غاوي نكد
تجده يلعن حظه التعيس المترصد له في كل شاردة وواردة، مستأجراً له عملاء وجواسيس يتسمون بالخسة والدناءة، كل هدفهم في الحياة إفساد صفاء ذهنه وتعكير مزاجه العام، وإسقاط النكبات فوقه نكبة بعد الأخرى
ابتلاني ربي من لحظة إدراكي بأن اكون مستمعاً جيداً، وذا قدرة على امتصاص آلام الغير. كنت يوماً ما سعيداً بأنني مصدر تفريغ لهموم وآلام الكثيرين. ومع مرور الأيام، بدأ وهج فرحتي وسعادتي بهذا الأمر يخبو ويندثر، وبعد ان كنت لحوحاً في طلبي لمعرفة ما يعكر صفو من حولي، حريصاً على إيجاد البلسم الشافي لمشاكلهم، اصبحت أكتفي بدعواتي وأمنياتي بزوالها عن قريب.
مع ذلك، أعترف بأنني ما زلت لا أقاوم أحياناً الرغبة بمد يد العون والمساعدة، وتفريغ وقتي وجهدي وذهني للإصغاء إلى مختلف تفاصيل مشاكل غيري، ما يدعوني أحياناً إلى التساؤل في سريرة نفسي:
هل الشخص نكدى بطبعه؟
ربما تسأل: هل هناك شخص نكدي بطبعه؟ الإجابة ستجدها فى سطوري القادمة، وبالأدلة والمواقف.
الشخص “النكدي” يميل غالباً إلى أن ينكر نكده. ما ان يبدأ بسرد مشكلته وعرض أحداثها، تجده بعد كل موقف يؤكد:
“انا مش شخص نكدي”، موقف وراء موقف… والجملة تتكرر رغم لعنه لسائر مخلوقات الكرة الأرضية التي استغلت طاقاته وصفاته وشيمه الفاضلة. تجده يلعن حظه التعيس المترصد له في كل شاردة وواردة، مستأجراً له عملاء وجواسيس يتسمون بالخسة والدناءة، كل هدفهم في الحياة إفساد صفاء ذهنه وتعكير مزاجه العام، وإسقاط النكبات فوقه نكبة بعد الأخرى…
تبدأ أنت بممارسة دورك كشخص مساعد، فتبدأ بالتعاطف والمشاركة الوجدانية، ثم تسرد الحلول والنصائح والفرص، والعمل على إخراج الشخص المعني من مشاكله إلى بر الأمان، ولكن… لا تأتي الرياح دائماً بما تشتهي السفن!
الكائن البشرى الطبيعي يستمع ويحاول تطبيق الحلول، ويقيس مدى امكانية تحقيق ما تلقى من نصائح. وفى حال فشل في ذلك، تجده يسعى لإيجاد حلول أخرى للخلاص من حالة بؤسه. أما الكائنات البشرية التواقة للنكد، فإنها تلجأ دائماً وأبداً للشماعة، بمعنى انك تكتشف مشكلته ويعترف بها، وتقومان بمناقشتها نقطة نقطة، ثم تضعان ايديكما على الحلول، ويبقى الأمر الوحيد الناقص هو عنصر التطبيق. الشخص “النكدي” هو ذاك الذي بمجرد الوقوف على الحل يدخل نفسه في حلقة جديدة من النواح واعادة كرّة “العيب في الزمن والأصدقاء والجنس البشري”، والتحسّر على صفاته وشيمه الطيبة، مؤكداً انه ضحية لمجتمع يعاني من ترتيب الأولويات وتطغى فيه الماديات على العواطف الإنسانية، ليجرّك لسجال ومناقشة حول اسباب ذات المشكلة، وعن عجزه عن ايجاد حل لنفس ذات المشكلة!
تفسيري الوحيد لهواية النكد عند بعض الأشخاص هو الفراغ القاتل، فكما ذكرت لا يوجد شخص طبيعى يفرغ وقته وجهده لتعداد ما يثقل همه دون ان يتطرق لحل واحد من الحلول المطروحة، ليتأكد من جدواها أو عدم جدواها رغم بساطتها وسهولتها. درجة الفراغ عند البعض تصل بهم الى تذكّر موقف مأساوى قديم يعيد تحليله والتفكير به ومناقشة أبعاده، ليثبت فى نهاية الأمر ان قلبه الطيّب لم يستوعب وقتها أن القصد من وراء هذا الموقف كان عكس ما تأكد منه اليوم!
الحياة جميلة ومليئة بالسلالم والمصاعد والزحاليق والانفاق والحفر والشقوق والثقوب، نهايتهم النور الذى تبحث عنه لتشعر بالفرحة والسعادة. لا توجد حياة دائمة السواد، ولا اعتقد انك خُلقت ليتم اضطهادك من قبل مخلوقات الأرض جميعاً. لا يوجد شخص كامل. حاول ان تتعرف على نفسك بشكل أكبر، أحب نفسك أكثر، وكن على يقين ان نفسك لا تستحق النكد على الإطلاق. انظر حولك ستجد اصدقاء ومقربين تحملوا مشاكلك وتقلباتك المزاجية. اقترب منهم أكثر… ستجدهم دوماً على أتم استعداد لمد أياديهم لمساعدتك وطمأنتك. لا تبتعد عنهمّ وتأكد ان الله قد خلقك لغاية وأكيد هى ليست إزعاج من حولك بغوايتك للنكد!
المدونة تعبّر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة عن رأي موقع “الحب ثقافة”
البتسام هاى اجمل ما فى الحياة
البسمة هي اجمل ما فى الحياة.
تحياتي لك أ.احمد سمير
تحياتي لك أ.احمد سمير
أحسنت في كتابة هذا المقال
أحسنت في كتابة هذا المقال والجملة التي تعبر عن خلاصة المقال وهي معبّرة لجميع من يتخذ النكد أسلوب حياة العبارة : ” تفسيري الوحيد لهواية النكد عند بعض الأشخاص هو الفراغ القاتل ” .