العابرون جنسياً بمصر
Pixabay

سجن الجسد.. العذاب المسكوت عنه

ماذا لو كان ابني أو ابنتي من الذين يعانون من اضطراب في الهوية الجنسية؟ وماذا لو كان ابني تحديداً هو الذي يعاني من هذا الاضطراب؟ هل سأطرده وأُنكره لأنه يشعر بنفسه كأنثى؟

نفرت من معالم الأنوثة التي بدأت تظهر على جسدي مع بداية المراهقة. لم يكن السبب خللاً داخلياً، بقدر ما كانت ثورة داخلية على المجتمع.

بسبب التضييق على الأنثى وكبت كل تحركاتها، قررت أن أثبت للمجتمع المحافظ أن الأنثى كيان حر مساو للذكر. هكذا شعرت بأنني سجينة جسدي وهكذا تحررت.

عندما قابلتها لأول مرة وأنا في بداية الثلاثينيات من عمري، كنت قد عدت للاحتفاء بأنوثتي في ضجيج مبالغ فيه، وكانت هي تخنق كل مظاهر الأنوثة بها.

اعتقدت أنها تعاني من نفس الأزمة التي مررت بها في مراهقتي. أخذت أقنعها بأن أنوثتنا ليست عيباً وأن اتخاذ مظهر الذكر يُضعف من قضيتنا في الحياة.


ابتسمت في هدوء وأخبرتني أن سجنها غير سجني.

لا أدري إن كان القدر هو الذي لعب تلك اللعبة أم أنها الصدفة؛ خرجت عليّ “أوبرا وينفري” في إحدى حلقات برنامجها الذي كنت أدمن مشاهدته، بحلقة عن “اضطراب الهوية الجنسية“.

استضافت مراهقاً وُلد في جسد فتاة لكن عقله يُخبره بأنه ذكر، وعندما بلغ وبدأ جسده ينمو كفتاة تحيض شهرياً، أصيب بالاكتئاب. عرضه أهله على أطباء متخصصين شرحوا لأهله حقيقة ما يعانيه ابنهم المولود في جسد أنثى.

تحت إشرافهم، بدأ الفتى المراهق في تناول دواء هرموني لإيقاف علامات الأنوثة – كخطوة أولى لتحويل جسده إلى ذكر.

أصبت بالدهشة، وقد يكون الفزع؛ ماذا لو كنت مثل هذا الفتى أو مثل صديقتي؟

ذكر الطبيب الذي استضافته أوبرا أن من يعانون من اضطراب في الهوية الجنسية، لا خيار لهم فيما هم عليه. يحدث خلل أثناء الحمل في الشهر الثامن وبعد أن يكتمل الجسد في هيئة أنثى أو ذكر، يؤثر على خلايا المُخ الخاصة بتحديد الهوية الجنسية، فيشعر المولود الأنثى أو الذكر جسدياً بعكس ما هو عليه.

لم يكن صعباً على عائلة صديقتي، التي تنتمي إلى إحدى الدول العربية، أن تعترف برغبتها في التحول إلى ذكر. نحن نعيش في مجتمعات تحتفي بالذكورة، وهناك من يحزن، وربما يشمئز، من الأنوثة.

ساعد الأهل، والأطباء، صديقتي أن تبدأ رحلة التحول إلى ذكر. هو الآن، وبعد مرور عمر طويل، أصبح مستريحاً في جسد يحاكي عقله تماماً.

هل الأمر مقبول في حالة العابرين جنسياً من ذكر إلى أنثى؟

ماذا لو كان ابني أو ابنتي من الذين يعانون من اضطراب في الهوية الجنسية؟

أثناء تصفحي لأحد المواقع الاجتماعية مؤخراً؛ مررت على منشور يتحدث عن قصص نساء مصريات يحاربن اضطهاد المجتمع كله، بما فيه عائلاتهن والهيئات الرسمية القضائية والطبية وكذلك الأزهر، لأنهن قررن الاعتراف بإحساسهن الذي يطاردهن منذ طفولتهن.

هن إناث، ولسن بذكور، كما تعلن أجسادهن.

خطفت قلبي صورة لفتاة تُشبه ابنتي لدرجة أنني تساءلت للحظة: “ما الذي أتى بصورة فتاتي هنا؟”

أفقت لأتساءل: “ماذا لو كان ابني أو ابنتي من الذين يعانون من اضطراب في الهوية الجنسية؟ وماذا لو كان ابني تحديداً هو الذي يعاني من هذا الاضطراب؟ هل سأطرده وأُنكره لأنه يشعر بنفسه كأنثى؟”

لا أنكر أن قبول الأمر صعب، لكن ما أثق فيه تماماً أنني لن أطرده من حياتي وسأسانده في قضيته حتى يكون ما يريد.

في عالمنا العربي، الذي يضع تعريفاً ضيقاً للأشياء، ويرفض أي اختلاف عن مفاهيمه التي جُبِل عليها، يجب أن يكون هناك من يصدمه بحقيقة انعدام الثبات.

نحن لسنا قوالب متشابهة ومصبوبة بنفس الملامح. مشاعر، ومواقف العداء، تجاه كل ما هو مختلف، أو نجهله، يجب أن تتوقف – وللأبد.

لم يختر العابرون جنسياً هذه المعاناة.

لقد وُلدوا بخلل في خلايا المخ تسبب في سجنهم، وعذابهم، في أجساد لا تعبر عنهم.

مثلهم مثلنا، من حقهم أن يحصلوا على الجسد المطابق لهويتهم الجنسية. فمتى تخضع قوانين عالمنا الذكورية للحقائق الطبية العلمية؟

بصورة عامة، الوصم يؤدي للمزيد من الكبت والازدواجية. في هذه الحالة تحديداً، لا فائدة من حبس رجل في جسد أنثى. لا يوجد أي “عار” إذا أراد من وُلد ذكراً التحرر من سجنه، والعبور إلى جسد أنثوي يلائم هويته الجنسية.

العابرون جنسياً يعيشون بيننا، شئنا أم أبينا، وعلينا أن نعترف بعدالة قضيتهم وألا نُجبرهم على العيش في عُزلة وغُربة مجتمعية. كفاهم ما يواجهونه من غربة داخل أجسادهم، وتحديات عمليات جراحية صعبة قد يفقدون معها حياتهم.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات