اللاإنجابية

اللاإنجابية.. قرار شخصى محاط بالوصم بالاجتماعي

مصطلح اللاإنجابية ليس شائعاً فى الوطن العربى بالرغم من أننا قد نعرف بعض الأشخاص الذين صنفوا أنفسهم/ن على أنهم/ن لاإنجابيون/ات.

مقال: تسنيم منير

“الدنيا مليانة ظلم وألم ومش هتحمل طفلى يتعرض لكدا”. إ. س لاإنجابية عشرينية

“محدش يقدر يضمن يكون ابنه سليم جسدياً وما يتعرضش لكوارث”. د. ف امرأة ثلاثينية

“الفكرة قاسية أوى مش عايزة أورث جينات الاضطرابات النفسية اللي منتشرة في عيلتى لحد تاني”. ت. ل امرأة عشرينية

مصطلح اللاإنجابية ليس شائعاً فى الوطن العربى بالرغم من أننا قد نعرف بعض الأشخاص الذين صنفوا أنفسهم/ن على أنهم/ن لاإنجابيون/ات.

محبو السينما يعرفون الفنان عبد السلام النابلسي الذي ذكر في لقاء تليفزيوني رفضه لأن يكون أباً ورؤيته للإنجاب علي أنه مسؤولية كبيرة وهمّ، وربما البعض منا قرأ خبر الشاب الهندى الذي لجأ للمحكمة لمقاضاة والديه علي إنجابه. ونذكر بيت الشاعر العربي أبو العلاء المعري “هذا جناه عليَّ أبي.. وما جنيت على أحد”.

أنواع اللاإنجابية

“مش عايزة اتحمل آلام الحمل والولادة ومش عايزة حياتي وشغلي وكل حاجة بحبها تتعطل”. م. ل، امرأة عشرينية

“معنديش طاقة أعتني بحد بقالى سنتين، أنا وجوزى بنفكر حتى نربى حيوان أليف وما نفذناش”. إ. ي امرأة في أوائل العشرينات

“كنت طول عمري لاإنجابية، وعارفة إني مش عاوزة من وانا طفلة، بس ما كنتش اعرف الاسم”. م. ش، امرأة في منتصف الأربعينيات

من المهم التفرقة بين مصطلحين باللغة الإنجليزية كلاهما يشار إليه بالعربية باستخدام مصطلح لاإنجابية، بالرغم من الفارق الكبير، وهما مصطلحي Antinatalism و Voluntary Childlessness.

الأول ترجمته الحرفية “ضد التناسل” وهو اتجاه فلسفى يعارض الإنجاب ويرى أنه فعل لاأخلاقي ضار يتبعه بعض الناس من وجهات نظر مختلفة.

ربما يكون من أشهر مناصري هذه الفكرة حالياً الفيلسوف الجنوب أفريقي ديفيد بيناتار، الذي يرى أن الإنجاب في حد ذاته مؤذٍ، وأن الشخص غير الموجود لا يتضرر من عدم وجوده لأنه لم يختبر الوجود.

كما يعتبر بعض الفلاسفة أن إنجاب الأطفال يعرضهم للتعايش مع المرض والألم، وأنه لا سبيل لأخذ موافقتهم قبل الإنجاب.

البعض يتبع لاإنجابية ضد التناسل من منظور حماية البيئة من مواليد جدد سيتسببون في تلوث البيئة وحدوث الكوارث الطبيعية، ما يؤدي إلى انقراض جميع الكائنات الحية من ضمنها الإنسان.

أما البعض الآخر فيرى أنه من غير الأخلاقي إنجاب الأطفال في عالم تسوده الحروب والمجاعات والمآسي واستحالة حماية الأطفال من الوقوع ضحايا لكل تلك العوامل.

اللاإنجابية الطوعية

“العالم مليان أطفال في الملاجئ والشوارع محتاجين أمهات، ليه نجيب أطفال تانية ما ندي الحب للموجودين”. م. ع، امرأة ثلاثينية

الأدوار المطلوبة من الأم

“الدنيا مش أمان ومليانة جرايم وعنف، فمقدرش اجيبه ومقدرش احميه، ده انا معرفش احمي نفسي”. ت. ز امرأة عشرينية

” لما بلشت الحرب بسوريا سافرت على لبنان وما قدرت احس بالأمان انى اجيب طفل بظروف الحرب واللجوء”. م. ب سيدة سورية متزوجة

النوع الثاني هو اللاإنجابية الطوعية كقرار شخصى من الفرد نفسه؛ كأن يختار شخص ما عدم الإنجاب لأسباب تتعلق بالتخوف من مسؤولية تنشئة طفل، أو لرؤيتهم أن نمط حياتهم أو عملهم لا يساعد على تأدية الأدوار الوالدية.

ترفض بعض النساء الإنجاب من منظور عدم استعدادهن للدور البيولوجي المنوط بهن، أو من الأدوار الاجتماعية التي تلي إنجابهن للأطفال، والتي ترتكز على أن الأم هي المسؤولة الأولى عن الطفل، خاصة فى المجتمعات العربية، بالإضافة لكون بعض الأشخاص لا يتمتعون بقدر كبير من الغريزة الوالدية أو غير محبين للتعامل مع الأطفال.

وصم الأشخاص اللاإنجابيين

“أهلي بيشوفونى غريبة وشاذة وبيقولوا انى كدا مش ست كاملة”. تحكى إ. م، امرأة عشرينية

“الناس بتخلف دايماً عشان تحقق احلامها في عيالها، وانا مش عايزة أكون أنانية واخلي حد يرمى أحلامه ويحقق أحلامي عشان انا ما حققتهاش وقعدت أربيه”. تقول ر. ح امرأة عشرينية

“بحب الأطفال وعيال اخواتي بيحبوني أكتر من أهلهم، بس انا حابة أكون بطولى”. تقول أ. ن

تعرضت الفسلفة اللاإنجابية المضادة للتناسل للكثير من الأحكام المتناقضة؛ فالبعض يتهمها بالتشاؤم والعدمية وأن متبعيها أشخاص يائسون وغير قادرين على رؤية الاحتمالات السعيدة، وآخرون يرونها فلسفة واقعية ومنطقية، وتتسم بكونها وجهة نظر أخلاقية لعدم تكرار المعاناة مرة أخرى.

بالاطلاع على بعض الدراسات التي تناولت موضوع الوصمة الاجتماعية تجاه الأشخاص غير الراغبين في الإنجاب، وُجد أنهم يتعرضون لكثير من الضغوط الاجتماعية لتغيير وجهة نظرهم عن الإنجاب سواء باتخاذ قرار الإنجاب إن كانوا أشخاصاً مرتبطين، أو بالارتباط بشركاء تمهيداً للإنجاب.

هؤلاء الأشخاص تم تصنيفهم طبقاً لصور نمطية سلبية، إذ اتُهموا بالأنانية والتمحور حول الذات والمادية وعدم القدرة علي التعاطف أو الحب أو العطاء، كما وُصموا بأنهم أشخاص مفتقرين لتحمل المسؤولية المنوطة بهم، طبقاً لتقاليد والمعايير الاجتماعية، بالإضافة إلى اتهامات الشذوذ والغرابة عن المجتمع. كما ذكرت نسبة من العينات اتهامهم بالمرض النفسي والاضطراب، ونُصح بعضهم بتلقي العلاج، أو افترض البعض أنهم تعرضوا لإساءات في الطفولة.

أوضحت الدراسات بشكل كبير تفاوت النظرة المجتمعية طبقاً لبُعد النوع الاجتماعي، حيث كان الغالبية أكثر تسامحاً مع اللاإنجابيين الرجال مقارنة بالنساء، باعتبار الرجال أكثر ميلاً للحرية والعزوبية، لكن النساء افترض الجميع أنهن راغبات في الأمومة وأن كونهن أمهات نتيجة حتمية، كما تم رصد افتراضات بكونهن غير سعيدات أو نادمات أو لا يشعرن بأنهن نساء وغير متقبلات لهوياتهن الجندرية.

وصم المرأة يزيد مع تقدم العمر

 كما كانت التعبيرات أكثر وصماً كلما تقدم العمر بالنساء. اختبرت الكثيرات من النساء أيضاً مشاعر القولبة والوصم من المجتمع والشركاء المحتملين، التي تضمنت كونهن غير طبيعيات وغير صالحات لمشاركة الحياة معهن، والكثير من التعبيرات الاستنكارية حول كونهن سيندمن لاحقاً أو سيعشن وحيدات.

اللاإنجابية في مجتمعات محافظة

“لو راجل وست انفصلوا، الأب بيطمن عشان الطفل معاها، والأم بتشيل الهم كله لوحدها”. إ. ت، امرأة عشرينية

“مفيش راجل هيقبل بست ناقصة وهتندمي أما تموتى لوحدك”. هكذا قيل لإ. أ، امرأة عشرينية

لا شك أن الوصمة تجاه النساء اللاإنجابيات تتزايد فى المجتمعات العربية ذات الغالبية المحافظة بشكل أكبر، حيث يُنظَر للأمومة فى تلك المجتمعات على أنها الدور الأكثر الأهمية للنساء، اللواتي تُسند إليهن مهام العناية بالطفل وتربيته وتأدية المهام المنزلية اللازمة لتنشئته، بل تميل المجتمعات العربية لرفض عمل النساء أو الوقوف أمام طموحهن الدراسي والمهني في حال تعارضه مع مهام الأمومة، إذ تُترَك مسؤولية التوفيق بين مهام الأمومة والعمل والدراسة للنساء، مما يجعل النساء اللاإنجابيات مصدر تهديد لاستمرارية المنظومة.

تتعرض العربيات اللاإنجابيات لضغوط وابتزاز عاطفى من قبل العائلة لخوض تجارب الزواج، التي يعتبرونها حتماً تؤدي إلى الإنجاب أو الحمل إن كانت المرأة بالفعل متزوجة، بالإضافة إلى إلقاء مسؤولية تعاسة العائلة عليهن أو تخويفهن من المستقبل أو باستخدام فزاعة الوحدة.

وضع اللاإنجابية ضمن نطاق التابو أو المسكوت عنه أدى لعدم اكتشاف الكثير من اللاإنجابيين لذواتهم قبل الإنجاب الفعلى، وقيامهم بالأدوار الوالدية التي قد يكونون غير مستعدين لها، أو قد يكونون قادرين على تأديتها على أكمل وجه لكنها لم تكن هدفهم الأساسى، كما يؤدى لخوض الكثيرين من غير المستعدين تجربة الإنجاب في أوقات غير مناسبة لهم مما يؤثر على قدرتهم على أداء أدوارهم بكفاءة.

المصادر:

https://fb.watch/dZcEjg_vyk/

https://www.bbc.com/news/world-asia-india-47154287

research gate

Sage pub

research gate

Will you be mother

research gate

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات