موبيل والعلاقات
flickr.com

الموبايل: فردوس الحب المعاصر … مهدّد

فقدنا خلال السنوات الأخيرة –وهنا أتحدث عن الانسانية جمعاء لا جماعة محددة- الكثير من الأدوات التى كانت عناصر أساسية في علاقاتنا العاطفية وفي كيفية تشكل الحب وأثره في قلوبنا.

حضرت جزءاً من هذا الزمن الذي انقضى، زمن الخطابات العاطفية الورقية، والصور الفوتوغرافية التى تهديها الحبيبة وتحمل في ظهرها توقيعاً بأحمر الشفاه على شكل شفاة تتصنع القبلة. حضرت كذلك نبذة من زمن أشرطة الكاسيت، التى حملت آهات وحكايات العشاق في الغربة والسفر، تقاطعها مختارات من الأغانى العاطفية. كل هذا انقضى الآن، ولم يعد إلا الموبايل والكاميرا والشاشة التى تعمل باللمس.

أن تجلس لتكتب الخطاب الغرامي الأول. هو اعتراف ضمني تام  بالحب أو الانجذاب. الأمر يختلف تماماً عن إضافة الشخصية التى أنت معجب بها على الفيسبوك أو كتابة رسالة لها في تويتر. الخطابات العاطفية لا مكان لها في الشبكات الاجتماعية، بل تصبح نوعاً من “الحك” وأحياناً قد تجدها منشورة علناً بصفتها تحرش.

في مراهقتي استغليت مهاراتي الكتابية أنا وصديق لي في كتابة الخطابات العاطفية للعشاق الشباب. كنا نملي الخطابات على العاشق الذي لا تسعفه قدراته الكتابية، في حين كنت أنا وصديقي وقتها بلا حبيبة. الخطاب مقابل نصف جنيه. وفي بلد وزمن يصعب لقاء الذكور بالإناث فيه، كانت الرسائل هى الوسيلة الوحيدة التى يعبّر من خلالها الشاب بإعجابه بالفتاة، نتحدث هنا للدقة عن مرحلة الدراسة الثانوية. بعد انتهاء الدرس الخاص. المساحة الوحيدة التى يتقابل فيها الجنسيين، يسلّم الشاب الخطاب العاطفي في خجل وينصرف. يظل في انتظار موعد “الحصّة” التالية من الدرس للقاء المحبوبة وانتظار ردها، ليبدأ بعد ذلك فصل من قصة حب أو ينتهى كل شئ بلا رد من الفتاة أو تسلّمه رسالته دون تعليق.

لكني أقول أن نهاية العالم ربما لن تكون بصوت “بووم” بل تحت ضغط المحن والحنين إلى الماضي سنأكل حاضرنا ومستقبلنا باحثين عن صورة متخيلة للسعادة في الماضي. عبرت البشرية من زمان الخطابات الورقية إلي زمن أجهزة الهاتف الذكية بسلاسة وانسجام، ومثلما للماضي جماله الثقيل والكثيف فللحاضر انتصاراته الصغيرة.

منحتنا الهواتف الذكية والتواصل من خلال الانترنت ما هو أبعد من الكتابة، وأكثر إثارة من الخيال. أولاً لم تعد الرومانسية في التعبير عن المشاعر يمكن حشوها داخل الرسائل السرية، بل جزءاً من الخطاب العام يختلط معاها الروشنة وال “cool” والصور العارية بالأبيض والأسود التى يراها البعض ايروتيكيا.

بسبب التواصل السريع، لم يعد هناك وقت لكتابات خطابات طويلة، في زمن مراهقتي، كان متوسط الخطاب العاطفي صفحتين على الأقل من وسط الكراسة. الآن فأطول خطاب عاطفي هو ثلاثة أسطر في رسالة نصية على الواتساب. أصبح التواصل السريع ومدى تسلية المحادثة هو عنصر الجاذبية الأول. كانت الخطابات تكتب لكى تعيش، ويعود العاشق إليها بتوالي الأيام.

 

كأن تاريخك العاطفي كنسمة عابرة لا يمكنك التوهم والاحتفاظ بأثر من رائحتها.

فقدنا هذا الجهد الكامن خلف ساعات التركيز والتفكير في المشاعر واستحضار المحبوب وجسده، وتفاصيل حواسه، وأعضائه في الرسائل العاطفية، لكن كسبنا هذه النيران، والقدرة على تقطيع جسد المحبوب واستحضاره وتعبئته وارساله في الصور والفيديو. لم تكن الخطابات العاطفية الورقية بكافية لاستمرار أى علاقة لفترة طويلة بل هى عتبة على سلم نحو اللقاء.

 

أما الآن فأعرف علاقات كاملة قامت واستمرت وانتهت وأحياناً لا تزال مستمرة اعتماداً على الانترنت والرسائل النصية والصور والفيديوهات.

 

منحتنا التكنولوجيا القدرة على تجاوز حاجز المسافات، وتخليد ذكريات لم يكن بالامكان تخليدها حتى عند اللقاء. الكثير من الأزواج الآن يصورون أجسادهم عاريه منفردة أو في أحضان بعضهم البعض، أو يسجلون أروع اللحظات التى تمر عليهم. أصبح لدينا سجل دقيق لتطورات العلاقة ولحظاتها.

 

في أغنية “ألف ليلة وليلة” لأم كلثوم، وبينما الست تتدلل وتتغنّج مستمتعة بليلة حب حلوة، فهي تتمنى أن تستمر الليلة للأبد وألا تأتي الشمس قبل سنة. ليس بإمكاننا إجبار الشمس على طاعتنا أو طاعة الست. لكن يمكن تسجيل تلك الليلة والعيش الأبدي على مشاهدتها سنة بعد سنة، كتذكار يجدد الحب والعلاقات بين الطرفين.

لكن حتى هذا العالم الجميل البديع الذي منحته لنا التكنولوجيا، يهدده اليوم أشخاص مثل مذيعي التلفزيون المصري الذين أصبحوا يشغلون في طواقم عملهم “هاكرز” لاختراق حسابات المواطنين وأجهزتهم، واقتحام هذه الجنة الخاصة على الموبايل لفضحها، كأنهم الثعابين الى تتسلى بكشف سوءات الناس وطردهم من الجنة. حتى نصل للحظة حينما نلتقي يا حبيبتى نخاف من تصوير قبلتنا.

بينما كان صندوق خشبي معطّر في قاع دولاب الملابس كفيلاً بحفظ الأسرار والخطابات حتى تكون صالحة للحظة في السبعين تتأمل فيه خطاباتك العاطفية في السابعة عشر. الآن لا نملك ضماناً لأن تعيش كل هذه الصور والأحاديث المحفوظة على هيئة “ميجابايت”، بل ولا وجود مادي لها، كأن تاريخك العاطفي كنسمة عابرة لا يمكنك التوهم والاحتفاظ بأثر من رائحتها.

ملاحظة: الآراء الواردة في المدونات تعبّر عن رأي كُتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.

 

Image removed.
كتب: أحمد ناجي

 

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (4)

  1. في حاجة كمان خسرناها باستعمال
    في حاجة كمان خسرناها باستعمال التكنولوجيا. خسرنا الأثر. الأثر اللي ممكم استعماله لربط النجم او الإيقاع بالحب. الأثر اللي كان بيكون خصلة شعر او رسالة بخط الايد. او منديل من ريحة جسد المحبوب….

  2. هي فعلا ايام زمان كانت لها
    هي فعلا ايام زمان كانت لها طعم اخر والان تبدلت الاوضاع وتبدل المفهوم العام وهي الشبكه الحديثه التى غزت العالم
    حي الروضه

  3. انا فتاه احب الحب و صوت…
    انا فتاه احب الحب و صوت الرجل يثير غريزتي الجنسيه ماذا افعل علما انني غير متزوجه وانا الان اكتب هذه السطور وانا مثاره جنسيا ؟

  4. مرحباً، 

     

    الشعور بالإثارة…

    مرحباً، 

     

    الشعور بالإثارة الجنسية أو الإنجذاب الجنسي نحو أحد الأشخاص هو أمر طبيعي. الممارسة الجنسية سواء مع شريك/ة أو مع الذات (من خلال الاستمناء/العادة السرية أو إمتاع الذات) هي طريقة لتلبية هذا الشعور بالإثارة والحصول على المتعة الجنسية. ويعود القرار بممارسة الجنس لكِ وحدك. 

    للمزيد عن ممارسة الجنس لأول مرة: 
    https://lmarabic.com/making-love/sex-first-time

    ولـ 15 طريقة لإمتاع الذات: 
    https://lmarabic.com/our-bodies/creative-masturbation-women-men

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات