عيد الأم ورد
Pexels

الإنجاب ليس طموحي

” بالنسبة لي، الفكرة مرعبة إذ كانت سعادتي وشعوري بإنجازي كـ “إنسانة”، مرهونة بتحقيق أمومتي…”

“شكلك زي الأمهات، والغريب إنه لايق عليكِ”

علّق صديقي على صورتي حيث أتوسط ابنتيّ خالي، فيما أضمهما بين ذراعيّ.

قبل ذلك بأعوام، تحديداً في مقتبل عامي الحادي عشر، ابتسم  لي بائع وهو يعرض عليّ بضاعته من أدوات الشعر، “عاوزة تختاري حاجة تانية لبنتك؟”، لم أصحّح له المعلومة بأن جسمي – وإن كان يبدو ممتلئاً – ليس قابلاً بيولوجياً بعد، حتى يحمل .. ولو بفأر.

“مش هنفرح بيكي بقى؟. حِتّة عيّل كده، شبهك يملي عليكِ الدنيا!”

تتردد هذه الجملة، إن طالت أو قصرت، في أكثر من جلسة، خاصةً في أوساط المقرّبين، وعادة ما تأتي كمحاولة لإقناعي- قبل فوات الأوان- بأن أعوامي السبعة والعشرين تكون قد ضاعت هباء إذا لم أنتج كائناً بشرياً يشقّ طريقه إلى الحياة، عبر شقّه لجسدي نصفين – فأنا لا أتخيل أني سأحتمل الولادة الطبيعية.

16 عاماً هي الفاصل الزمني بين الواقعتين، لم أكن فيها أماً لطفل ولا زوجة لرجل، ولا خطة في المستقبل القريب لتغيير حالتي الاجتماعية في البطاقة الشخصية. مع هذا، فإني مارست الأمومة مع رحمي الخاوي.

إنجازك يقتصر على إنجابك

في مجتمعي، حيث نشأت، المرأة هي الأم، أو في طريقها إلى أن تكون. يعدّونك في المدرسة والمنزل لأن تصبحي شيئاً “مهماً”  في المستقبل، ولكن لا إنجاز يعلو على ما يؤمّنه لكِ الإنجاب من مكان “مقدّس”، يضع الجنة تحت قدميك.

بل على النقيض تماماً، سأصبح في فئة النساء اللواتي تمتلئ جهنم بهنّ حتى نصفهنّ فقط.

نظن أنه بـالزواج تخفّ وطأة ضغط المجتمع علينا، حتى تبدأ سلسلة جديدة من “مش هتشدّي حيلك بقى؟”. رغم أن الأمومة كما تعرّف في القاموس، بأنها “حالة الأمّ بعد أن صارت أمًّاً”، إلا إنها قد تصبح عرضة للتشكيك إذا لم تواصل المرأة عملية الإنجاب، والقيام بمهام حدّدها لها العرف المجتمعي تجاه أولادها.
 

مش عاوزة تخاويه؟

“مش عاوزة تخاويهم… مش نفسك في عيّل تاني؟ طيب أنتِ لسه مجبتيش البنت على الولدين؟”

عينة من عبارات تختبر مقدار حنينك إلي “أمومة” مفترضة مرتبطة بدورة متكررة من الحمل، والولادة، والرضاعة، وما يتبعها من مسؤوليات رعاية الوليد.

بذلك تصبح أكبر آمالي في الحياة، ومكانتي “المقدسة” في المجتمع مرهونة بقدرتي المتكررة على الإنجاب.

مرة واحدة لا تكفي.

بالنسبة لي، الفكرة مرعبة، إذ كانت سعادتي وشعوري بإنجازي كـ “إنسانة” مرهونة بتحقيق أمومتي، ثم أن يصبح التنعّم بهذا الشعور حبيس عملية بيولوجية، ومسؤوليات اجتماعية، تعلو فيها مهام “خدمة البيوت” على الرعاية والدعم النفسي للأطفال.

بعيداً عن الجدل المستمر بين الباحثين حول ما إذا كانت الأمومة غريزة، أم سلوك مكتسب، كل ما أعرفه أن من الظلم البيّن رصد وحصر معالم الأمومة عند النساء بلعب الطفلة بعروستها، ثم دفع الفتاة إلى إطار الرغبة بالزواج للإنجاب، وتكريس حياتها – فيما بعد – لخدمة الزوج والأبناء.

في الواقع تتأثر مشاعر الأمومة بالبيئة الاجتماعية التي تعمل على تذويت الفتاة لهذا الدور. كم من صديقة أو قريبة أعرفها، كانت تمارس دور الأم لعائلتها في سن صغيرة، بل أماً لأمها، حيث تجلت معاني الأمومة من رعاية، ودعم، وإيثار، وخوف من المجهول.
 

مصباح سحري

مع مراحل النضج العاطفي، قد تستمر هذه الأمومة النفسية مع نفس الأشخاص، أو ينتقل إلى آخرين صلتنا بهم لم تبدأ بمشيمة في الرحم، وربما تتوقف مشاعر الأمومة عند هذا الحد، دون رغبة في الإنجاب.

إذا تم تصنيف النساء إلى مجموعتين، الأولى تُولد بغريزة الأمومة، والأخرى من ذوات “الأرحام الخاوية”، فعادة تُوضع مثيلاتي؛ اللاتي اخترن متابعة سيرتهنّ المهنية، ضمن المجموعة الثانية.

فنمط حياتي المغاير لما آلف عليه آباءنا من “انتظار رجل يصبح المصباح السحري” لحياتي، تجعل “أنوثتي” موضع سخرية وشك طالما أن الإنجاب ليس من أولوياتي.

لا ألومهم تماما على هذا الظن.. فأنا شخصياً لو لم أعرف ذاتي جيداً علي مدار سبعة وعشرين عاماً، كنت ظننت ذلك في نفسي.
 

أمومة من نوع آخر

لكن لماذا قبل ستة عشر عاماً من الآن ضممتُ أختي الرضيعة بسعادة إلى صدر- لم ينبت بعد- حين أشار البائع بأنها ابنتي، وماذا عن مشاركتي أمي في رعايتها حتى تركتُ المنزل، وهي في العاشرة؟

ناهيك عن شعوري الدائم بالذنب، لغيابي عن حياتها اليومية. رغم بُعد المسافات، أفكر عنها في شؤون حياتها، وأخطط لها، وأتسلط عليها أحياناً كما تفعل الأمهات.

تفاصيل كثيرة هي أكبر من علاقة الأخوة، وأراها تظهر بصور مختلفة في علاقات أخرى في حياتي.

أؤمن بأن علاقتي بوليدي ستكون طوراً آخر ومهماً في تجربة الأمومة، ولكن عدم رغبتي في الإنجاب الآن لا يقلل شأناً من تجربتي الإنسانية، كما لن تتجرد أمٌ من تجربتها لأن أولادها قد بلغوا من العمر ما يحمّلهم على القيام بمسؤوليتهم بأنفسهم.

كتبت: بسمة المهدي

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات