ختان الإناث
Shutterstock

الختان لا يجعل المرأة طاهرة بل ضحية

لا يشوه الختان جسد المرأة فحسب، ولكنه يطفئ شيئاً داخل روحها. وتبذل المرأة جهداً كبيراً للتعافي من هذه الكارثة والتقليل من أثرها السلبي.

السنوات تمر، ورغم كل ما تشهده مصر من تطور في الوعي لدى النساء بحقوق بناتهن في أن يعشن مكتملات الجسد ودون تشوية أو بتر لأعضائهن الجنسية، إلا أن قضية ختان الإناث ما زالت تشغلنا.

ما زالت الكثير من الأسر تخضع بناتهن لهذه التجربة المريرة، والتي تخرج منها الفتاة كسيرة النفس ينقصها الثقة والقوة والاعتداد بالذات.

لا يأخذ الختان جزءاً حيوياً من جسد المرأة فقط، وإنما يأخذ حيويتها نفسها، وفي أحيان كثيرة يقتلها، وربما تجسد هذا الواقع المؤلم قصة ندى (12 سنة)، التي توفت أثناء خضوعها لعملية الختان في إحدى العيادات الطبية بإحدى قرى أسيوط بمصر مؤخراً.

لم أمر بشكل شخصي بهذه التجربة الأليمة، وربما كنت من النادرات المحظوظات في جيلي، حيث ترتفع جداً نسبة المختنات بين السيدات في الأربعينيات من عمرهن، فوفقاً لليونسيف تعدت نسبة الختان في مصر 97% عام 2000.

وُلدت لأم خضعت للختان مرتين، حيث شكَّت والدتها في سلامة العملية في المرة الأولى، فأخضعتها لعملية أخرى، ما جعل أمي تحمل ذكرى شديدة القسوة جعلتها ترفض أن تفعل نفس الشيء في ابنتيها، وبحثت بنفسها في الأمر لتتأكد من كونه خرافة ولا يؤدي سوى للأذى الجسماني والنفسي فقط، ولا علاقة له بالطهارة أو الشرف.

رغم كوني من المحظوظات، إلا أن ما رأيته من آثار تدميرية للختان على النساء كان كافياً لأن أكون من أكثر المعاديات له والمحذرات منه، فهذه الجريمة لا تقتطع قطعة لحم صغيرة من الجسد فقط وإنما تبتر الروح، وهذا ما خبرته من خلال بعض السيدات.

 

ينقصنا شيء

لا يمكنني أن أنسى تلك المرأة التي كانت دائمة الشكوى من عدم إحساسها بالسعادة داخل منظومة الزواج، حيث أثارت تعجبي عندما أعلنت رغبتها في أن تُحب رجلاً يحنو عليها، فاستنكرت الأمر وتساءلت عن سبب عدم حصولها على الطلاق!

الختان
shutterstock

كانت الإجابة صادمة، فهي تدرك حالتها جيداً، حيث خضعت لعملية ختان متوحشة وهي صغيرة، بُتِر فيها عضوها الجنسي بالكامل (البظر والشفرين).

تشعر أنها ينقصها شيء، وأنها لا تستطيع أن تشعر بالاستمتاع الكامل بالجنس، فرغبتها الجنسية لا تُشبع بسهولة.

ورغم أن زوجها غير متفهم لحالتها، إلا أن شعورها بهذا النقص لا يجعلها تشعر بثقة في نفسها أمامه.

امرأة أخرى تعرفت عليها مرت بتجربة هذا الختان المتوحش. تنتمي عائلتها لواحدة من قرى الصعيد، وعندما أخضعتها أمها لعملية الختان الأولى في القاهرة، لم تشعر بأن ختانها سليم، فقررت حمل ابنتها والسفر بها إلى قريتها حتى تخضع للختان الصعيدي، السليم من وجهة نظرها.

تحكي لي هذه الصديقة التي ما تزال تشعر بالفزع من الذكرى: ” قيدتني أربعة نساء من ذراعيَّ وساقيَّ بينما تقف نسوة العائلة يشاهدن القابلة وهي تقطع جزءًا من عضوي الأنثوي، كان ذلك وأنا في الثانية عشر من عمري، أتذكر بفزع  أصواتهن التي تلاحقني حتى اليوم وكأني أعيش فيلم رعب يومي”.

هي لا تشعر بالرضا عن حياتها الزوجية، فزوجها دائم الانزعاج من تألمها أثناء العملية الجنسية، فصارت تكتم ألمها حتى لا تفقد زوجها.

تتقبل صديقتي كل هذا لأنها ترى نفسها غير مكتملة بسبب ما حدث في طفولتها.

سميرة (اسم مستعار) واجهت واقع الختان المرير متأخراً، وذلك حين كانت في العشرين من عمرها.

ولدت سميرة لأب وأم متعلمين رأيا عدم ضرورة تعريض ابنتهما لقسوة هذا الإجراء غير الضروري، لكن عند أول اصطدام بواقع الأحكام الاجتماعية، لم يستطيعا المقاومة.

كانت طالبة في السنة الرابعة من كلية الطب عندما خُطبت لشاب من أبناء واحدة من العائلات الكبيرة بمحافظة بني سويف بمصر.

وأصرت أم زوجها المستقبلي أن تخضع لعملية الختان قبل إتمام الزيجة.

الوعي لا الختان
shutterstock

زواجها في الأساس كان مصاهرة بين عائلتين، وبالتالي لم يستطع والداها الانسحاب من الزيجة ولم يستطيعا الدفاع عن قرارهما بعدم ختان ابنتهما في مواجهة مجتمع يؤمن بأن الختان طهارة وشرف، ولذلك رضخا للواقع الاجتماعي الأليم ولم تمتلك هي حق المقاومة.

كان أثر ذلك في نفسها عميقاً، فتركت دراستها بكلية الطب، حلمها الأصلي، والتحقت بكلية نظرية تخرجت منها وهي متزوجة بالفعل، لتعيش بعد ذلك وهي تنظر بعين الاتهام لوالديها وزوجها الذي لم يستطع أن يثني والدته عن قرارها.

الوعي لا الختان

حكايات وأسرار تقبع خلف الأبواب المغلقة لنساء حُرمن من البهجة الطبيعية في الحياة، باسم العادات والتقاليد التي تقيد المرأة بمفاهيم خاطئة عن الطهر والشرف.

يزيد الأمر سوءاً عند النساء اللاتي خضعن للنوع الثالث من الختان وهو استئصال البظر والشفرتين. وهو ليس سوى اعتداء على حقهن في الحياة، وإيذاء جسدي مباشر وصريح لهن.

تبعات الختان المرضية كثيرة مثل الالتهابات المتكررة في المسالك البولية وتكيس المبيضين والشعور بالألم عند ممارسة الجنس وآلام الولادة.

زاد وعي المجتمع مؤخراً تجاه الختان، إذ توجد الكثير من مراكز الدعم النفسي التي تساعد الفتيات المختونات جنسياً لمحو الذكرى السيئة لتلك العملية المشينة.

كذلك توجد عمليات لترميم البظر لاستعادة الجزء التي فقدته المرأة في طفولتها.

وننصح الزوجين بالتفاهم وبذل الجهد لتقليل الآثار السلبية للختان على الحياة الجنسية.

لكن يبقى نشر الوعي هو الأساس للقضاء على هذه الكارثة التي تنتشر في بلاد نهر النيل بشكل كبير، وخاصة في الريف الذي ما زال متصدراً النسب العليا في هذا الإجراء المشبوه رغم تجريمه قانوناً.

اقرأ المزيد: ما بعد الختان.. كيف تشعرين بالمتعة الجنسية؟

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (1)

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات