
أمهات منفردات.. الصعوبات أهون من وجود شريك غير متعاون
على الأم المنفردة في كل الأحوال أن تتعامل مع نفسها على أنها أولوية، فإذا لم تعتنِ الأم بصحتها النفسية والجسدية لن تستطيع رعاية أبنائها.
في زيارة لي لإحدى قريباتي بعد طلاقها بعام، فوجئت برشاقة جسدها ونقاء بشرتها، مقارنة بالفترة التي كانت متزوجة فيها.
أخبرتني أنها أجرت تدخلاً جراحياً من أجل الحد من زيادة وزنها، كما أنها تعالج مشكلات الغدة الدرقية التي تعاني منها، وتواظب على زيارة الطبيب.
هذه القدرة على العناية بالذات كانت غائبة عنها أثناء زواجها، وكانت تظن أن السبب طفلتها التي تعطلها عن الاهتمام بنفسها، ولكن بعد الطلاق والتخلص من المشكلات الزوجية اليومية، استطاعت أن تهتم بنفسها وبابنتها بشكل أفضل.
كان هذا يعني بالنسبة لها أن الطلاق والأمومة المنفردة أفضل بالنسبة لها من وجود زوج غير متعاون يعيقها عن أداء أدوارها بشكل أفضل.
“كل طاقتي مِلك ابني”
“أعيش في ظروف اقتصادية أقل؛ ولكن أشعر بسلام نفسي أكبر”؛ هكذا وصفت هالة (37 سنة موظفة في بنك)، وضعها الحالي بعد الطلاق واستقلالها بحياتها هي وابنها ذي التسع سنوات، مؤكدة لنا أن منزلها إيجار جديد، ويكلف ما يزيد عن نصف مرتبها، كما أنها تتولى مسؤولية ابنها المالية بمفردها؛ فزوجها السابق لا يشارك إلا بالقليل لأنها هي من طلبت الطلاق.
“المسؤولية كبيرة وأحياناً أشعر بالإرهاق الشديد بسبب العمل في وظيفتين لتحسين دخلي المالي” ولكن الجانب الإيجابي الوحيد في هذا الوضع أن “كل طاقتي النفسية ملكي وملك ابني”، بعد أن كان يستنزفها زوجها بالإهمال والإحباط، والعنف تجاهها أحياناً.
مشاعر الغضب تسيطر أحياناً على أمجد بسبب معرفته أن والدته طلبت الطلاق لأنها لم تعد تحب أباه، هي لم تخبره بذلك بل أخبره الأب انتقاماً منها، بسبب تلك المشاعر الغاضبة عانت هالة من مشكلات عديدة ودورية يمر بها أمجد في مدرسته تصل أحياناً إلى رفته من المدرسة لأسبوع كامل، ومعاملة الأمهات الأخريات لها على أنها أم فشلت في احتواء طفلها.
وتذكر لنا واقعة أثرت فيها كثير وأشعرتها بالحزن عندما قررت الأمهات أن يخرجوها من مجموعة الواتس آب للفصل الخاص بابنها، مطالبين إياها بأن يترك ابنها المدرسة ويبحث عن مدرسة أخرى؛ الأمر الذي لا تقدر هالة على فعله لأن تلك المدرسة هي الافضل لها مالياً وجغرافياً.

بجانب ما تعانيه مع طفلها، والأمور المالية، والشعور بالوحدة العاطفية؛ تواجه هالة مشكلات عائلية مع أسرتها التي كانت رافضة للطلاق، ولذلك هي لا تجد كامل الدعم من والدها، ورغم كل ذلك – تؤكد لي هالة- أنها تحقق أداءً أفضل مع ابنها وفي عملها وفي تطويرها لذاتها وتفكيرها، مؤكدة أن وجود طفل في حياة المرأة لا يعطلها عن تحقيق أحلامها، بل وجود الرجل غير المتعاون الذي يمثل عبئاً جديداً عليها يمنعها من أداء مهام الأمومة بنجاح، ولذلك لا تمانع هالة الزواج مرة خرى إذا وجدت رجلاً يتفهم ظروفها ويساندها.
“الشيلة تقيلة”
تعمل فاطمة (42 عاماً) في نظافة المنازل منذ كانت في التاسعة عشر، وهذا بعد أن قدمت مع أسرتها من صعيد مصر للقاهرة. تعيش فاطمة الآن مع ابنتها هدى (13 عاماً)، وابنها عبد الرحمن (6 سنوات) بعد طلاق والدهما.
“لم يكن يعمل لمدة عامين، وساعدته في شراء توك توك؛ باعه من أجل الإنفاق على مزاجه”؛ وجود طليق فاطمة في حياتها قبل الطلاق لم يكن سوى عبء، كما أنه كان يضرب الأبناء باستمرار، ولم تكن هي قادرة على تركه بالمنزل معه والذهاب للعمل، فكثيراً ما كانت تعتذر عن مواعيد عملها حتى لا يؤذي أبناءها، فكان وجوده يقف أمام مسيرة حلمها في أن تعمل وتوفر لأبنائها مصاريف التعليم حتى لا يكونوا غير متعلمين مثلها، لهذا طلبت الطلاق.
“الشيلة كبيرة وتقيلة” هكذا تصف فاطمة وضعها كأم منفردة، مضطرة للعمل حتى تنفق على بيتها وأبنائها ودراستهم وملابسهم ودروسهم الخصوصية وحدها، ولكن في المقابل هي لا تستطيع أن تتزوج مرة أخرى لأن أهلها “صعايدة” ويفضلون عودتها لزوجها مهما كان فاسداً، لأنه “أبو العيال” ولا يريدونها أن “تدخل رجل غريب على ابنتها المراهقة”.
وعلى الرغم من ذلك تؤكد لي فاطمة أنها بعد الطلاق منه تمكنت من تنظيم عملها، وأصبحت مطمئنة على أبنائها في غيابه حتى لو كانوا وحدهم في المنزل؛ فهم أفضل حالاً من وجودهم معه.
“ومع ذلك..الحياة أفضل في وجود رجل حنون”
تعيش منى (36 عاماً، ربة منزل)، في واحدة من قرى ريف محافظة الغربية في مصر، وقد مر عامان على طلاقها واستقلالها بحياتها مع ابنتها (4 سنوات) خاصة وبعد وفاة والديها؛ فهي وحيدة تماماً رغم تواجدها في بيت كبير يجمع بعض أقاربها.

لا تعاني منى من مشكلات مادية لأنها ميسورة الحال بسبب إرث مالي تركه لها والدها، ولكن أيضاً هذا الإرث كان سبب انفصالها عن زوجها الذي “نصب” عليها في أموال أكثر من مرة، على حد وصفها.
“أعباء الأم المنفردة لا تتمثل في المشكلات المالية فقط؛ بل شعورها بالوحدة يكون أيضاً حملاً ثقيلاً”؛ هكذا تخبرني منى التي قررت الزواج مرة آخرى خاصة بعد أن تزوج طليقها، مؤكدة أنها مدركة أن وجود زوج حنون متعاون في حياة كل أم؛ يكون عاملاً إيجابياً في قدرتها على القيام بدورها كأم، ولكن أيضاً الزوج غير المتعاون الذي لديه نوايا غير طيبة، يكون عائقاً أمام دورها في تربية الأبناء، فقد كان طليقها يرفض أي شيء مفيد للابنة سيكلف مالاً كثيراً حتى يوفر لنفسه هذا المال.
تحتاج الأم خلال التربية إلى العديد من المعطيات المالية والنفسية، ولذلك تتوقع كل أم من شريكها أن يكون عوناً لها في هذا الدور وليس عبئاً جديداً ينضم لقائمة مهامها.
“النموذج الأبوي ضرورة نفسية”
تخبرنا منار كشك، أخصائية العلاج النفسي السلوكي، أن غياب الزوج لا يعيق الأم من تحقيق دورها في التربية، خاصة وأن في مجتمعنا المصري تعتبر التربية من اختصاص الأم، ولكن غياب النموذج الأبوي هو الذي يؤثر على تربية الطفل بالسلب، خاصة بعد السنوات العشر الأولى من عمره والتي تعتمد فيها التربية على احتياجات الطفل الأساسية، وهذا أمر يمكن تعويضه من خلال جد أو خال مشارك في تربية الطفل.
ولكن مع وصول الابن أو الابنة لسن المراهقة؛ وقتها ستظهر الآثار السلبية على الطفل في حالة عدم توفر نموذج أبوي يتخذه الأبناء قدوة لهم، خصوصاً الأبناء الذكور، لأن الطفل في سنواته الأولى يتعلم بشكل عام كيف يكون إنساناً، ولكن في سن المراهقة يحتاج الطفل الذكر نموذجاً أبوياً يعلمه كيف يكون “رجلاً”، وتحتاج الابنة مصدر للحنان الذكوري، ومن هنا تأتي أهمية تواجد النموذج الأبوي البديل، وإن لم يتوفر هذا النموذج في العائلة فمن الممكن أن يتوفر في معلم أو مدرب.
ولكن ماذا عن الأمور المادية؟

غياب الأب وانعدام مشاركته المالية في تربية الأبناء قد تؤثر على دور الأم في التربية، وهذا لأن وقت الأم سيكون موزعاً بين عمل يجب أن يوفر ميزانية البيت كاملة، ولذلك قد تلجأ للحضانات أو الأقارب للاعتناء بالطفل وهو أمر سيجعله مفتقداً للأب والأم في سنوات عمره الأولى، توضح منار لي أنه هناك أمهات يعملن في وجود الأب للمشاركة في تغطية مصاريف المنزل.
ولكن في هذه الحالة يكون الأب مشاركاً في التربية، كما أنها كأم تدرك أنها في أسوأ الحالات. هناك رجل سيتحمل مسؤولية المنزل مالياً في حالة تركها العمل لضرورة الاعتناء بالطفل، ولكن الأم المنفردة تقع تحت ضغط نفسي لا يماثل هذا الوضع، خوفاً من أن تترك عملها فلا تجد أحداً يشاركها المسؤولية.
الإحساس بالوحدة
تخبرنا منار أن الأم المنفردة تعاني من إحساس قوي بالوحدة، وتكون معرضة للاكتئاب والقلق المزمن والشعور بالإحباط كأم، كما تشعر المرأة بالحزن على نفسها كأنثى تشعر بالفشل في تجربة عاطفية كبيرة، وعندما تفكر أنها ستبدأ في علاقة جديدة من البداية، وفي حالة كونها أماً لن تكون عروض الزواج بنفس عروض الزواج التي كانت متاحة قبل أن تكون الطلاقة والأمومة.
مطلقة أم أرملة؟
تحدد إجابة هذا السؤال بشكل كبير كيفية معاملة المجتمع للأم المنفردة، فهناك تعاطف تجاه الأرملة، في حين توضح لنا منار أن هناك تحاملاً على المرأة التي اختار الطلاق، لأنها “أبعدت الأولاد عن أبيهم”، ويتجاهل المتحاملون أن هذا الانفصال قد يكون أفضل للطفل.
قانوناً تستطيع الأم المنفردة الحصول على حقوقها الأساسية، ولكن في المجتمع يظل الوصم يلاحقها سواء داخل أسرتها، أو من النساء الأخريات اللاتي تحملن زيجات فاشلة من أجل الأبناء ويرون أن قرار الأم بالطلاق ليس سليماً، كما أن إدارات بعض المدارس تكون متحاملة على الأمهات. في بعض الأحيان يصر المدرسون والمدرسات على وجود الأب في قرارات تخص الطالب، غير مراعين لفكرة غياب الأب في حالة عدم رغبته التامة في المشاركة بالتربية، أو غياب الأب في العموم في حالات الاحتضان.
تنصح منار كل أم مطلقة بأن يكون لديها إدراك بأن الطلاق نهاية شيء سيء وبداية أفضل، وليس العكس، كما أن على الأم المنفردة في كل الأحوال أن تتعامل مع نفسها على أنها أولوية، فإذا لم تعتنِ الأم بصحتها النفسية والجسدية لن تستطيع رعاية أبنائها.