فيروس نقص المناعة
Shutterstock

الطب تَقدَّم.. تجاوزوا مخاوفكم من فيروس نقص المناعة البشري

ما زال المصابون بفيروس نقص المناعة البشري يعانون من الوصم المجتمعي، وهذا الوصم ناتج عن الخوف، الذي لم يعد له مبرر بسبب التقدم الطبي.

لسنوات طويلة، تحمل المتعايشون/ات مع فيروس نقص المناعة البشري العديد من أشكال الوصم، وكثيراً ما ارتبط الفيروس في أذهان العديد من المجتمعات بأصحاب الميول الجنسية المثلية أو المدمنين.

كانت هذه فرصة للعديد من الناس أن يعتبروا الإصابة بالفيروس عقاباً إلهياً للمصابين على “أفعالهم المشينة”، وأدى هذا إلى بطء التحرك من أجل حماية المتعايشين/ات، وفقد/ت الكثيرون/ات أرواحهم/ن. وربما لم يحدث تحرك مجتمعي جدي إلا بعد الإعلان عن إصابة غيريي الميول الجنسية بالفيروس.

لكن ما الحال الآن؟

الحال أفضل نسبياً، خاصة مع التقدم العلمي الصحي، ولكن في المجال المجتمعي ما زال الأمر سيئاً، ولا يجاري الإنجازات العملية، والمجتمع هنا يشتمل على مساحات الخدمات الطبية.

ما زال وصم المتعايشين/ات قائماً في أماكن كثيرة، منها أماكن صرف الدواء وعيادات الأطباء والمستشفيات العامة، وحتى بين المتعايشين أنفسهم؟

يحكي حسن* عما جرى معه في عام 2017. تدور الأحداث في مستشفى الصدر في إحدى المحافظات المصرية، تُقَدِّم المستشفى خدمة الفحص والمشورة المجانية لطالبين/ات الخدمة. كان وقتها قد بلغ عامه الـ 21 وكان دائم الذهاب إلي المحافظة لالتحاقه بجامعتها هناك رغم أنه من أهل العاصمة.

يحكي حسن أن أخصائية المشورة كانت لديها مشكلة واضحة معه، واهتمت في أكثر من مرة أن تسأله عن طبيعة ممارساته الشخصية، بدون أن يكون لهذا رابط بالخدمة الطبية التي تقدمها.

انتهى التحليل السريع الذي أجراه بظهور النتيجة سلبية، ولكن فوجئ بالأخصائية تقول له: “المرة دي عدت على خير، بس لو كملت على اللي بتعمله هيجيلك إيدز”.

ما حدث مع حسن ليس حادثاً فردياً وإنما ممارسة تجري بشكل شبه يومي للمتعايشين والمتعايشات مع الفيروس.

للاطلاع على المزيد: خطوات التعايش مع فيروس نقص المناعة البشري في مصر

من أين يأتي الوصم؟

يأتي الوصم من الخوف، الخوف من المجهول، والاستمرار في الاعتقاد بأن المرض مميت ولا شفاء منه.

ما زال الحديث عن الفيروس غير كافٍ في الإعلام. الكثير من البرامج التلفزيونية تتعامل مع المتعايشين/ات بنية “الفرقعة الإعلامية”، أما السينما والدراما فيجسدان الإصابة بالفيروس على أنها بداية النهاية، ودائماً ما تُظهر مع المتعايش على أنه ارتكب أفعالاً غير أخلاقية، ويُعاقب بسببها بالمرض، ثم يأتي الندم على أفعاله السابقة لأن نهايته أصبحت وشيكة.

التعايش مع فيروس نقص المناعة

ولكن في الحقيقة أن الخوف لم يعد له معنى، بعد كل التقدم الطبي الذي حدث، إذ لم يعد فيروس نقص المناعة مرعباً مثلما كان في الماضي.

للاطلاع على المزيد: هذا الطفل لن يصاب بفيروس نقص المناعة البشري

المتعايش لن يموت غداً

كان الاعتقاد السائد أن الإصابة تعني الموت الحتمي، لكن هذا ليس صحيحاً، أو في وقتنا الحالي أصبح الموت بسبب فيروس نقص المناعة مستبعد الحدوث، أصبحنا نعلم أكثر عن الفيروس وطرق الإصابة والوقاية، لدينا دواء يساعد الشخص المتعايش على الحياة بكامل صحته، قرأنا عن أشخاص متعايشين لأكثر من 20 عاماً واليوم يعيشون حياتهم بدون عقبات أو خوف من الفيروس.

يحكي شادي، وهو متعايش مع فيروس نقص المناعة: “في بداية معرفتي بالإصابة كان لدي قناعة بأنني سوف أموت قريباً. لم أكن خائفاً من الموت. علمت بإصابتي عند مصاحبتي لصديق يقوم بالتحليل الدوري فرافقته في إحدى المرات وسألني إذا كنت أريد التحليل، وظهرت نتيجتي إيجابية، كنت أتمني أن يكون هناك خطأ في التحليل بالرغم من عدم خوفي من العواقب”.

يكمل شادي بأنه بدأ سريعاً التعايش مع الفكرة، ولم يعتبر أن هناك نقطة تحول في حياته، يقول: “خلال عام واحد، تحول وضع الفيروس عندي إلى (غير قابل للكشف)، الآن تأتي عليَّ أوقات أنسى فيها أنني متعايش مع الفيروس، صارت المسألة طبيعية جداً، جزءاً من حياتي وروتيني اليومي، أنا متعايش، ولم أمت”.

شادي ليس المتعايش الوحيد الذي يعيش حياة خالية من المشاكل. تعرفت نهى (42 عاماً) على طارق (48 عاماً) خلال إحدى جلسات مجموعات دعم المتعايشين مع فيروس نقص المناعة، ووقعا في حب بعضهما، تزوجا بعد عامين، ويعيشان الآن حياة أسرية سعيدة، مع طفلهما الذي بلغ العاشرة من عمره، وطفلتهما ذات الأعوام الستة.

تابع نهى وطارق علاجهما حتى وصلا إلى مرحلة كون الفيروس “غير قابل للكشف” في جسديهما، ولم يواجها صعوبة بسبب الفيروس في الزواج أو الإنجاب، ولم يُصب طفلاهما به.

طرق الوقاية والعلاج

صارت طرق الوقاية من فيروس نقص المناعة البشري متعددة، جرعة واحدة يومياً من دواء تروفادا، وهو دواء مضاد للفيروسات القهقرية، ويتكون من عقارين هما تينوفوفير بجرعة 300 مج وإمتريسيتابين بجرعة 200 مج، قادرة على وقايتك من الإصابة بفيروس نقص المناعة، ويسهل الحصول على الدواء من بعض الصيدليات الكبرى داخل مصر.

الرعاية الصحية للمتعايشين

ورغم ثمن الدواء المرتفع، إلا أن بعض الأشخاص يفضلون اللجوء إليه كوقاية لتجنب مشكلات قد تحدث خلال ممارسة  الجنس الآمن من قطع للواقي الذكري أو عدم تفضيل استخدامه من قّبل الطرفين أو أحدهم. تَجَرُّع حبة دواء واحدة للوقاية من فيروس تسبب في موت الملايين على مدار السنين يعتبر إنجازاً ثورياً.

في حالة حصول المتعايش على الأدوية والانتظام في الجرعات تنخفض نسبة الفيروس في الدم حتى الوصول لدرجة أن يكون غير قابل للكشف، بمعنى أنه أصبح شبه خامل، ويؤدي هذا إلى أن يكون غير قابل للانتقال من المتعايش إلى شخص آخر عن طريق الجنس.

للاطلاع على المزيد: “لا يمكن اكتشافه = لا يمكن انتقاله”.. عش آمناً مع فيروس نقص المناعة البشري

وفي الآونة الأخيرة ظهرت أخبار عن تجربة بعض الأمصال التي تؤخذ مرة واحدة شهرياً للمتعايشين بديلاً للعلاج اليومي الذي يتجرعه المتعايش، وظهرت أخبار أخرى عن الشفاء التام لأشخاص متعايشين في تجارب لدواء جديد.

وصل العلم إلى درجات لم نكن لنحلم بها منذ سنوات مضت ولم يتخيلها الأشخاص الذين عاصروا ظهور الفيروس في القرن الماضي.

العلم الذي استطاع مساعدة الكثيرين على الحياة بشكل أفضل مع فيروس كان مميتاً في الماضي، ينبغي أن يساعدنا على تخطي مخاوفنا مما نجهل. مخاوف الناس من الفيروس والمتعايشين معه، ومخاوف المتعايشين أنفسهم.

العلم تَقَدَّم.. لا داعي للخوف، لا داعي للوصم.

*جميع الأسماء المذكورة مستعارة للحفاظ على خصوصية المصادر

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (2)

  1. مفيدة للغاية
    لكم مني جزيل…

    مفيدة للغاية
    لكم مني جزيل الشكر والتقدير والاحترام

    1. شكراً جزيلاً على متابعتك لنا…

      شكراً جزيلاً على متابعتك لنا ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات