كلمة السر: “الاحتضان”.. كواليس التبني في مصر
يمكن للتبني أن يكون تعويضاً للزوجين الذين حُرما من حلم الإنجاب، ولكن المجتمع يضع تعقيدات كثيرة على تبني الأطفال. فكيف تتجاوز الأسر تلك التعقيدات.
البعض يتزوج من أجل إنجاب الأطفال، والبعض الآخر تستمر زيجته فقط من أجل الأطفال الذين أنجبوهم تحت شعار “الأولاد لازم يتربوا في وسطينا”. أما الذين تزوجوا ولم ينجبوا، لن يكف أهلهم عن السؤال في هذا الأمر والإلحاح في أحيان أخرى.
وعلى أبواب أطباء النساء والتوليد تجد الكثير من الأزواج الذين يتساءلون عن سبب تأخر الحمل حتى لو كان لعام فقط بعد الزواج، ومن تجد في جسدها علة تمنع الإنجاب قد تنفق آخر جنيه تملكه لعلاج تلك العلة، ولكن هناك من لا تفلح معهم العلاجات.
قد يكون السبب الزوج أو الزوجة ولكن النتيجة واحدة، فجأة يشعرون بالوحدة، وبعض من هؤلاء يلجأ للتبني لاختبار مشاعر الأب والأم.
قد تبدو صورة الأسرة التي اختارت التبني جميلة ورائعة من الخارج، ولكن الأمر أكثر تعقيداً مما نراه، واليوم أشاركم قصص من داخل أسر اختبرت اختيار التبني.
“حتى يكون التبني شرعياً”
في مصر، داخل هذا المجتمع المتدين والمتمسك بالعادات والتقاليد، فإذا كان الطفل المتبنى أنثى فهناك خلاف على تواجدها مع رجل غريب – الأب- خاصة عندما تصل إلى سن المراهقة والشباب وينطبق نفس الأمر على الطفل الذكر والذي سيكون غريباً عن الأم في سن الشباب، وفي قصة نادية وابنتها المتبناه سامية قصة لحل تلك المشكلة بشكل شرعي.
تأكدت نادية في نهاية العقد الثالث من عمرها –أي منذ أكثر من 15 عاماً- من أنها لن تكون قادرة على الإنجاب، بعد أن علمت أن زوجها عقيم.
لم يكن خيار الانفصال عن زوجها مطروحاً؛ فقررت أن التبني هو الخيار الأفضل، ولكن نادية –السيدة المنقبة- لم تتقبل فكرة وجود طفلة غريبة عن زوجها تكبر وتترعرع في كنفه، ولأن رغبتها الأساسية في الإنجاب كانت من أجل فتاة وليس صبي، فلجأت إلى أحد شيوخ الأزهر لتسأله عن حل لهذا الأمر، حتى تتبني طفلة رضيعة.
الشرط الأول الذي أخبرها بها الشيخ هو ضرورة عدم تغيير اسم الطفلة حتى لا تختلط الانساب، والشرط الثاني هو أن تتحول تلك الطفلة الرضيعة من غريبة عن الأب لقريبة له، وهذا عن طريق إرضاع أحد أقارب الأب للطفلة.
التبني مفهوم مرفوض في الدين الإسلامي، ولكن الدين يحث على كفالة اليتيم، ومؤخراً حين ينضم الطفل المكفول إلى الأسرة، تسمى هذه الممارسة بـ “الاحتضان”.
تقول نادية: “لقد كنت محظوظة”، لأنه في نفس الوقت الذي سعت فيه نادية للتبني، كان شقيق زوجها قد أنجب طفلاً لتوه، ولذلك تحولت زوجة شقيق الأب إلى “مُرضعة” للطفلة المتبناه، وبذلك لم يعد هذا الأب بالتبني غريباً عنها، بل أصبح في مقام العم لها.
نادية الموظفة في وزارة الشباب والرياضة في مصر، وزوجها طبيب الأسنان، لم يواجها تعقيدات في إجراءات تبني سامية لأن الشروط التي فرضتها وزارة التضامن الاجتماعي في ذلك الوقت انطبقت عليهما، وهي أن تكون الأسرة التي تقوم بالتبني بها أب وأم ولهما عمل ثابت ودخل مادي ثابت، كما يشترط أن تكون الأسرة على نفس ديانة الطفلة.
وفي المقابل اختارت نادية أن تكون صريحة مع الطفلة، وبمجرد أن وصلت سامية إلى عمر السبع سنوات، شرحت لها نادية وضعها كطفلة متبناه مؤكدة أن استيعابها للأمر سيكون أفضل في سن صغيرة، مشيرة أن هناك البعض يلجأ للتحايل على القانون والطفل ويجعلوه يظن لفترة طويلة أنه غير متبنى، الأمر الذي يأخذنا لقصتنا التالية.
“أريد إرجاع هذا الطفل”
رانيا* –28 سنة- أخصائية نفسية، شغلت تلك الوظيفة في منظمات من شأنها تقديم الدعم النفسي لأطفال مؤسسات الأحداث والملاجئ في مصر، وحدثتني كثيراً عن الوضع المؤلم نفسياً الذي يمر به الأطفال والأحداث في تلك المؤسسات، وكانت هذه أكثر حكاية لفتت نظري فيما روته لي.
بعض الأسر التي تتبنى طفلاً صغيراً لم يدرك الواقع من حوله بعد، يلجأون إلى طرق غير قانونية لتغيير اسم الطفل ليكون على اسم الأسرة التي قامت بالتبني، ويكبر هذا الطفل ويصل إلى سن المراهقة وهو يظن أن تلك هي أسرته البيولوجية.
وفي واحدة من الأسر التي لجأت لهذا الأمر غير القانوني، اكتشف الأب أن ابنته –بالتبني- والتي وصلت لسن المراهقة، على علاقة بشاب يكبرها في العمر، وقد أرسلت له صوراً عارية لنفسها، وتحول الأمر إلى “فضيحة” بين أصدقائها وأسرهم.
في تلك اللحظة لم يتعامل الأب على أن تلك المراهقة التي ضمها في منزله منذ أن كانت طفلة، على أنها ابنته، انفصل نفسياً عنها بسبب ما فعلته، وقرر مصارحتها بحقيقة أنها متبناه، وبعدها قرر إرجاعها إلى المؤسسة مرة أخرى.
تخبرني رانيا أن الضرر النفسي الذي تعرضت له الفتاة كان عظيماً، خاصة وأن جزءاً منها لم يصدق أنها بالفعل متبناه، وأن والدها «تبرأ» منها بسبب ما فعلته.
ما عاصرته رانيا مع هذا الحالة، جعلها تريد توعية من ينوي تبني طفل، بأن يتعامل مع الأمر قانونياً وإنسانياً، فهذا الطفل – توضح رانيا- ليس شيئاً مستعاراً أو تجربة قد تفشل فتقرر إرجاعه للجهة التي ينتمي إليها، فهؤلاء الأطفال يعانون الأمرين في تلك المؤسسات وفي أمس الحاجة لمشاعر الأسرة ودفئها.
بعد تعامل رانيا –غير متزوجة- لفترة طويلة مع هؤلاء الأطفال، وجدت نفسها تنجذب لطفلة عمرها 13 عاماً، لما رأته فيها من ذكاء وحساسية شديدة وأحلام تود أن تحققها، ولذلك قررت أن تتبني تلك الفتاة.
تخبرني رانيا أنه فيما مضى لم يكن لأمرأة عزباء أن تجرؤ على طلب تبني طفلة، ولكن مؤخراً بدأت وزارة التضامن الاجتماعي في تسهيل عمليات التبني، نظراً لتكدس الأطفال الذين بلا أهل أو مأوى أو الأحداث في المؤسسات، الأمر الذي يعد عبئاَ اقتصادياً على الدولة.
رانيا الآن تعمل على تجهيز شقة خاصة بها لتعيش فيها مع هذه الطفلة، ونظراً لعملها في محافظة بعيدة عن أسرتها، فاستقلالها في منزل منفرد لم يكن فكرة مرفوضة من أسرتها، ولكن المؤسسة لم توافق تماماً على منحها الطفلة حتى الآن، وهم في انتظار توفير رانيا لمأوى لتلك الطفلة.
تؤكد رانيا أن هناك لجنة تتابع الأسرة التي تقوم بالتبني وتقوم بزيارة المنزل للتأكد من توفير تلك الأسرة وسائل الراحة والأمان للطفل.
مسؤولية كبيرة
“حينما أخبرت أمي إني أريد تبني طفلة، أصابها الفزع”، تخبرني سارة* –35 عاماً غير متزوجة- وكان هذا منذ خمسة سنوات، ثم بدأت كلمة جديدة في الظهور على ساحة التبني وهي كلمة “الاحتضان” والتي تشبه الكفالة أيضاً.
رسمياً لا تختلف تلك الكلمة في شيء عن التبني ولكن سارة تخبرني أن وقع الكلمة أخف على أذن المجتمع المصري خاصة الأسر المتدينة منها، أو “في حالة أمي، التي تظن أنني إذا تبنيت طفلة لن أتزوج أبداً”.
ولكن سارة وضعت احتمال عدم زواجها في الحسبان ولذلك تبنت “منة” والتي أصبحت “الشمس التي تشرق حياتها”، وبعد إنهاء الإجراءات الرسمية الطويلة مع وزارة التضامن الاجتماعي تقول سارة: “حينما نامت بين ذراعي لأول مرة شعرت بالأمان يتسرب إلى قلبها وكأنها أدركت أنها في منزلها الآن، وقتها لم أعد أتذكر كل إرهاق الإجراءات التي مررت بها”.
“هي مسؤولية ليست هينة”، تخبرني رانيا ولكنها تؤكد أيضاً أنها كانت في أمس الحاجة لتلك المسؤولية. فهي تشعر الآن أن لحياتها هدف، ولكن في المقابل لم تعد تتصرف بنفس الحرية التي كانت تعيشها من قبل، وهي دوناً عن غيرها تدرك أهمية تعلق طفلة، بلا أهل أو مأوى، بها نفسياً.
بينما تخبرني نادية أن البعض يظن أنها قدمت معروفاً لتلك الطفلة اليتيمة، ولكن ما لا يدركه الكثير أن تواجد تلك الطفلة في حياتها هو المعروف الذي قدمها له القدر، فهي بدونها كانت ستعيش تعيسة.
وعلى الرغم من غضب أهلها منها لأنها قررت وضع سامية في وصيتها، ولأن نادية ميسورة الحال هي وزوجها، لم تعد سامية محبوبة من أسرتها أو أسرة زوجها، وهي في العمر الذي يسمح لها بإدراك هذا الآن، ولكن نادية تؤكد أن حب الأب والأم لها كاف وتأمين مستقبلها أهم.
ما أدركته أثناء بحثي في أمر التبني أو الاحتضان، هو أن الشخص الذي يقرر خوض تلك التجربة هو يسدي المجتمع واقتصاد الدولة ونفسه والطفل معروفاً كبيراً.
ولكن أيضاً إذا لم يكن هذا الشخص كله ثقة بأنه قادر على توفير الرعاية النفسية والمادية الكافية لهذا الطفل، فمن القسوة انتزاع هذا الطفل من المؤسسة التي اعتادها وتعريفها على حياة الأسرة ودفئها.
ومن ثم إذا فشلت التجربة يعيده إلى المؤسسة مرة أخرى، فهذا الأمر ليس معه شهادة ضمان، ويجب –من وجهة نظري- أن يعامل الطفل المتبنى معاملة الطفل البيولوجي.
* الاسم مستعار بناء على رغبة المصدر
اقرأ/ي المزيد: 5 خطوات لتجاوز كرب العقم