الكوفيد الطويل

الكوفيد الطويل.. أعراض ما بعد الكورونا

تعافى بعضنا من الكوفيد، وظلت بعض أعراضه قائمة رغم ذلك. هل يوجد سبب؟ وهل هناك ما يدعو إلى الإحساس الخطر؟

أنا مش أنا يا دكتور.

نتذكر الجملة التي كان يقولها محمود عبد العزيز للطبيب في فيلم “جري الوحوش”، بعد إجرائه لإحدى العمليات.

كان الطبيب في الفيلم قد أجرى له كل الأشعة والفحوص الطبية والمعملية، وبدت كلها سليمة، ولكن ظل محمود عبد العزيز يشكو من أعراض غامضة.

حالة شبيهة يمر بها العديدون ممن أصيبوا بفيروس الكورونا، فرغم أنهم أتموا شفاءهم، وخرجوا من المستشفى، ولا تُظهِر الفحوص الطبية أي مشكلة لديهم، ما زالوا يعانون من بعض الأعراض الغامضة.

سُميت هذه الأعراض بأسماء عديدة، منها أعراض ما بعد الكورونا، أو أعراض انسحاب الكورونا، أو متلازمة ما بعد الكورونا، أو الكوفيد الطويل.

ما بعد العدوى

منذ منتصف عام 2021 وحتى الآن، يشكو الكثيرون ممن أصيبوا بفيروس الكورونا خلال الجائحة بأعراض مرضية وكأنهم ما زالوا مصابين بالفيروس، رغم تمام شفائهم.

عادة ما تحدث هذه الأعراض لمن أصيبوا بعدوى شديدة ودخلوا الرعاية المركزة، أو من أصيبوا بالعدوى وهم أصحاب أمراض عضوية أخرى، مثل مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم وخلافه.

ورغم ذلك قد يشعر بهذه الأعراض أشخاص كانت إصابتهم بالكورونا خفيفة ولم تستدع دخول المستشفى حتى. إذن ليس هناك نمط واحد.

من أشهر هذه الأعراض:

  • الإجهاد والإرهاق العام
  • آلام بالمفاصل والعضلات
  • الشعور الدائم باحتقان الزور
  • ارتفاع درجة حرارة الجسم
  • الشعور بألم في الصدر
  • زيادة ضربات القلب
  • اضطرابات النوم
  • اضطرابات الدورة الشهرية
  • الاكتئاب والحزن وتغيّر الحالة المزاجية
  • ضعف الانتصاب والأداء الجنسي عموماً
  • الدوخة والصداع

قد تستغرق هذه الأعراض أسابيع أو شهوراً أو سنوات. يختلف الأمر من شخص إلى آخر.

وكما نرى، كلها أعراض ليست محددة، لكن المصاب يشعر بها، ويشعر كأنه لم يعد نفس الشخص الذي كان عليه قبل الإصابة بالفيروس.

الصداع من أعراض الكوفيد

على المستوى الطبي، لا توجد تحاليل أو أشعة تثبت هذه الأعراض وتشخصها، ولكننا نضع يدنا عليها من خلال استبعاد كل الأمراض العضوية، ومن بينها عدوى الكورونا، وبالتالي نكتشف أن شكوى المريض سببها أعراض انسحاب الفيروس.

أسباب ظاهرة ما بعد الكورونا

لا يوجد سبب علمي وطبي واضح ومثبت حتى الآن لحدوث أعراض ما بعد الكورونا، لكن توجد عدة تفسيرات علمية تحتاج إلى المزيد من البحث العلمي لإثبات صحتها. من هذه التفسيرات:

إنهاك الجهاز المناعي

مثلما تنتهي إحدى المعارك الحربية ويستغرق الجنود وقتاً للانسحاب من أرض المعركة وإخلاء ساحتها، تحتاج مقاومة الفيروس أيضاً إلى بعض الوقت.

يتحفز الجهاز المناعي لقتال الفيروس والقضاء عليه، وتنشب معركة حامية بين جنود الجهاز المناعي وبين الفيروس.

تؤدي هذه المعركة إلى إفراز كميات ضخمة من مواد السيتوكاينز، وهي مواد قد تظل بالجسم فترة طويلة، حتى بعد انتهاء المعركة.

بقاء هذه المواد في الدم يسبب شعور الشخص بالإنهاك والإجهاد والإرهاق.

إصابة الفيروس لمراكز حساسة في المخ

تحديداً يصيب الفيروس مركز الهايبوثلاماس (hypothalamus)، وهو المركز المسؤول عن ضبط درجة حرارة الجسم وتنظيم النوم، ويحوي مراكز الشهية والشبع ومراكز المشاعر الوجدانية.

وقد تكون إصابة الفيروس لهذا المركز هي ما تُنتِج أعراض تغيّر المزاج والحزن واضطرابات النوم وارتفاع درجة حرارة الجسم.

متلازمة الإرهاق المزمن

وهي متلازمة منتشرة خاصة بين النساء، ولا يوجد لها تفسير علمي واضح حتى الآن.

لكنّ الثابت علمياً أنها تحدث كثيراً بعد الإصابة بعدوى فيروسية، أياً كان نوع الفيروس.

ولذا قد تكون أعراض ما بعد الكورونا هي متلازمة الإرهاق المزمن (chronic fatigue syndrome).

متلازمة ما بعد الإصابة بالفيروسات (post viral syndrome)

وهي مجموعة من الأعراض التي تظهر بعد الإصابة بعدوى فيروسية، ومثبتة لبعض الفيروسات، منها فيروس الهربس وفيروس الحصبة وفيروسات سارس التي أصابت بعض الدول في عامي 2002-2003، بالإضافة إلى فيروس إبشتاين بار الذي يصيب الكبد.

متلازمة ما بعد الإصابة بالفيروسات

وقد تكون أعراض ما بعد الكورونا جزءاً من متلازمة ما بعد الإصابة بالفيروسات.

كما رأينا كلها نظريات ما زالت قيد البحث العلمي.

لكنّ الملاحظ أن أعراض ما بعد الكورونا تشبه ما يحدث للمرضى الذين يصابون بأمراض شديدة تنهك الجسم، أو بعد المكوث فترة طويلة في الرعاية المركزة لأي سبب طبي، وهو ما يفسره بعض الأطباء والعلماء بحالة كرب ما بعد الصدمة، أي علينا ألا نغفل الجزء النفسي من المشكلة.

علاج أعراض انسحاب الكورونا

الحقيقة أنه لا يوجد علاج طبي لهذه الأعراض، وعادة ما تنتهي هذه الأعراض من تلقاء نفسها بمرور الوقت.

لكن من المفيد عند شعور الشخص بهذه الأعراض لفترات طويلة بعد الإصابة بالكورونا، بشكل يعيق ممارسة الشخص لحياته الطبيعية، أن يتوجه المصاب إلى طبيب/ة الأمراض الباطنية لاستبعاد وجود أي أمراض عضوية حقيقية تستدعي التدخل الطبي والعلاج.

من جهة أخرى، يمكن التكيّف مع أعراض الانسحاب هذه عن طريق التغذية السليمة وتناول بعض الفيتامينات وشرب السوائل وممارسة رياضة المشي، والخروج في الهواء الطلق أو ممارسة اليوجا والتأمل.

كل ذلك يساعد الجسم على تخطي فترة النقاهة بأقل أعراض جانبية.

ختاماً، أعراض ما بعد الكورونا هي أعراض ذات طيف واسع، وهي عادة تختفي من تلقاء نفسها ولا تحتاج إلى علاج.

الشيء الوحيد الذي يمنع حدوث الأعراض هو تجنب العدوى من الأساس، وتلقي التطعيمات لتقليل حدة العدوى إن حدثت.


مصادر

https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/long-term-effects/index.html

https://www.healthline.com/health/post-viral-fatigue

https://www.nhs.uk/conditions/coronavirus-covid-19/long-term-effects-of-coronavirus-long-covid/

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات