من فضلك لا تلمس جسدي.. عن التحرش في مكان العمل
التحرش في مكان العمل تجربة مؤسفة، ولكنها شائعة. تعلمي أن الذنب ليس ذنبك، وكذلك تعلمي عدة مهارات يمكن أن تمنع تكرار ذلك.
عملت لفترة طويلة ضمن مشروع عن العنف ضد النساء، وذلك مع سيدات جرى التحرش بهن في أماكن العمل.
معظمهن كن يفتقرن إلى ما يسمى مهارة “توكيد الحقوق”، أي أن يقلن “لا” بمنتهى الأريحية لكل مَن يتعدى على حدودهن الجسدية والنفسية.
هذا هو نفسه معيار اختيار المتحرش للضحية؛ إذ يختار الكائن الأضعف الذي يعلم جيداً أنه لن يوقفه.
لذا فواحدة من الإجراءات الوقائية للأطفال في مناهج التربية الجنسية هو تعلم مهارة توكيد الحقوق منذ الصغر، لكن هذا ليس موضوعنا الآن.
أريد إفراد المقال للضحية التي تتعرض للتحرش في مكان العمل، والتي يستغلها في الأغلب شخص له سلطة (مدير – زميل أقدم). وفي الأغلب لن تفصح عن التحرش.
هناك تأثيرات نفسية مختلفة واقعة على ضحايا التحرش، وتختلف حدتها بناء على عدة عوامل، من أهمها التكرار، وأقصد بالتكرار هنا إمكانية أن يكون هذا قد حدث من قبل، وخاصة في مرحلة الطفولة.
ما زلت أذكر إحدى السيدات اللواتي جلست معهن، تحدثت عن أول واقعة تحرش تعرضت لها، كانت طفلة في السابعة من عمرها، وجرى ذلك أثناء زيارة خالها المراهق لبيت عائلتها، وتكرر التحرش في زيارات الخال، ثم في مكان عملها من مديرها، وفي الشارع من غرباء.
كانت هذه السيدة تعاني من اكتئاب شديد. وزاد التكرار من هذا الاكتئاب، سواء تكرار التحرش من نفس الشخص، أو من أشخاص آخرين. كانت تعيش في أسر معاناة لا تستطيع الإفصاح عنها.
أيضاً من العوامل التي تزيد من حدة تأثير التحرش هو سن الضحية، كلما كانت السن أصغر زادت حدة المعاناة.
كذلك تؤثر الحالة الاجتماعية، وكونها متزوجة أم لا، على الضحية. ففي حالة زواج الضحية وعدم فهم الزوج للواقع يزيد التأثير السلبي عليها.
ما زلت أذكر سيدة متزوجة تعرضت للتحرش في العمل وجاءت إلى العيادة بشكاوى جسمية عديدة وتاريخ طويل من الذهاب الى أطباء الباطنة.
وبالحديث معها صرحت أنها تتعرض في العمل لتحرش مستمر من مديرها. وكانت تشعر بالذنب الشديد تجاه زوجها، ولديها أفكار سلبية حول أنها تخونه، ولا تستطيع الإفصاح للزوج لأنه سيلومها ويمنعها من العمل.
المتحرش هو السبب.. لا تشعري بالذنب
هذا ينقلنا لرد فعل الضحية السلبي على التحرش، ففي دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن التحرش في مصر، ونُشرَت عام 2013، عادت أسباب السلوك السلبي للضحايا، من وجهة نظرهن، إلى التالي:
- نسبة 34% من النساء أجبن أن “ده شيء عادي وبيحصل لأي حد”.
- %15 قلن: “لا يوجد أحد يمكن أن ألجأ له”.
- %15.2 قلن: “خفت من التأثير على سمعتي”.
ويبدو واضحاً أن افتقار المهارات والخوف من الوصمة الاجتماعية من أهم الأسباب التي تزيد من وطأة التأثير النفسي الضار للتحرش.
أكثر ما يزعج الضحية أن يعرف أحد بما تعرضت له ويلومها، هذا ما قالته لي إحدى الضحايا في الجلسات: “ظللت لثلاث سنوات أتعرض للتحرش من مديري في العمل وأنا صامتة خوفاً من الفضيحة، فأنا سيدة مطلقة وهو متزوج وتبدو عليه علامات التدين، وبالتأكيد ستتشوه سمعتي”.
أولى المهارات التي يجب تعلمها لتمكين السيدات من مواجهة التحرش هي مناقشة الأفكار الخاصة بمشاعر الذنب.
المشكلة تخص المتحرش وليس لك أي ذنب فيها، ربما تشعرين بالذنب لأنك لم تفضحيه وهذا لا يعني مطلقاً أنك توافقين على هذا التحرش بل يعني أنك تفتقرين إلى مهارة توكيد الحقوق، وهذا ما ينبغي عليك تعلمه.
توكيد الحقوق
ثاني مهارة هي مهارة توكيد الحقوق: أن ترفضي ما لا يروقك.
تحدثنا عن مهارة توكيد الحقوق في بداية المقال، إذ أن الرفض من حقك في كل الأحوال؛ بداية من رفضك لعرض صديقة تستغلك دائماً، وتشعرين بالحرج من أن تقولي لها لا، وحتى رفضك للتحرش الذي تتعرضين له.
الأمر ليس بالصعوبة التي تتخيلينها. وأنت تتعلمين التوكيدية ربما ستتمادين في العدوانية قليلاً، لا بأس من ذلك، هذه مرحلة طبيعية في تعلم مهارة توكيد الحقوق.
معظم من يتعلم المهارة فى البداية يعامل الآخرين ببعض العدوانية، لكن يجب أن لا نتوقف عند هذه المرحلة، وأن نتجاوزها ونتعلم حدود حقوقنا وحقوق الغير، مع تعلم الطريقة اللفظية وغير اللفظية المناسبة أثناء المطالبة بحقوقنا.
يجب أن يكون صوتك واضحاً وقوياً وأن توجهي عينيك مباشرة في عيني الجاني وأنتِ تطالبين بحقك.
فالخوف من الرفت مثلاً واحد من المخاوف التي تعانيها بعض السيدات اللاتي يتعرضن للتحرش داخل بيئة العمل، بالإضافة للخوف من الفضيحة (الوصم).
أذكر إحدى الفتيات البائعات في محافظة من محافظات الصعيد والتي تعرضت لتحرش من صاحب المحل الذي تعمل فيه، وعندما اعترضت وهددت بفضحه فَصَلَها، فحررت محضراً هي وزميلاتها اللاتي تحرش بهن من قبل ووجدوا في شجاعتها ملاذاً آمناً، واستطعن الإفصاح عما تعرضن له.
كوني واعية بالمقدمات
مهارة توكيد الذات تعمل كمهارة وقائية للسيدات في بيئات العمل، بمعنى أن كونك امرأة يعلم الجميع أن لها رأياً وصوتاً يدافع عن حقها سيخيف الاخرين من التعدي حتى لا يتم افتضاحهم، وسيذهبون إلى من يفتقرن إلى مهارة توكيد الحق ليعبثوا معهن، مطمئنين من عدم افتضاح أمرهم.
لن تنكسر هذه الدائرة إلا حين تكتسب كل النساء في مكان العمل هذه المهارة.
ينبغي أن تكوني واعية أيضاً أن التحرش لا يأتي فجأة، إذ أن هناك مقدمات تسبق اللمسة، واذا استخدمتِ معها تلك النبرة التوكيدية، ورسمت حدودك مبكراً لن يتطور الأمر في أغلب الأحيان.
إحدى نتائج الدراسة التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة تعلقت بشعور الضحية بعد التعرض للتحرش مباشرة، وتتراوح المشاعر بين الغضب واللامبالاة ولوم الذات والخوف الشديد والكوابيس والصداع والآلام الجسدية.
كل هذه المشاعر تضعنا أمام تأثير نفسي شديد للتحرش يحتاج إلى مساعدة متخصصة.
يتضاعف هذا التأثير بناء على العوامل التي تحدثنا عنها، لذا أؤكد ضرورة التوجه إلى متخصصين، والإفصاح عما تعرضت له لصديق آمن، لا يلومك ويشجعك على تلقي المساعدة المتخصصة من معالج محترف.
اقرأ المزيد: كيف نتعامل مع التحرش في مكان العمل؟