صورة المرأة في الإعلانات.. ماذا تخبرنا عن مجتمعنا؟
الهدف الرئيسي للإعلانات هو الدعاية عن منتجاتها، ولتحقيق ذلك تكرِّس للمفاهيم الموجودة في المجتمع حتى لو كانت خاطئة. ماذا تخبرنا صورة المرأة في الإعلانات عن مجتمعنا؟
تخيّل/ي أن تشاهد/ي هذا الإعلان عن سيارة:
مشهد 1: (سيدة تجلس على كنبة بجانب زوجها، المنزل غير مرتب، أطفالها يجرون وراءها ويصرخون بأصوات عالية).
صوت في الخلفية: “جبتي آخرك من الجواز والعيال؟ البيه اللي قاعد جنبك زي قلته؟ والقرود اللي بتتنطط ليل ونهار؟”
مشهد 2: (نفس السيدة تمسك بمفتاح سيارة إلكتروني بعد أن ارتدت ملابس سهرة شيك، تستعد للخروج من البيت).
صوت في الخلفية: “اللي قالك ضل راجل كان بيشتغلك، لكن محفظة راجل؟ هو ده الكلام”.
مشهد 3: (تظهر مقدمة السيارة الجميلة اللامعة، السيدة تفتح الباب وتدخل، نراها داخل السيارة وتواصل الحديث).
صوت في الخلفية: “قلت له دي أقساط مريحة ع الآخر، هقضي بيها مشاوير البيت وتمرينات الأولاد، وطبعاَ ما صدَّق (تغمز بعينها)”.
مشهد 4: (نرى السيدة مع مجموعة من الرجال والنساء في حفل أمام حمام سباحة كبير، تتحدث للكاميرا بينما في الخلفية يقف رجلان تتبادل معهما النظرات بين الحين والآخر).
صوت في الخلفية: “لو عايزة تفصلي بجد لازم المفتاح يكون في إيدك (ترفع مفتاح السيارة)”.
تخيَّلت هذا الإعلان بديلاً عن إعلان شاهدته للفنان هاني سلامة عن أحد التجمعات السكنية الجديدة. في كل مرة يعدد فيها مزايا الكومباوند كان يضع على رأسها الفرص التي سيحظى بها لمعاكسة نساء يثق أنهن سيقعن في هواه، وسيرافقنه إلى أي مكان يريد الذهاب إليه.
وكل ما “يِتخِنق” من إحداهن، سيجد لها البديل. إذ أنه يسير في الطرقات طوال الإعلان موزعاً نظراته الساحرة على النساء المبتسمات دائماً.
في هذا الإعلان، السكن الجيِّد هو المكان الذي تصبح فيه النساء في متناول أي رجل، الشرط الوحيد هو أن يبادر هو بمواعدتهن.
وتخيّلت هذا الإعلان وأنا أشاهد إعلاناً عن إحدى ماركات المكرونة للفنان حسن الرداد والفنانة إيمي سمير غانم. يشبِّه فيه الرداد النساء بالمكرونة، في مرونتها، أي سهولة إرضائها بكلمتين: “ولا تاخد غلوة في إيديك”. وفي سهولة طبخها، أي طاعتها الدائمة: “تنده لها بإشارة تجيلك”، وفي أنها متاحة دائماً، في السراء والضراء: “الست معاك لو مزنوق، ومعاك لما الدنيا تروق”.
تخيّلت أن تتاح للرجال مرة واحدة يشاهدون فيها جميع القوالب والأدوار الاجتماعية التي تصنِّفهم على لسان النساء. وأن يجربوا: هل سيحبون هذا الإحساس؟
أن يعتبرهم الإعلان ثوراً في ساقية، يدور في النهار ليكسب دخلاً يحدد قيمته في عين زوجته.
أو يعتبرهم “ضل راجل”، كل مهمته أن يشعر زوجته بالأمان المادي، وفي المقابل تقوم هي بمهام المنزل وتربية الأولاد، وليس رجلاً كاملاً له جسد وأفكار ومشاعر وأحلام وأزمات.
وتخيّلت أن الزوج المسموح له علناً أن يقول عن زوجته “خنيقة” يسمع نفس الكلام على لسانها، أمام المشاهدين أيضاً. والرجل المتاحة أمامه النساء كبضاعة يختار من بينها من تحظى بصحبته، يشاهد امرأة وهي تفعل نفس الشيء لنفس الأسباب: “اتخنقت وعايزة أفصل”.
كما تخيلت حملات الهجوم التي ستستقبل إعلاني النسائي هذا، واستجوابات مجلس الأمة التي ستطالب بمنعه من العرض لأنه يسيء إلى المرأة وقيم وأخلاق مجتمعنا الشرقي.
الرجل يطبخ أيضاً
تحتاج صناعة الإعلانات لدرجة عالية من الابتكار نظراً لضيق وقتها ومهمتها المحددة في إقناع الجمهور المستهدف باقتناء سلعة معيَّنة. لذلك فهي تلجأ لأقرب طرق الإقناع وأكثرها قبولاً لدى هذا الجمهور.
وهي تجري الكثير من بحوث السوق لتدرس أولويات وتفضيلات المستهلكين، وكيف تتطور احتياجاتهم، وماذا ينقصهم. ثم تصوغ رسالة قصيرة جداً: عليها أن تتمتع بالجاذبية البصرية، والتأثير العاطفي والنفسي، والإقناع العقلي.
لذلك يصبح اختيار نجوم محبوبين لبطولتها اختياراً هدفه تقصير المسافة، لأن سلوك النجم أكثر إثارة للإعجاب السريع، أحياناً بغض النظر عن محتوى الرسالة.
لذلك فالإعلانات لا تناقش ثوابت مجتمعاتها بقدر ما تؤكدها وتبرز أقوى ما فيها.
فلو كانت الإعلانات تقدَّم لجمهور يرى النساء مختصَّات بالطبخ وغسل الأطباق والملابس بشكل حصري دون الرجال، فستتوجه إعلانات المنتجات الغذائية ومساحيق الغسيل للنساء فقط، وستقوم ببطولتها سيدة دائماً، نجمة كانت أم لا.
الإعلانات هنا لا تكتفي بإظهار ما يعتقده المجتمع فعلاً، ولكنها بعرضها المستمر واستخدامها لنفس نمط المرأة المسؤولة الأولى والوحيدة عن شؤون المنزل، تعيد إنتاج هذه الصورة في أذهاننا، تثبِّتها وتجعل من الغريب أن نتصور غيرها.
هي تمنعنا مثلاً من أن نتصوّر أعداد الرجال العزّاب المحتاجين أيضاً لمنتجات غذائية ومساحيق غسيل، أو أعداد الرجال المتزوجين الذين يشاركون زوجاتهم في مهام المنزل.
مثل هؤلاء الرجال سيشعرون بإصابتهم بخلل هرموني كلما قاموا بغسل الأطباق في بيوتهم، لأن الصورة الذهنية للسيدة الموجّه لها الإعلانات حصرياً، والسيدة التي تمثّل الإعلانات ستطاردهم.
الأصعب أن هؤلاء الرجال ربما يتعرفون إلى سيدات تستنكف مما يفعلون، وتستغرب أنهم يعرفون أنواع مساحيق الغسيل أو مستلزمات الطبخ، وترى في ذلك انتقاصاً من رجولتهم.
قيمة البضاعة
تواصل الإعلانات إعدادنا لنفس الأدوار الاجتماعية التي أُعدت لها أمهاتنا وجدَّاتنا،.وتعد الرجال لدور من تنظر له النساء بإعجاب عندما تعرف كم يكسب وماذا يمتلك، وتفتحن الباب لكل ما يطلب دون شروط، هن أيضا مجهّزات لدورهن كممتلكات- غالية ربما- يقتنيها من يدفع أكثر.
إذن، ونحن في مجتمع يعاني من طول الفترة الزمنية بين بلوغ سن الزواج والزواج فعلاً Waithood لضيق القدرة الاقتصادية، لا نستغرب من أننا برغم ذلك مغالين جداً في متطلبات الزواج التي تقع على عاتق الرجل بصورة أكبر، لأننا نتوقع “قيمة البضاعة” التي استثمرنا في إعدادها لتقوم وحدها فيما بعد بمهام المنزل، وتمنح الرجل الراحة المطلوبة للعمل والكسب خارج المنزل.
صفقة رابحة إلا لمن سيعيشون معاً في منزل واحد ليلاً ونهاراً، ليواجهوا ما لم تعرِّفهم الإعلانات عليه: العلاقة بين الرجل والمرأة وتعقيداتها، والإدارة الاقتصادية للزوجين بالمنزل وصعوبتها، وكل أمر آخر عليهما أن يتشاركا ليعبراه معاً.
في عالم الإعلانات تستهلك النساء مستلزمات المنزل ومستحضرات التجميل بمعدلات أعلى كثيراً من الرجال، ولكن إعلانات الخدمات، الكمبيوترات، البنوك، الأجهزة الكهربائية الهواتف الذكية غالبا ما تتوجه للرجال.
تبدو الصورة في عالم الإعلانات أضيق كثيراً من احتياجات كثيرة للنساء أو الرجال.
احتياجات تراكمت على مدى عقود، خرجت فيها النساء لسوق العمل واتسع عالمها الاجتماعي، تحتاج لمنتجات وخدمات متنوعة تدعم استقلاليتها وشخصيتها، وتساعدها على تنظيم وقتها بين العمل والأسرة والعلاقة العاطفية.
كذلك الرجال الذين يحظون بتنوع أكبر، ولكنه قائم بالأساس على تجاهل احتياجاتهم للاهتمام بأناقتهم أو جمالهم أو صحتهم أو لياقتهم البدنية، لأنها أمور تخص النساء تماما كمساحيق الغسيل التي تخصم من صورتهم الرجولية.
ما نعلن عنه، ومن نعلن له، يشبه كثيراً كيف نرى أنفسنا، وماذا نحتاج.
هل ترضون عن الصورة؟
88956761
61
سياسة استخدام الموقع لا تسمح…
سياسة استخدام الموقع لا تسمح بتبادل بيانات الاتصال الشخصية. من فضلك لا تكرر مشاركة بياناتك.