رسمة للعصر الروماني توضح شاب مستلقي ويحمل آلة الآولوس وبجانبه راقصة
Wikimedia Commons

لماذا نحب هذا الخراء؟

هل يؤثر الپورنو على جنسانية المشاهدين/العالم؟ هل يؤدي إلى إدمانه على حساب الجنس ‘الطبيعي’ نفسه؟ هل يشوه فكرتنا عن الجنس ‘الحقيقي’؟ هل يزيد الذكورية؟ وماذا عساه يقدم من فوائد في المقابل، إن فعل؟

يتوقف متفرج الپورنو للحظة ويتساءل باستنكار: “لماذا أحب هذا الخراء؟!” لنعد السؤال هنا ولكن بشكل استفهامي وبضمير الجمع: “لماذا نحب هذا الخراء؟” (أي: “نحن نحب هذا الخراء. فلماذا؟”)

سيردنا السؤال التجريبي مؤقتا إلى ظواهر أسبق: لماذا نستمتع بالتعذيب والإهانة والعنف بدرجاته فاعلين ومفعول بهم؟

الكلام “الأبيح” dirty talk (وغير المتأدب سياسيا) لماذا هو جزء من المداعبة والإثارة؟ (بالمناسبة، عندما تتحرر المرأة – والرجل – هل سنظل نستمتع بذلك؟) والخيالات الجنسية لم هي موجودة أصلاً؟ ثم أخيرا وإذْ يتعلق الأمر بالفرجة: لماذا نستمتع بالجنس الجماعي، بالتلصص، بالاستعراض exhibitionism (والشَّلْح flashing نوع منه)، بقراءة الأدب الإيروسي…؟

 

 

وستثير رحلة البحث أسئلة إشكالية: فإذا كانت الپيدوفيليا هي اشتهاء الأطفال، وأمكن للمتفرج الأمريكي الملتزم أن يرتاح لقانونية ما يصله وعدم احتوائه على أشخاص تحت السن (18)، لماذا يستمتع المواطن نفسه بأنواع الپورنو المعتمدة على الإيحاء بصغر تحت السن (المراهقات، “القانونيات بالكاد” barely legal، المحارم، التلميذات …)؟

ما الذي يجعلها بيدوفيليا؟
 أليست الخيالات والإيحاءات الپيدوفيلية پيدوفيليا؟ وإذا سلمنا بأن الدعارة ذات جذور اقتصادية-اجتماعية فلماذا تهوى أوروپيات من طبقات عليا مزاولة المرافقة escorting؟ لماذا أرادت سي سيڤيرين سيريزي (جميلة النهار، 1967 Belle de jour) أن تجرب الدعارة؟ ولماذا استمعت بها واستعادت رغبتها الجنسية، المفقودة مع زوجها الطبيب الجذاب المحبوب الناجح؟

 

 

أما سؤال أين ينتهي الفن ويبدأ البورنو فسؤال نظري، لكن أكثر المناهضين للبورنو تشدداً وحباً للفن سيجد صعوبة في إنكار الطابع الجنسي/الإيروسي للفوتوغرافيا الفنية العارية، أو إنكار صفة الفن على بردية تورين مثلا. وسيتفاوت، على الأقل، تلقي الأشخاص لصور من ألبوم أسرة عُرْيِيّة nudist. ويمكن لإضفاء الطابع الجنسي sexualization ونزعه desexualization على السواء أن يكونا هدفا لنقد متسق.

 

 

وكل الأسئلة حول جذور تيمات الپورنو وطريقة عمله ستدفعنا بالضرورة إلى استعادة السياق الجدلي. فالپيدوفيليا مثلاً مفهوم تاريخي يتعذر مد نقده إلى الماضي بشكل ثابت وخارج عن الزمن—دخلت الكلمة الإنجليزية في 1904.

هل ولدت فيتيشة الكعب العالي النسائي أمام الكاميرات؟ هل كل من يستثار به شاهد الپورنو؟

قلما نجد، إن وجدنا، فكرة أو ممارسة جنسية واحدة لم يكن لها أصل قبل الپورنو. وربما كان كل ما يفعله الپورنو هو نشرها و/أو تحويرها. ومن المفارقات الساخرة أن ممارسة شائعة في العقدين الأخيرين، وتتعرض للنقد بالذات دونا عن غيرها، ظهرت وراجت بسبب الرقابة الياپانية، وهي البوكاكي، وبالتالي كل أشكال التأكيد على المَنْي كمصدر للمتعة.

 

 

بعد ذلك تأتي مناقشة الأثر (المزعوم؟). فهل يؤثر الپورنو على جنسانية المشاهدين/العالم؟ هل يؤدي إلى إدمانه على حساب الجنس ‘الطبيعي’ نفسه؟ هل يشوه فكرتنا عن الجنس ‘الحقيقي’؟ هل يزيد الذكورية؟ وماذا عساه يقدم من فوائد في المقابل، إن فعل؟

 

 

هذه المحاولة لفهم الپورنو محاولة لتجاوز استسهال المناهضة الأيديولوچية (اليمينية واليسارية معا)، ولكنها في الوقت نفسه متمايزة عن الموقف غير النقدي (الرأسمالي و/أو النسوي) واستسهال التصالح والتطبيع مع الپورنو.

هي محاولة غير معنية بكيف نقضي على الپورنو، ليس لأنها تدافع عن وجوده، فهي لا تدافع إلا عن حرية الحصول عليه.

الموقف من الدعارة
يشبه الأمر الموقف من الدعارة: فإنهاؤها لا هو ممكن ولا مرغوب إلا بإنهاء ظروفها، كما أن تغيير الخطاب بتأدُّب سياسي واستخدام كلمات مثل “عاملات الجنس” و”مقدمي الخدمة الجنسية” قد لا يعدو مجرد تمييع، ضروري أو غير ضروري، يؤدي إلى التطبيع مع الدعارة، حتى إذا ثبتت فائدته فيما يخص تقليل العنف والتمييز ضد العاهرات (أم هل أقول “عاملات الجنس”؟).

 

 

إن الپورنو، كالدعارة، مؤسسة، تتضمن علاقات قوة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إليه أو نقاشه أو التعامل معه إلا على هذا الأساس. وكما يفترض بزبون المواخير الواعي سياسيا أن يعترف بأنه (وليس مجرد أن يشعر بالذنب – كطقس تطهري – لأنه) جزء من حلقة استغلال المرأة، فعلى متفرج الپورنو المناظر أن يعترف بدور مماثل، بدلا من اعتبار نجمات الپورنو سيرينات العصر الحديث.

 

 

والآن، لماذا نحب هذا الخراء؟


 اترك تعليقك أدناه أو شاركنا النقاش عبر فيسبوك وتوتير“.

 

المدونات المنشورة تعبّر عن رأي صاحبها، وليس بالضرورة عن رأي موقع “الحب ثقافة”.  

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (6)

  1. Excellent analysis! Bold and
    Excellent analysis! Bold and daring. I especially loved the bit about the nature of guilt as being selfish and self serving catharsis.
    Please start a series of articles on this; you have touched upon very important questions but it would be great to explore more.

  2. مقال رائع!

    مقال رائع!
    و اكثر نقطة اعجبتني هي فكرة “اين ينتهي الفن و يبدأ” البورنو؟ خصوصا اذا ما ادركنا ان الكثير من الافلام المثيرة للجدل مثل Nymphomaniac هو فيلم فني بالاساس و لكنه يدور حول موضوع الجنس و به مشاهد قد يعبترها البعض هارد بورن بالاضافة الى الخيالات الجنسية الموجودة ضمن القصة

  3. الناس مكبوتة عايزة تشوف ما
    الناس مكبوتة عايزة تشوف ما يفعله الاخرون والمتزوجون يرون فيه حلقات تعليمية حتى يرضوا زوجاتهم الاتى يتابعنها بشغف ايضا ويتمنين لو كان لازواجهن مثل هذة الاعضاء الخارقة التى ترم العضم على حسب اعتقادهن

  4. * وكما يفترض بزبون المواخير…
    * وكما يفترض بزبون المواخير الواعي سياسيا أن يعترف بأنه (وليس مجرد أن يشعر بالذنب – كطقس تطهري – لأنه) جزء من حلقة استغلال المرأة، فعلى متفرج الپورنو المناظر أن يعترف بدور مماثل، *

    أحسنتم

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات