وسائل التواصل الاجتماعي.. مساحة عنف جديدة ضد المرأة العاملة
مثلما أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على العديد من الجوانب في حياتنا، كذلك تحولت إلى أداة في أيدي ممارسي العنف ضد المرأة.
يعتبر العنف على أساس النوع الاجتماعي، وبالتحديد العنف ضد النساء ظاهرة عالمية، فبحسب الإحصاءات الحديثة للأمم المتحدة هناك حوالي 35% من النساء حول العالم اختبروا عنفاً مادياً أو جنسياً من شريكهم، وحوالي 30% من النساء اختبرن هذا العنف من شخص غريب سواء في الأماكن العامة أو أماكن العمل، في نقطة ما من حياتهن.
وفي تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للنقابات تعاني ما بين 40% إلى 50% من النساء من تلميحات جنسية غير مرغوب فيها أو ملامسة جسدية أو شكل آخر من أشكال التحرش الجنسي في أماكن العمل.
كما قد يصبح العنف “الوظيفي” عنفاً جسدياً ومادياً، بالتعرض لجسد المرأة واستنزافها في ساعات تفوق ساعات العمل الرسمية، أو التهديد بالفصل أو بالجزاءات أو الخصومات لإجبارها على سلوك معيَّن.
في مصر تعاني النساء من العنف والتحرش الجنسي في الشوارع بنسب مخيفة، ويأتي العنف والتهديد والابتزاز في أماكن العمل كنتيجة طبيعية للأنماط الثقافية السلبية المنتشرة في المجتمع عن المرأة، وبالتحديد عن المرأة العاملة التي تساوي نفسها بالرجل وتمارس حقها في الحصول على عمل لائق.
لا يتوقف الأمر عند ذلك، فنحن في عصر حسابات التواصل الاجتماعي واستغلالها ضد النساء في أماكن عملهن كان مسألة وقت، سواء باستخدام الصور الشخصية والتهديد بنشرها علانية، أو باستخدام آراء العاملات السياسية والدينية والاجتماعية ضدهن لإجبارهن على سلوك معيَّن. أو منعهن من الحصول على مستحقاتهن وحقوقهن الرسمية.
هذه الصور أو الآراء غالباً ما تكون نتيجة لتتبع الحسابات الشخصية للنساء العاملات بغير علمهن ومحاولةً للحصول على وسيلة ضغط تمكنهن من ابتزاز النساء.
المحاكمة بالفيسبوك
بدأت الحديث مع رشا حسين (اسم مستعار) ذات الثمانية والعشرين عاماً والتي تعمل مدرسة في مدرسة دولية خارج القاهرة، بعدما عبَّرَت رشا عن غضبها من زملائها في العمل على فيسبوك.
تضطر رشا لارتداء الحجاب أثناء دوام العمل، رغم كونها غير محجبة خارجه، لأن زملاءها الرجال في العمل ينظرون إليها بعين الريبة كونها المسلمة الوحيدة التي لا ترتدي الحجاب.
بدأت المضايقات العشوائية تتحول إلى تنمُّر يومي، عندما راقب أحد زملائها حسابها على فيسبوك، واضطلع بنقل آرائها الحياتية والسياسية إلى بقية الزملاء، وأصبح الرجال يتعمَّدون إهانة أصحاب الديانات الأخرى أمامها لعلمهم باحترامها للآخر، وعندما ترد يتهمونها بالإلحاد.
في أيام أخرى يعلِّق أحد الزملاء بشكل خاص على أجساد النساء العابرات وعلى أجساد الفتيات في المدرسة أمامها منتظراً رد فعلها، وعندما لم ترد بدأ يقارن بين جسدها وأجسادهن.
اشتكت رشا إلى مدير القسم بشكل شفهي عدة مرات، استمع إليها وأوقف المدرسين عند حدهم، لكنهم ما لبثوا أن عادوا إلى التعليقات العشوائية بمباركة مدرستين من زملائها انضمتا إلى حفلة التنمُّر، ولم يوقفهم إلا حديث مباشر من خطيب رشا إلى مدير القسم.
تجهِّز رشا لزواجها المرتقب وهذا يعني أنها في حاجة إلى المرتب ولا تستطيع الاستقالة أو التهديد بها، وبالتالي فهي ترتدي الحجاب يومياً رغماً عنها وتحاول تجاهل المراقبة والتنمُّر المبطَّن ومحاولات التحرّش اللفظي بها، على أمل أن تترك المدرسة بعد الزواج.
في واقعة أكثر حدَّة، تحكي يمنى محمود، محاضرة اللغة الإنجليزية للكبار، (في الثلاثينات من عمرها)، عن عملها الأصلي كصيدلانية، بعد تخرجها من الجامعة بتقدير عالٍ.
أول عمل لها كان في صيدلية في منطقة الزمالك بالقاهرة عام 2011، كان مالك الصيدلية متزوجاً بالفعل من سيدتين، ويسعى لجعلها الثالثة ولو بالقوة.
بدأ الأمر بأسئلة ونكات ذات محتوى جنسي، وكفتاة حديثة التخرج والخبرة بالحياة، كانت تلتزم الصمت، أو تحاول الهروب من الصيدلية في أوقات تواجده، حتى عرض عليها الزواج بشكل رسمي وعندما رفضت بدأ التعسف معها وخصم أيام من مرتبها لأي سبب ممكن، حتى تركت العمل في الصيدلية.
تكرر التحرُّش الجنسي ومحاولات إرغامها على علاقة جنسيَّة بالقوة في صيدليتين أخريين كان يملكهما رجال، حتى قررت يمنى العمل في صيدلية تملكها سيدة في سن مقارب من عمرها وقتها عام 2015، لكن الصيدلية كانت تعاني من العديد من المشاكل الإدارية، حتى أن المرتبات تأخرت مرة لثلاثة أشهر.
وفي مرة نسيت يمنى حساب فيسبوك مفتوحاً على حاسب المكتب، فاستغلت صاحبة الصيدلية الحساب للاطلاع على محادثاتها الشخصية مع شريكها، وصورها الخاصة، ورفضت دفع مستحقاتها، وهددتها بالصور التي احتفظت بها.
كما أخبرت صاحبة الصيدلية أخيها بالموضوع، والذي بدوره هدد يمنى بتحميل الصور على الإنترنت لعموم البشر وإرسالها إلى أهلها في الصعيد إذا جرؤت على المطالبة بمستحقاتها أو كتبت عن الصيدلية على الإنترنت.
عند هذه المرحلة، كانت يمنى تعاني من صدمات متتالية متراكمة، وشعور دائم بالإهانة والتهديد بسبب مهنتها، التي تحولت في نظر أصحاب العمل إلى أداة جنسية مهما فعلت، وتحولت اختياراتها الشخصية في حياتها إلى أداة لتهديد أمانها وحرمانها من مستحقاتها.
أخذت قراراً كبيراً بتغيير المهنة، وأصبحت محاضرة لغة إنجليزية للكبار، تحرص دائماً على العمل في الأماكن العامة.
أصبحت يمنى أكثر عنفاً وحدّة في التعامل مع المواقف الشبيهة، حتى وإن كانت لا تدخل الصيدليات اليوم كمشترية بمفردها إلا نادراً.
التحرش من واجبات العمل
أما دعاء صابر فهي في منتصف الثلاثينيات، وأم لثلاثة أطفال، كانت تعمل في شركة مالية كبيرة، وكانت مساعدة شخصية لمدير الشركة ورئيس مجلس إدارتها العام الماضي.
بدأ التحرش الجنسي من قبل المدير في شكل مزاح ذي تلميحات جنسية، وإرسال مقاطع فيديو غير لائقة لها.
لم تكن دعاء ترد على هذه التلميحات، حتى اليوم الذي كانت فيه تعرض عليه أوراقاً خاصة بالعمل في مكتبه، فأمسك صدرها بقوة فابتعدت إلى الخلف، فحاول الإمساك بها باليد الأخرى مقيداً حركتها، لكنها دفعته وهرعت إلى خارج المكتب صامتة بتأثير الصدمة.
وقتها كتبت على حسابها الشخصي على فيسبوك عن الموضوع بشكل مبهم، لكن أحد زملاء العمل كان يراقب حسابها بتوجيهات من المدير الذي كان يتابع أخبارها وصورها، وأرسل المنشور للمدير المتحرش.
وفي اليوم التالي وجدت قراراً بنقلها إلى الأرشيف، واستلم مختص من الشركة اللابتوب الخاص بها وطهره من أي معلومات أو ملفات تخص المدير.
استلمت دعاء العمل في المكان الجديد، لكن الموظفين لم يتوقفوا عن مضايقتها، بدأوا في الكلام عما حدث، واتضح أنه شيء متكرر وأن هناك نساء قبلها تركوا العمل في خلال شهرين وثلاثة.
سألها نائب المدير لم اعترضت على التحرش بها بعد مراقبة حسابها الشخصي على فيسبوك ومعرفة أنها مطلَّقة وأنها تبدو متحررة، حيث كان يمكنها قبول التحرش والاستمرار في عملها بسهولة، وعندما أبدت اندهاشها من قبوله للفكرة، أخبرها أنها ما دامت ليست أخته أو زوجته فهو ليس مضطراً لاتخاذ موقف.
وعندما كررت رفضها، بدأ المدير توجيه التعليمات بالخصم والمضايقات حتى رفضوا تجديد تعاقدها مع الشركة وحرموها من مستحقاتها في أرباح السنة.
تعيش دعاء الآن بشعور شديد بالظلم وبخيالات وأحلام للانتقام من المدير الذي تحرش بها وبالأخريات، لكنه محمي بنفوذه وسلطته، واستغلاله لعلاقات القوى التي تجعل الموظفة معه دائماً في موقع ضعف وفي حاجة إلى المرتب.
في الحالتين، لم تستطع دعاء ويمنى إثبات التحرش أو المضايقات.
سواء في مكتب المدير أو في الصيدلية الخاصة، لا توجد كاميرات مراقبة، ولا يوجد شهود، وإن وجدوا فالضحية تخاف من “قطع الرزق” وأن يجدوا أنفسهم في اليوم التالي في الشارع، لا توجد آليات للشكوى أو التحقيق، ولا حتى بيئة رافضة لهذه الممارسات.
ما الذي أفعله؟
بالتأكيد العنف في أماكن العمل على أساس النوع مسألة هيكلية، تتطلب إجراءات أوسع في بيئة عمل تدعم المساواة بين الرجل والمرأة ونظام إجازات والدية متساوٍ ونظام رعاية للطفل ومساواة في الأجور وغيرها من الاستحقاقات.
كما أن التوعية والتثقيف بحقوق النساء مهمة، لكن أيضاً يجب الدفع في اتجاه إشراك الرجال في هذه العملية وإقرار قوانين رادعة عن الفعل، ومسارات قانونية واضحة للشكوى في أماكن العمل نفسها مع إجراءات تأديبية تناسب فداحته.
وننصح من تتعرض لأي نوع من العنف في عملها أن تفعل التالي:
- أن تحتفظ بسجل موثق لوقائع العنف أو التحرش الجنسي إذا استطاعت ذلك، سواء عن طريق التسجيل أو التصوير أو الكتابة. اكتبي ما حدث بالتفصيل بالوقت والتاريخ والعبارات المستخدمة لاستخدامه عند الحاجة.
- أن تواجه المتحرش أو المعنَّف برد فعل سريع، وبصوت عالٍ وبثقة في النفس وبرفض واضح لما يفعله، الصمت أو التجاهل قد يدفعان إلى المزيد من الانتهاكات.
- أن ترفع الشكوى فوراً إلى المدير المباشر، أو المدير الذي يترأسه، فالتكتُّم على الأمر يساهم في استمراره. إذا كان المتحرِّش هو المدير أو رب العمل، يمكن اللجوء إلى وسيط من المديرين الآخرين أو من الأهل.
- استعيني بزملاء العمل ليدعموكِ سواء كانوا رجالاً أم نساء. اطلبي الدعم والتضامن من زميلتك إذا لم يدعمك الرجال؛ أن تشهد على موقف مسيء لكِ أو أن تتحرك دائماً معك في مواجهة المتحرّش أو المعنِّف، هذا التضامن من زملاء العمل سيُشعر رب العمل بالخطر وأنه يمكن مساءلته من مجموعة من الموظفين والموظفات.
- اطلبي المساعدة من مختص قانوني فيما يتعلق بإمكانية الإبلاغ عن الابتزاز أو التهديد لمباحث الاتصالات والإجراءات المطلوبة لذلك، كما اطلبي مساعدة مختص نفسي، هناك منظمات مجتمع مدني تعمل على دعم النساء المعنَّفات وتقديم الاستشارات المناسبة لهن للتصرف مع هذا العنف ولتجاوز آثاره النفسية والجسدية، أنتِ تستحقين الرعاية والاهتمام فلا تنكري حقك في ذلك.
اقرأ المزيد: ارفض بحسم.. كيف تتعامل مع العنف ضد زميلتك في العمل؟