قصة أمل مع سرطان الثدي
واحدة من كل 8 نساء تعاني من سرطان الثدي في مرحلة ما من حياتها. هل من أمل؟ إحدى الناجيات تتكلم… حاورتها مدونة الموقع سارة عثمان.
تبتسم في سعادة ورضا كاملين يظهران بوضوح على قسمات وجهها، تبلغ أمل الخامسة والثلاثون من العمر. “أمل” هو الإسم الرمزي الذي إخترناه أنا وهي لتحكي من خلاله قصتها أو لنقل صراعها مع مرض سرطان الثدي.
هي قاهرية المولد، صعيدية الأصول، وجودها في المكان يشعرك بسعادة وإطمئنان قلما نصادفهما هذه الأيام.
داهم سرطان الثدي “أمل” حين كانت في الثامنة والعشرين من عمرها، تقول أمل: “شعرت بتغير في لون صدري الأيمن، تحسسته فوجدت “حاجة مكلكعة” في صدري وإحمرار متزايد، شعرت بالرعب فإحدى قريباتي عانت من نفس الأعراض تقريباً، وبعد فترة خضعت لعملية استئصال ثدييها، لكن قريبتي كانت متزوجة وتخطت الأربعين.
تستطرد “أمل” كنت فاكرة إن مرض السرطان بالذات سرطان الثدي مش بيهاجم البنات كنت فاكراه بيصيب الستتات الكبيرة المتجوزة بس”.
تكمل “أمل” في البداية ذهبت لطبيب جراحة عادي مش متخصص في جراحات الأورام، وتؤكد ” كانت دي أول غلطة مني” لأنه قام بعمل جراحة وفتح صدري وقال انه مجرد :”خرّاج” وهايشيله لكن بالطبع لم يكن هذا هو التشخيص الصحيح كان المفروض الدكتور الله يسامحه ياخد عينة من انسجة الورم أو الخراج اللي شاله علشان يحللها لكنه لم يفعل، لذلك انتشر الورم بسرعة، وذهبت بي أسرتي لدكتور أورام معروف واستطاع ان يدخلني معهد الأورام.
تم عمل التحاليل والفحوصات اللازمة، وكان قرار خضوع أمل لعملية استئصال للصدر الأيمن أمراً لا مفر منه. نزل الخبر عليها وعلى عائلتها كالصاعقة، أمل لم تزل “آنسة”، وفي مقتبل حياتها وعملية بهذا الشكل – حتى وإن تزايدت نسب نجاحها وخروجها منها بأمان كما أكد لهم الطبيب – ستصيب حياة أمل الاجتماعية في مقتل، وذلك كون أمل لم تتزوج بعد، فالمجتمع يعاني من تأخر سن الزواج بالفعل لأسباب متعددة، وهاهو سبب جديد وبعداً آخر يضاف إلى قائمة ضعف فرصها، و بذلك يصبح الزواج بالنسبة درباً من دروب الخيال.
هذا ما كان يشغل بال أسرتها، أما ما كان يشغل بال أمل فهو ” اجابة سؤال ظل يتردد داخلها بلا توقف وتحديداً: ” كيف سأواجه العالم بثدي واحد؟”أو بمعنى آخر “كيف ستظهر على الملأ أمام زميلاتها وزملائها بالعمل بهذا الشكل الغريب؟
تحكي أمل: “انتابتني حالة خوف ممتزج بالرعب كادت أن تقضي عليه خاصة بعد الأيام الأولى من الجراحة، تقول أمل “فكرة اني هابقى نص ست، بنص أنوثة اه ببساطة صدر الست في ثقافتنا جزء من أنوثتها، دي الناس بتعايرالبنات اللي صدرها صغير، فما بالك بقى في واحدة بنص صدر؟!”
كانت الكلمات تعتصرها عصراً، و لم استطع أن أسيطر على دموعي وهي تسترسل في الحكي: ” في أول ليلة من شهر رمضان وقفت بعد ما نويت الصيام في بلكونة بيتنا ودعيت “اللهم اجرني في مصيبتي واخلف عليّ بخير منها” وبكيت وتوسلت و تضرعت لله أن يعطيني القوة لأواجه مرضي وأمراض المجتمع قبل مرضي، فأنا بالنسبة لمن يعرفون حقيقة ما حدث لي البنت المسكينة اللي جالها المرض “البطّال””.
وتكمل “أمل”: “وبمساندة طبيبة نفسية تعّرفت عليها في معهد الأورام استطعت تدريجيا أن أتقبل وضعي الجديد وبدأت في الذهاب لعملي، في تلك الأثناء كانت هدايا السماء قد بدأت في الهبوط عليّ، فهاهو تحليل الأنسجة يقول أني لن أخضع للعلاج الكيميائي، وسيكتفي الأطباء بالعلاج الدوائي فقط مع استمرار المتابعة كل اسبوعين.
كان هذا الخبر بمثابة طوق نجاة جديد لي، خوفي من تلقي العلاج الكيميائي كان مسيطراً عليّ بشكل مرضيّ لدرجة أني كنت بصحى مفزوعة من نومي وأنا بحلم بكابوس متكرر ملخصه إني” البنت القرعة أم صدر واحد”. كانت رحمة ربي أكبر من كل الرعب والخوف و القلق اللي عشته”.
تصمت قليلاً وتستكمل، وقد عادت إلى تفاصيل وجهها الطيب الإبتسامة ليشرق من جديد، “مرت ثلاث سنوات تقدّم لي فيها أكثر من شخص للزواج، لكن عندما يعرف حقيقة ما حدث لي، يختفي و يذهب دون رجعة. كنت لا ألومهم لكن في الوقت نفسه كنت اسأل: “وما دنبي أنا؟” فما حدث لي لم يكن اختياراً إخترته لنفسي، إلى أن ظهر “أحمد” في حياتي، زميل لي منقول حديثاً إلى مكتب الشركة بالقاهرة، وكما يقولون الأرواح التائهة تتعارف سريعاً إذا ما واتتها فرصة واحدة للقاء.
حدث استلطاف وراحة بيني وبينه و لأنه ” دوغري و مش بتاع لعب. فاتحني في الزواج، كنت أسعد وأتعس إنسانة في آن واحد، كنت انتظر هذا اليوم بفارغ الصبر وكنت أخاف من اقترابه فمعنى أن يعرض عليّ الزواج هو خروجه من حياتي بلا رجعة كما فعل السابقون”.
تبتسم في سعادة غامرة و تكمل ” لكن ذلك لم يحدث، ابتسم “أحمد” في طيبة وحب وحنان لو قسموهم على أهل الدنيا لكفاهم وزاد قليلاً، قال لي انه يعرف كل شيء عني وعما حدث لي وأكد انه لن يتنازل عن فكرة الزواج بي مهما كلّفه الأمر.
في البدء عارضت أسرته بشدة زواجه مني، لكن معارضتهم لم تصمد كثيراً أمام إصرار وتمسك أحمد بي و تم الزفاف بالفعل، و أسمعني أحمد ليلة زفافنا كلمات لم ولن أنساها ماحييت، وجدني صامتة، باكية ومرتبكة فقال لي: “بصي، فيه ستات كتير ممكن يكونوا ملكات جمال ومش ناقصهم من برة أي حاجة، لكن من جواهم ناقصين حاجات كتيرة، أنا بشكر ربنا انك مش من الستات دي، انت بالنسبة لي أجمل بنت ممكن راجل يقابلها و يتمناها زوجة له”.
.تمسح أمل دمعات تناثرت فوق وجنتيها و تكمل، “نحن الأن نختم عامنا الخامس في الزواج و قد رزقنا الله بطفل أسميناه “رضا” صممت بعد ولادته ان أرضعه من صدري الشمال”.
تركت أمل وأنا أحاول استيعاب قصتها هي و زوجها وأسأل نفسي: ترى من هو بطل هذه القصة؟ أمل التي استطاعت أن تحيا رغم كل أسباب الموت التي كانت تحيط بها ؟ أم أن البطل هو أحمد الذي منح أمل قبلة الحياة؟ أم كليهما؟، وخلال تساؤلاتي عاودني الشعور بالخجل من تأففي أنا وغيري وشكوانا وبكائنا بسبب نزلة برد لا تمكث أكتر من أسبوع.
عمرك مررت بظروف وتحديات مؤلمة غيرت حياتك إلى الأفضل؟ يمكن مشاركتها معنا أدناه أو عبر فيسبوك وتوتير.
مساءالعسل
مساءالعسل
راضيه بقضاءالله ورزقها باحسن…
راضيه بقضاءالله ورزقها باحسن زوج