حكاية أمي: من العنف إلى سرطان الثدي
“كانت صابرة على صعوبة العيش ومزاجية أبي، وكنتُ ونيسها الوحيد. تتعلم الحياة من خلالي…”
هذه شهادة الشاب المصري أحمد (اسم مستعار) عن قصة والدته
“أمي تنتمي لأسرة بسيطة الحال من إحدى أفقر قرى الصعيد. تمت خطبتها في السادسة عشر من عمرها، ثم انتقلت للعاصمة بعد الزواج لتبدأ معاناتها..”
يضيف أحمد:
“اعلم أنني أتحدث عن والدي ووالدتي وأنا أحب والدي. فهو أبي في نهاية الأمر، لكني رأيت كيف ظُلمت امي، ولذا أنا أروي ما عايشته معها كأبن وكإنسان وليس كرجل “
مرحلة الصدمة
من أول أسبوع في الزواج لاحظت أمي ان أبي شديد السلبية يتحكم فيه اخواته الأكبر منه بشكل كامل، ولذا ليس لديه مال اغلب الوقت. أخبرها ببرود أن هذا هو وضعه وعليها التأقلم. كانت الصدمة حين اكتشفت أنه رجل مزاجي “صاحب كييف”.
لم يكن مدمناً ولكن كانت “قعدة الخميس” مع أصدقائه طقساً مقدساً بالنسبة له. يدعو شلته للمنزل لمشاهدة أفلام فيديو وشرب الحشيش، بينما تجلس زوجته الفتاة الصغيرة في غرفتها وحيدة
حملت امي بي في اول سنة من زواجها. كانت تخبرني عن انتظارها للحظة التي اصل فيها الى الحياة وأكبر حتي يصبح لها ونيس وزاد الأمر صعوبة موت والدها ، كانت أمي صابرة على صعوبة العيش ومزاجية أبي، وكنتُ ونيسها الوحيد. تتعلم الحياة من خلالي. أذكر عندما اهداني أبي جهاز “اتاري” كانت تطلب مني أن أعلّمها حتي نلعب سوياً.
بعد انجابها لأختي وتتابع الولادات، كانت قد مرّت 10 سنوات والوضع لا يتغير. فى إحدي زيارات جدتي عندما لاحظت سوء حالتها طلبت منها أن تخبرها بالحقيقة ..
محاولة الخروج
يضيف أحمد “تخيلي ان والدتي كانت صامتة تماماً كل هذا الوقت. لم تخبر أحد أبداً، بما يحدث ولكن سلبية والدي دفعت أمي لحكي كل شيء لأمها التي لامتها بشدة ونصحتها أن تستخدم كل حيل الأنثى لحماية نفسها وأولاده.
بعد هذه الزيارة تغيرت والدتي تماماً. كانت تطالب أبي بمسئولياته نحونا وتواجه بشراسة تصل الى حد الصراخ فى وجهه. لأول مرة أسمع صوت أمي أعلى بكثير من صوت ابي.
الجنس كسلاح
بدأت تستخدم الجنس كسلاح، اصبحت تتظاهر بعدم تحمل مسئولية اي شيء في المنزل حتي تجبره على التحرك ومواجهة اخوته او العمل “المهم البيت يكون فيه فلوس تسترنا”.
قررت الذهاب لفصول محو الأمية وحصلت علي الشهادة الإعدادية، وأهتمت بتعليم أختي في افضل المدارس. فوالدي ينتمي لأسرة ثرية ولكنه ترك حقه لإخوته اواهدره في تجارة خاسرة بسبب مزاجه.
تعلمت أمي أن توفر النقود بشتى الطرق، لدرجة أننا كنا نضحك قائلين: “ماما انتي بقيتي الحاج عبدالغفور البرعي” لأنها كانت تقوم بجمع الربع جنيه المثقوب وتجميعهم ثم تجميدهم عند وصولهم لخمسة جنيهات.
بدأت تفرض إجراءات تقشف حازمة. كانت توفر فى البيت عيش وبيض تشتريهم بالجملة وتخبرنا عند الجوع “اي أكل ها يشبعك” لتضغط علي أبي ليتحمل المسئولية وتقوم بتوفير نقود على قدر استطاعتها. بالفعل خلال 10 سنوات كان الوضع في تحسن فتوفر لديها مبلغ يكفي لشراء قطعة ارض في قريتها
“كان بإمكانها ان تندب حظها ولكنها قررت الاستمرار”
كانت أمي شابة في الثامنة والثلاثين واستطاع ابي ان يجد عملاً فى مدينة بعيدة عن مدينتنا ويعود للمنزل كل عطلة أسبوع،. أذكر جيداً كيف كانت أمي تنتظره ليلة الخميس وهي متزينة مثل العروس بينما أبي يأتي من المدينة البعيدة
مواساة
أمي علمتني ان التحمل والاستمرار قرار وليس خيار. كان بإمكانها ان تندب حظها ولكنها قررت الاستمرار.. عندما وصلت لسن المراهقة كانت المشاكل بيني وبين أبي قد بدأت بالتفاقم.
عندما طردني ابي من المنزل بعد شجار كبي وجدتها فجر تاني يوم تنتظرني عند باب منزل صديقي لتربت علي كتفي وتراضيني وتعود بي للمنزل. كانت تحتاج لمن يواسيها ولكن كانت تواسينا جميعاً في تلك الفترةليذهب لمقابلة “شلة المزاج” ولا يعود الا صباح الجمعة وكيف كانت أمي تنام مكسورة الخاطر.
عندما وصلت أمي لعمر السادسة والأربعين في يونيو 2015 حدث انقطاع الدورة الشهرية. ذهبت لدكتورة امراض النساء لإجراء كشف.
بعد انتهاء الكشف طلبت من الدكتورة ان تفحص ثديها لأن شكلهم اصبح غريباً، وكأنه انثنى إلى الداخل.
بمجرد ما رأت الدكتورة شكل ثديها سألتها منذ متى حدث هذا التغيير لتخبرها أمي انه بدأ من 2013 ولكنها ظنت ان ذلك بسبب شغل البيت والشقا على حد تعبيرها. طالبتها الدكتورة بالذهاب بأسرع ما يمكن لدكتور أورام الذي طالبنا بمجموعة اشعة وفحوصات والعودة اليه بسرعة.
ذهبت انا وامي الى الطبيب وبمجرد رؤيته لصور الأشعة ونتائج الفحوصات تغيرت ملامح وجهه وسألها: “هل لديك إمكانيات مادية؟” سألته حميد يا دكتور؟ لم ينظر إليّ، واكتفى بالصمت ولكني كنت مذهولاً. فكررت السؤال عليه : “حميد؟!” حينها نظر إليّ قائلاً: انت مش محتاج تسمع مني!
التحدي من جديد
تلقت امي الخبر بصمت وثبات وبمجرد خروجنا من العيادة بدأت بحمد الله قائلة : “ربنا اعطاني كل شيء تمنيته اولاد طيبين، أرض ملكي… أنا راضية بقضاء الله و سأبدأ بالعلاج حتي أُشفى من أجل أولادي
بدأت بالفعل بالعلاج الكيماوي و كانت تعود منه منهكة ومستنزفة القوة تماماً و”متوهه عن الدنيا” لأيام. عندما تبدأ في استعادة عافيتها يكون قد حان موعد الجلسة التالية. استمر هذا الوضع 6 أشهر انتهي بحجزها بالمشفى في الشهر الأخير
لترحل أمي عن الحياة وهي راضية بقضاء الله
.
رحيل أمي كان صدمة رهيبة، جعلني غاضباً. لو كانت امي على قدر اكبر من الوعي بصحتها لقامت بالكشف المبكر عن المرض وانقذت حياتها وحياتنا.
أناغاضب احياناً على ابي. فليس من حق أحد توقيع ظلم على شخص آخر لمجرد انه رجل وهي امرأة
الجنس ليس الفراش ولكن هو الحنان والكلمة الطيبة والمشاركة والشعور بالأمان.
هي لماذا تصبر على كل هذا الظلم؟
تعلمت من قصة أمي ان المرأة مظلومة وقوية بنفس مقدار الظلم الواقع عليها،.أمي ظُلمت من الفقر والجهل والزواج صغيرة ثم حياة غير آمنة مع زوج سلبي صاحب كيف. أمي عاشت حياة صعبة مع والدي فى العموم وحياة جنسية سيئة وعلىَ أن اعترف بذلك.
لذا حرصت هي ان تعلمني ان الجنس ليس الفراش ولكن هو الحنان والكلمة الطيبة والمشاركة والشعور بالأمان. أمي لم تكن تعلم بوجود هذا المرض الذي كان يأكل في جسدها عامين قبل رحيلها نتيجة لانعدام التوعية وعدم معرفتها كيف تكتشفه واعتقادها ان تغير شكل ثديها هو “عضل” ناتج من المجهود البدني.
كنا امام خيارين طبيين كان أفضلهم ترك أمي بدون علاج كيماوي لتعيش ايامها الاخيرة لأن المرض كان في مرحلته النهائية.
عندما بدأتُ بترتيب اشياء امي وجدت في كل اركان المنزل مخابئ سرية وضعت بها نقود في شربات قديمة وسجلت الارض بإسمي واسم اخوتي، واكتشفت حساباً في البوسطة من أجلنا لخوفها علينا.
لقد ودّعت أمي الحياة وقد أدت .رسالتها نحونا. فجميعنا فى مدارس جيدة وعلي أمل اللقاء فى حياة أفضل، ولكني أروي قصتها حتي لا يتكرر ما حدث معها في كل حياتها مع امرأة أخرى.
محزنه و مست قلبى لان
محزنه و مست قلبى لان الاستمرار قرار و ليس اختيار