التثقيف الجنسي

عقبات تحول بينك وبين تثقيف أبنائك جنسياً

حتى لو تأخر الوقت على فتح الحديث مع أطفالك عن التربية الجنسية، يمكن ببعض المجهود تعويض ذلك والبدء في تثقيفهم.

مع اقتراب الأبناء من مرحلة المراهقة، يتصاعد قلق العديد من الآباء والأمهات حول ما تحمله هذه المرحلة من مفاجآت تتعلق بالتغيرات التي تطرأ على أجسادهم وفورة مشاعرهم ورغباتهم في الانخراط في علاقات عاطفية.

هنا، يبدأ الأب والأم في التساؤل هل ابني أو ابنتي مستعد/ة للدخول في علاقات صحية بعد تخطيه/ا لمرحلة الطفولة؟

ماذا يعرف عن جسده/ا؟ وما الذي يحتاج لمعرفته حول العلاقات العاطفية والجنسية؟

وفي بعض الأحيان، تكون هذه المخاوف مدفوعة بالقلق من تزايد جرائم العنف الجنسي، ومن ضمنها الاعتداء الجنسي على الأطفال والقصر، والابتزاز بالمحتوى الجنسي وغيرها، فيشعر الآباء والأمهات بالخوف إزاء جاهزية الأبناء لحماية أنفسهم من هذه المخاطر وغيرها.

كل الأسئلة السابقة تجعلنا نشعر أن التربية الجنسية ضرورة، وعلينا أن نبدأ فوراً مع أبنائنا رحلة التثقيف الجنسي إذا لم نكن قد بدأناها بعد.

من المفترض أن تبدأ رحلة التثقيف الجنسي للأبناء مبكراً جداً، ربما منذ الولادة، وتستمر حتى نهاية مرحلة المراهقة، وهي تدور، بشكل مبسط، حول تكوين وعيهم تجاه أجسادهم والقرارات التي قد يحتاجون لاتخاذها بشأنها وبشأن علاقاتهم بالآخرين، وكيف يرسون حدوداً شخصية صحية وآمنة لأنفسهم، بشكل يتلاءم مع أعمارهم.

في حقيقة الأمر، هي ليست مهمة يسيرة على العديد من الآباء والأمهات في المجتمعات العربية، في ظل ثقافة ما تزال تضع الحديث عن الجسد والجنس في خانة “العيب”، وكثيراً ما تغيب فيها لغة الحوار بين الوالدين والأبناء نتيجة لمفاهيم مغلوطة حول التربية، والتركيز بشكل أكبر على “رعاية” الأطفال والاستجابة لاحتياجاتهم المادية، مثل توفير الطعام والشراب ووسائل ترفيهية وتسديد مصروفات التعليم وغيرها، على حساب الاهتمام ببناء علاقة شخصية معهم وبناء وعيهم وثقافتهم حول مختلف الأمور.

يحدث هذا الخطأ التربوي، غالباً، دون أن ينتبه الآباء والأمهات له منذ البداية. وبمرور الوقت تصبح مهمة بدء الحوار مع الأبناء أصعب، خاصةً فيما يتعلق بموضوع مغلف بغلاف “العيب” مثل الجسد والجنس.

لذا، إذا كنت تعاني/ن من عدم وجود “لغة حوار” بوجه عام بينك وبين أبنائك، اعرف/ي أن هذه هي العقبة الرئيسية التي يجب التغلب عليها لأنها تحول دون أي تواصل إيجابي بينكما.

والخطوة الأولى لتجاوز هذه العقبة هي تحديد سبب “غياب لغة الحوار”. هل حدث ذلك مثلاً بسبب انشغالك، رغماً عنك، بالعمل؟ أم أنكم لم تعتادوا قضاء وقت أسري بشكل منتظم؟ هل هناك أسباب أخرى أكثر عمقاً؟ هل يحتاج الأبناء إلى مساحة أكبر من الحرية والأمان للتعبير عن أنفسهم والإفصاح عما يقلقهم لك دون خوف؟

مساحة أمان

بعد تحديد المشكلة، يمكنك الانتقال إلى الخطوة التالية وهي الاعتراف بالمشكلة ومحاولة بناء ثقة بينكم.

اعترف/ي لهم بخطئك وصارحهم بأنك ترغب/ين في بدء صفحة جديدة معهم، تتقربون فيها أكثر إلى بعضكم كأصدقاء. خصص/ي المزيد من الوقت لقضاء وقت حميمي تخبرهم فيه عن يومك والأمور التي تشغل بالك، بما يتناسب مع عمرهم واسألهم عن أهم الأمور التي تشغلهم حالياً ويرغبون في مشاركتها.

لا تلح/ي كثيراً ودع/ي الوقت يفسح المجال لمزيد من الارتياح والثقة بينكم. كذلك، انتبه/ي جيداً لردود أفعالك تجاه ما يشاركونه معك. لا تثور/ي أو تلقي اللوم عليهم مهما كان الأمر. عوضاً عن ذلك، ركز/ي على الحلول الإيجابية وما يمكن تحسينه في المستقبل، حتى لا تخسر/ي ثقتهم وتفقد/ين التواصل معهم مرة أخرى.

تخطي الحواجز

إذا كنا قد تجاوزنا مشكلة “غياب لغة الحوار في العموم”، علينا الآن أن ننتقل إلى الحواجز التي تحول بيننا وبين التربية الجنسية على وجه الخصوص، ويمكن أن نوجزها كالآتي:

1. الخجل من “العيب”

أو الخجل من الحديث عن الجنس بوجه عام كجزء من الثقافة المجتمعية. تنطلق هذه العقبة أيضاً من المعلومات والخبرات المتراكمة والأفكار الراسخة لدى البالغين عن الجنس، والتي تجعل الأمر يبدو من المستحيل الحديث عنه مع الأطفال.

الحل:

ما دمت قد توصلت إلى قرار اتخاذ خطوات إيجابية نحو التثقيف الجنسي، فأنت بالفعل تؤمن/ين أن الحديث عن الجنس ليس عيباً، ولكنك، فقط، ما زلت لا تستطيع/ين التغلب على خجلك.

قد يساعدك تذكر الأمور التالية:

  • التثقيف الجنسي عملية تعليمية علمية ضرورية لسلامة أبنائك وتنشئتهم بصورة صحية، ولا حياء في العلم.
  • الأطفال ليست لديهم الخبرات التي تجعلك أنت تشعر/ين بالخجل من الحديث عن الجنس. لذا إذا قمت بالتركيز على المعلومات العلمية حول الجسد والجنس والتناسل لن يكون الأمر محرجاً لك أو لهم.

كذلك، يزيد الخجل عندما لا تكون/ين مستعداً/ةً للإجابة على أسئلة الطفل/ة المفاجئة. لذا، قد تعطيك المبادرة ميزة إضافية.

تعرف/ي على الأسئلة التي عادةً ما يطرحها الأطفال في عمر ابنك/ابنتك وأفضل الطرق للتعامل معها وابدأ/ي أنت الحوار معه/ا وأنت على استعداد لذلك.

للإطلاع على المزيد: كيف نتعامل مع أسئلة أطفالنا المحرجة عن الجنس؟

التغلب على الخجل

لا ينفي ذلك أهمية الإجابة عن أسئلة الطفل/ة متى طُرحت. إن لم تكن/تكوني مستعداً، يمكنك أن تقول/ي له/ا: “أنا مبسوط إنك بتفكر/ي في حاجات مختلفة وإنك بتسألني عن الموضوع ده وأنا مهتم/ة إننا نتكلم فيه سوا عشان أرد على سؤالك وأقولك حاجات أكتر عنه.. إيه رأيك نخصص وقت بكرة للموضوع ده؟”

يساعدك ذلك على الاستفادة ببعض الوقت للتغلب على خجلك والاستعداد للإجابة، ولكن احرص/ي على الالتزام بالموعد المحدد وخذ/ي المبادرة حتى وإن لم يعاود الطفل/ة سؤاله/ا.

الأطفال أذكياء، لذا ربما يلاحظ ابنك/ابنتك شعورك بالخجل من سؤاله/ا. إذا حدث ذلك، كن/كوني على طبيعتك ولا تنكر/ي الأمر.

يمكنك أن تشرح/ي لهم أن هذا الخجل نابع من معتقدات خاطئة نشأ الكثير من الناس في جيلك عليها، وأنهم كانوا يعتقدون أن الحديث في هذا الموضوع “عيب”، ولكننا نعرف الآن أنه لا عيب في هذا الموضوع، وشجع/ي الطفل/ة على طرح أي أسئلة حوله.

2. “الولاد لسه صغيرين.. وهنفتح عينيهم بدري ع الحاجات دي”!

وهو اعتقاد خاطئ تماماً، فالتربية الجنسية تبدأ منذ الولادة وتتدرج وفقاً للمرحلة العمرية بشكل ملائم لها.

الحل:

ابدأ/ي اليوم ولا تضيع/ي المزيد من الوقت.

تعرف/ي على المعلومات الملائمة لكل عمر والاستراتيجيات المختلفة لبدء الحوار مع أبنائك حول الجسد والجنس، من خلال المصادر العلمية الموثوقة المتاحة على الإنترنت.

للإطلاع على المزيد: لأن المعرفة حماية.. كيف نتحدث مع أطفالنا عن الجنس؟

3. عدم الثقة في المعرفة الجنسية الشخصية

قد نشعر أننا غير مؤهلين للقيام بهذا الدور نتيجة لضعف ثقافتنا الجنسية.

ربما يكون هذا الاعتقاد صحيحاً، ولكنه قد يكون نابعاً أيضاً من خوفك من نقل معلومات خاطئة فقط.

الحل:

البدء بمراجعة معلوماتك الجنسية من مصادر علمية موثوقة وبناء معرفتك الخاصة، ثم محاولة تبسيط المعلومات حول الجنس والجسد والعلاقات لتلائم كل مرحلة عمرية.

عند ذلك، يمكنك اختبار جاهزيتك بتجربة سيناريو الحوار مع الشريك/ة أو أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، مع التفكير معهم في الإجابات المناسبة.

كذلك، من المفيد أن تُذكِّر/ي نفسك وأبنائك دوماً أن لا أحد يعرف كل شيء عن كل الأمور، وأنه لا عيب في ذلك، وأنكم يمكنكم تنمية معرفتكم معاً.

لذا لا تتوتر/ي إذا طرح أحد الأبناء سؤالاً محرجاً أو غير متوقع لست على استعداد للإجابة عنه.

قل/قولي بوضوح إنه سؤال ذكي وأنك تحتاج/ين لبعض الوقت للبحث عن إجابة عنه. مهم جداً ألا تنسى/ي الرجوع إليه/ا لاحقاً لبناء ثقته/ا بك كمصدر للمعلومات.

البحث معاً عن المعلومات

عيال اليومين دول عارفين كل حاجة لوحدهم!”

هذه إحدى الخرافات العابرة للعصور والأزمان! ولكن نتفهم أنها تختلط كثيراً مع واقع الحياة اليوم، مع وجود مصادر لا حصر لها للمعلومات يمكن لأي طفل أو بالغ الوصول لها بسهولة عبر الإنترنت، فضلاً عن المصادر الأخرى الخارجية مثل الأصدقاء والإعلام المرئي وغيرها.

إذا افترضنا صحة الاعتقاد بأن “عيال اليومين دول يمكن أن يعرفوا كل شيء بمفردهم” فليس من الضروري أنهم سوف يحصلون على المعلومات الصحيحة.

عندما تعتمد/ين على الطفل لتثقيف نفسه جنسياً مع الوقت، فأنت تفسح/ين بذلك المجال لكل ما يمكن أن يؤثر سلباً على معتقداته حول الجنس والجسد والعلاقات الصحية مثل الأفلام الجنسية التي في أحيان كثيرة تكون غير واقعية، وضغط الأقران، ومعلوماتهم الخاطئة.

الحل:

لا تفترضوا أن الأبناء يعرفون المعلومات الصحيحة، ولا تتخلوا عن دوركم التربوي في التثقيف الجنسي.

اتخذوا زمام المبادرة واسألوهم عما يعرفونه عن بعض الموضوعات مازحين، وربما تشاركونهم ما كنتم تعرفونه عندما كنتم في مثل أعمارهم، وكيف اكتشفتم بمرور الوقت أن بعض هذه المعلومات ليست صحيحة.

ربما لا يشعر الأبناء بالارتياح في البداية لمشاركة ما يعرفونه بالفعل أو يدعون عدم المعرفة. حينئذ، يمكنك الاستعانة ببعض الاستراتيجيات الفعالة لكسر الجليد وتطبيع الحديث عن الجسد والعلاقات فيما بينكم:

  1. اتخذ/ي من المسلسلات والأفلام والكتب فرصة لفتح موضوعات تتعلق بالعلاقات العاطفية والممارسات الجنسية. لكي يحدث ذلك، ينبغي أن تكون/ي معتاداً/ةً على قضاء وقت أسري معهم تتشاركون فيه الاهتمامات المشتركة. إن لم تكون/ي معتاداً/ةً على ذلك، فقد حان الوقت للبدء في خلق هذه العادة.
  2. تابع/ي دروس العلوم التي تتطرق لموضوع الجسد في المناهج الدراسية وساعدهم على الاستعداد لها، فهذه فرصتك لتكون المصدر الموثوق والأول للمعلومات. أيضاً، يتيح لك ذلك الفرصة لإضافة الأبعاد الإنسانية والحقوقية الخاصة بالممارسات الصحية وملكية الجسد وكيفية اتخاذ قرارات واعية بشأنه.
  3. زودهم أو زوديهم بمصادر معلومات لبناء ثقافتهم الجنسية من منظور علمي وحقوقي بما يتلاءم مع أعمارهم، فأنت بذلك تشارك/ين في بناء ثقافتهم دون فرض وجهات نظرك الشخصية وتساعدهم على الاعتماد على المصادر العلمية بدلاً من نصائح الأصدقاء. كذلك، يساعد ذلك على بناء ثقتهم في كونك تدعم/ين تثقيفهم جنسياً ومستعد/ة لمساعدتهم على ذلك.

أخيراً، من المهم أن تتذكر/ي أن عملية التثقيف الجنسي للأبناء رحلة مستمرة ولا تجري دفعة واحدة أو من خلال حديث واحد، ولكنها تستمر على مدار سنوات، وتحتاج منك إلى جهد حقيقي لتنمية معلوماتك الجنسية وتكوين معرفة بالاستراتيجيات الناجحة للإجابة عن كافة أسئلة الأطفال والمراهقين/ا فيما يتعلق بأجسادهم وعلاقاتهم.

كذلك، يحتاج الأمر إلى بناء جسر قوي من الثقة بينك وبين أبنائك.

تقديم المعلومات العلمية الصحيحة، وعدم إلقاء اللوم، والتقبل هم الأسس الثلاثة لهذا الجسر.

تاريخ آخر تحديث: 29 يوليو 2024.

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات