدون صعوبة بالغة في إقامة صداقات على أرض الواقع لأسباب شتى، من ضمنها الخوف أو الخجل أو التوحّد او الحرج.

لمن لم يقرأ رواية “قواعد العشق الاربعون” للروائية التركية إليف شافاف؛ فهي رواية قائمة على تبادل الرسائل الرقمية بين البطل والبطلة، وهي الرسائل المطوّلة التي بدأت كنوع من التساؤلات حول فحوى الرواية ومعنى الصوفية، وحقيقة الشخصيات الموجودة بالرواية، ثم تحول الأمر الى نوع من الصداقة والشفافية، القائمة على تبادل المشاعر والخبرات.

دعونا نتوقف هنا، عند حد الصداقة القائمة على الشفافية والصدق وتبادل المشاعر والخبرات.

رحلة البحث عن صديق
نحن كائنات بحاجة دوماً لمن ينصت إلينا؛ لمن يفهمنا ويقبلنا كما نحن، لمن لا يملّ من شخصنا أياً كانت صفاته. لمن يتوحد معنا، ويشاركنا أوقاتنا وخبراتنا مهما كانت غامضة او تافهة. بذلك العالم الافتراضي الشاسع، ربما يربض من يبحث عنا، كما نحن نبحث عنه. ربما يوجد من يقبلنا كما نحن، بقصصنا العادية الناجحة أو المحبطة، بحالات فرحنا وحزننا، بصراحتنا منزوعة الخجل، بأسئلتنا الكثيرة، وخبراتنا المحدودة بالحياة والجنس الآخر، بوقت مستقطع نقصّ فيه ما نشعر به دون أن نكون عبئاً على أحد، بل بترحيب من ذلك الصديق المصغي.

حين يتحوّل حوارنا مع الطرف الآخر إلى نوع من الاعتراف، نوع من الخلاص

فضاء آخر
الصداقات دوت كوم؛ تمنحنا كل ذلك الفضاء الشاسع من الفهم والقبول، حين يبد الأمر رويداً رويداً. حين يستكشف كل منا الآخر تدريجياً، حين لا يضطر أحدنا للتظاهر أو التجمّل، حين يتحوّل حوارنا مع الطرف الآخر إلى نوع من الاعتراف، نوع من الخلاص.

طريقة مباشرة وبسيطة للتخلّص من الحرج والخجل، فلا خوف أو حرج أو خجل ونحن تفصلنا آلاف الأميال، ونحتمي خلف درعٍ زجاجي أن نبتعد بكلمة بسيطة، على غرار ” نستكمل حديثنا غداً”، او “سأعود بعد قليل”، او “دعنا لا نتطرق الى ذلك الأمر الآن أو بعد الآن”.

مساحة فضفضة
الأمر الآخر الجيد؛ أن الصداقات دوت كوم، تتضمن عقداً غير مكتوب بكتمان الأسرار، وثقة يضمنها ابتعاد المسافات، وربما ابتعاد الأشخاص انفسهم. يمكنني أن أسأل وأستشير وأفضفض، وأعرض أكثر افكاري سوداوية أو مأساة. يمكنني أن استفيد من صديقتي عن أكثر ما تفضّله المرأة بالرجل حسب رأيها، وأكثر ما لا تفضّله النساء بالرجال. يمكنني أن أستعرض خبراتي السابقة الفاشلة، وأن أتفهّم منها عن أسباب إخفاقاتي. لا يوجد استشاريّ أفضل من امرأة فيما يخص المرأة، وربما كانت بحاجة هي الاخرى الى بعض النصائح بخصوص طبيعة الرجال.

عاطفة أخرى
الأمر الجيد الثالث؛ أن تلك الصداقة بشكل ما – وهو ما حدث بالفعل – يمكن أن تتحول إلى عاطفة أخرى، أكثر حميمية وارتباطاً، حيث أنّ ساعات من الحديث أو الفضفضة أو الدردشة كل يوم، يجب ان تسفر عن شيء، أو يمكن ان تسفر عن شيء. شيء حميم وطيّب، شيء مشترك، يبحث كلنا عنه طول الوقت. ربما نجده صدفة بالعالم الافتراضي، صدفة، دون حول منا ولا تخطيط. ربما أنا كما أنا، يبحث عني شخص بالضفة المقابلة من الكوكب، كما أبحث عنه أنا. كل ما فعله العالم الافتراضي هنا هو، أنه ادار طرفيّ المائدة، حتى أصبحنا نجلس سوياً وجهاً لوجه، بدلاً من جلوس أحدنا كل على طرف.

الصداقات عبر الانترنت؛ قد تكون بين رجل ورجل، امرأة وامرأة، امرأة ورجل، قد تغدو صداقات للأبد، أو حتى إلى حين، وتظل صداقات جيدة متينة، نتمتع فيها بقدر من الصراحة والموضوعية مع من نحن بأمس الحاجة اليهم.

الصداقات عبر الانترنت قد تتحول إلى عاطفة أخرى أكثر شفافية وحميمية. قد تقربنا من الطرف الآخر أكثر، وربما تدفعنا الى السفر إليه والارتباط به، حيث أن أحاديثنا المستمرة المتصلة قد تجعلنا نشعر أننا بحاجة حقيقية لتواصل حقيقي مع ذلك الشخص بعينه. ليس ثمة أفضل من علاقة حب بدأت كعلاقة بين صديقين، تشبّعا جيدا ببعضهما، تفاهما وانسجما.

ملاحظة: مختلف الآراء الواردة في المدونات تعبّر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.