
“خلاص بقى اسمي مطلق”.. تأثير تجربة الطلاق على الرجال
في مجتمعنا، تخوض المطلقة صعوبات عديدة في حياتها، إذ تتحمل فوق مشكلة الطلاق مشكلة الوصم. وربما لا يحمل الرجل المطلق هذه الوصمة الاجتماعية، ولكنه يعاني أيضاً.
عندما تُذكر كلمة طلاق بين زوجين، تجنح الأذهان إلى التفكير بمستقبل المرأة التي ستحمل لقب “مُطلقة”، وهو أمر منطقي كوننا نعيش في مجتمع عربي يضع المرأة المطلقة تحت المنظار، وفي بعض الأحيان يُلقى اللوم عليها في فشل الزيجة، خاصة إذا كان هناك أطفال سيعانون من عواقب الطلاق.
ولكن في المقابل، الرجل أيضاً يكون طرفاً في هذه التجربة الصعبة، فالانفصال حتى لو كان في صالح الطرفين لعدم التفاهم، فهو خسارة بشكل من الأشكال، والبعض لا يجد القدرة على تصور نفسه يبدأ حياته من جديد خاصة إذا كان تقدم به العمر.
نسب الطلاق تزيد في مصر. في نهاية عام 2020 كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن حالات الطلاق قد ارتفعت في آخر سنتين مقارنة بالعام 2018 لتصل إلى ما يقرب من 240 ألف حالة طلاق في العام 2019، بمعدل حالة طلاق كل دقيقتين، وهو ما يمثل ارتفاعاً بمعدل 8% مقارنة بالأرقام المسجلة في العام 2018.
هذا يؤثر على المرأة، والرجل أيضاً، بسبب الخسارة المادية أو المعنوية التي قد يواجهها.
في هذا التقرير نلقي الضوء على جانب الرجل.
“من مولد.. بلا حمص”
بشقة صغيرة مكونة من غرفتين، يعيش الآن أشرف*، 41 سنة، هو وابنته مع والدته، بعد أن طلق زوجته بناءً على رغبتها التي تضمنت أن يتكفل هو بالرعاية الكاملة لطفلتهما البالغة من العمر ست سنوات، ولمدة عام –حتى وقتنا هذا- ترعى تلك الطفلة الجدة والعمة، والأب عندما يجد وقتاً كافياً من عمله الطويل في المطعم الذي يديره.
“أشعر أنني أصبحت عبئاً على أمي التي اقتربت من الـ70 عاماً”؛ يخبرني أشرف متأثراً بالوضع الذي أصبحت والدته المسنة فيه مطالبة بتربية طفلة صغيرة وهي في هذا العمر المتقدم، بجانب رعايته هو شخصياً، وهو الأمر الذي يحاول أن يريحها منه من خلال تجهيز الطعام والملابس لنفسه، ولكن في نفس الوقت؛ تربية طفلة في هذه السن كافٍ ليستهلك قواها.
“شعرت أن عمري ضاع هباءً وأني لم أعد صالحاً لا نفسياً ولا مادياً للدخول في علاقة بامرأة آخرى”؛ يخبرني أشرف أنه إذا فكر في الزواج مرة أخرى سيكون من أجل ابنته التي في حاجة ماسة إلى أم، خاصة وأن عمة الطفلة متزوجة وليست متواجدة معهم طوال الوقت.

“قد أكون شخصاً سيئاً أستحق أن تتركني زوجتي، ولكن ما ذنب هذه الطفلة التي حُرمت من أمها في هذه السن”.
أوضح لنا أشرف أنه كان الزوج الثاني لطليقته، والتي كان لديها طفلة من زوجها الأول وتركتها معه أيضاً لتتزوج من أشرف. “كانت تلك غلطتي، أنني لم أدرك أن هذا قد يتكرر”.
كان أشرف يعيش أثناء الزواج في شقة زوجته التمليك، والتي دفع مبالغ طائلة لتجهيز الديكور والأثاث فيها، والذي كُتب أيضاً في “القايمة” باسم الزوجة.
بعد الطلاق حصلت الزوجة على الأثاث كاملاً وبالطبع الشقة، ولم يعد لأشرف ما يتكئ عليه من مال أو سكن، خاصة وأنها كانت ترفض الإنفاق من أموالها معه على المنزل، وفضلت ادخارها، بينما لم يدخر هو أي مبالغ مالية.
الآن هو بلا سكن، بلا أموال إضافية، ومُطالب بالإنفاق على طفلة وعلى نفسه وتوفير سَكَن حتى “يرحم والدته” على حد وصفه من المجهود. ولكن في المقابل يفكر حتى وإن وجد منزلاً مناسباً له ولابنته، من سيرعى الطفلة في فترة تواجده في العمل، والتي تستمر لما يزيد عن 10 ساعات؟
“خرجت من تلك الزيجة مثل من خرج من المولد بلا حمص” يقول لنا أشرف عن إحساسه الآن، مؤكداً أن لفظ “مطلق” غريب على عائلته، خاصة وأن فكرته عن الزواج كانت مثالية لما شهده من علاقة طيبة بين أبيه وأمه، وتمنى أن يحقق مثلها في زواجه.
في هذه السن يشعر أنه لم يعد من حقه أن يقع في الحب ويبدأ حياة جديدة، هو فقط يفكر أن يجد أماً بديلة لابنته حتى لو لم يكن لها أي مشاعر عاطفية، ويكفي أن تكون هي الأخرى في حاجة إلى الزواج، أو لديها طفل تريد له أباً بديلاً. أما الحب فلم يعد من أولوياته.
في دراسة جرت على عيِّنة من المطلقين الألمان، وكان هدفها رصد الفارق بين تأثير الطلاق على الرجل والمرأة، توصلت إلى أن بعد وقوع الطلاق مباشرة يجد الرجل صعوبة في التأقلم، وتسيطر عليه مشاعر الوحدة والألم أكثر من المرأة، في حين تكون المرأة عادة أقل تضرراً.

ولكن الدراسة توصلت أيضاً إلى أن وضع الرجل يكون مؤقتاً، في حين قد تصبح المعاناة النفسية التي مرت بها المرأة بعد تجربة الطلاق “مزمنة”.
“خسرت ربع مليون جنيه في عام زواج”
“لو كان لديَّ نصيحة وحيدة للمقبلين على الزواج؛ ستكون تجنب التسرع”، قالها لي أحمد، 31 سنة، وهو يبدأ كلامه معي عن تجربته مع الطلاق بعد عام واحد من الزواج. كل التفاصيل في زيجته تمت بسرعة شديدة، فقد وقع في غرام تلك الفتاة، وبرومانسية وصفها بالساذجة تزوجها بعد شهور من معرفته بها.
كلف هذا الزواج أسرته ما يقرب من ربع مليون جنيه، ومن الشهر الأول في الزواج اكتشف أحمد عدم توافقه مع زوجته: “هي إنسانة جيدة ولا غبار عليها، ولكننا لا نشبه بعضنا على الإطلاق”.
تمت إجراءات الطلاق بعد ما يقرب من عام واحد من الزواج، تكبدت فيها الأسرتان مبالغ طائلة، ولكن ما أزعج أحمد أن المبلغ المالي الذي أُنفق على زيجته كان كل ما يملكه أبوه من مشوار عمره في العمل، وهو الذي شجعه على إنفاقه على الزواج حتى يواكب المستوى المالي لأسرة حبيبته والتي كانت تتمتع بالثراء الفاحش.
“ما أنفقه أهل طليقتي على الزواج لا يمثل نقطة في بحر مما يملكوه، بينما خسر أبي ما عمل به طوال عمره”.
بجانب الخسائر المالية يؤكد أحمد أن الشجارات والنزاعات التي امتدت عاماً كاملاً تركت في نفسه أثراً سلبياً تجاه فكرة الزواج مرة أخرى، الأمر الذي جعله يلجأ إلى طبيب نفسي يتابع معه أسبوعياً.
“أبكي في غرفتي وحيداً”
كان الانفصال هادئاً، لم تحدث صراعات مالية –رغم ما دفعه من أموال طائلة في المؤخر- وفي السنوات الأولى التي تلت الطلاق كان الطفلان يقضيان مع سامح الإجازة الأسبوعية فقط، ولكن بعد ثلاثة سنوات من الطلاق اختارت طليقته أن تترك له الطفلين، واحداً عمره أربع سنوات، والآخر عشر سنوات.
أخبرته بكل صدق أنها لا تريدهما أن يعيشا معها، رغم صعوبة رعاية الأطفال لم يرفض سامح، ولجأ إلى والدته لتساعده في رعايتهما.
بعد أن تركت له الأبناء بشهور أخبرته أنها ستتزوج وتسافر إلى بلد أوروبي، لم يكن لدى سامح أي اعتراض على فكرة زواجها، خاصة وأنه كان يفكر في نفس الأمر، ولكن ما اندهش منه هو المسافات التي قررت أن تضعها بينها وبين الطفلين.

ومنذ أن سافرت وحتى الآن -ثلاث سنوات- لم ترهما مرة واحدة، وأحياناً تقضي شهوراً دون أن تحدثهما هاتفياً رغم سهولة الاتصالات في عصرنا الحالي.
يخبرني سامح أنه ليس لديه أزمة في رعاية الطفلين بداية من الاستحمام وحتى متابعة دراستهما، أو حتى الرعاية المالية التي تَكَفَّل بها كاملة، ولكن ما يؤرقه نفسياً هو “الشعور القاسي” الذي يختبره الطفلان بسبب إهمال وتجاهل والدتهما لهما.
في بعض الأحيان يحاول تخفيف الأمر عليهما بالمرح والدعابة، ثم يختلي بنفسه في غرفته ليبكي وحيداً حزناً على طفليه.
“طلاق آخر.. وطفل مشتت آخر”
ليس هناك فرق، 10 سنوات، أو 10 أشهر، نفس التجربة المؤلمة، نفس الألم والتشتت. يحكي لي خالد تجربة طلاقه الثانية بعد زيجة لم تُكمل سنة، والتي تلت زواج دام أكثر من 10 سنوات.
في تجربة الطلاق الأولى اختارت الأم أن تحتفظ بالابن في البداية، ولكن بعد ذلك قررت أن تتركه رغم أنها لم تتزوج، وباعت منزل الزوجية الذي كان باسمها وقررت بدء حياة جديدة.
رفضت الزوجة الجديدة الحامل أن يأتي طفله الأول للعيش معهما، ما فَجَّر الخلافات بينهما حتى وصلت إلى الطلاق قبل أن تلد طفلتهما.
يخبرني خالد أنه يشعر بالحسرة على طفليه، ويرى أنه بدأ يشعر أن المشكلة فيه وليس في الزوجتين السابقتين.
الوقت الصعب الذي يقضيه الرجل بعد طلاقه مسألة معروفة في العالم كله، إذ أظهرت دراسة أمريكية أن نسبة كبيرة من الرجال المطلقين قد يدخلون بعد الطلاق في حالات اكتئاب وقد يلجأون إلى الكحوليات أو المخدرات، ويزداد وزنهم بنسب عالية.
في مجتمعنا، قد تكون قصص النساء المطلقات أكثر صعوبة وقسوة، ولكن الثابت أن الطرفين يعانيان، وتظل النصيحة الأهم التي يذكرها المطلقون والمطلقات لمن لم يتزوجوا بعد هي: “لا تتسرعوا”.
* جميع الأسماء مستعارة حفاظاً على خصوصية المصادر
من رأيي ان الرجل والمرأه…
من رأيي ان الرجل والمرأه ضروري يفكرون مليون مره قبل الأرتباط ومليون مره قبل ألانفصال ليتفادون معاناه العذاب .
أهلاً بك ذات القبعة الوردية/…
أهلاً بك ذات القبعة الوردية/
نتفق معك فالتفكير بتروي قبل بدء العلاقتت وقبل إنهائها قد يوفر على الطرفين الكثير من المعاناة.