الكنز في الرحلة: التوقعات والتجربة الجنسية الأولى

كعادة أي إنسان متحمس لفعل شئ ما، فإنه يبدأ بتصور خيالات عن هذا الشئ ونسج سلسلة من التوقعات التي إن تحققت سيكون هذا الشيء مثاليًا بالنسبة له/ا. و لا يسعنا الحديث عن الخيالات والتوقعات دون أن نضع التجارب الجنسية وبالأخص الأولى منها في أول القائمة.

هل سألت/ي نفسك من قبل ما هي التوقعات بصفة عامة و ما هي أهميتها؟ 

بعض الناس يرون أن التوقعات هي انعكاس لرغبات وآمال الأشخاص بالأساس، ولكن في الحقيقة هي افتراضات عن المستقبل؛ التي لا تخلو بالطبع من الرغبات الشخصية ولكنها لا تقتصر عليها فقط.

بحسب تعريف علم النفس لتوقعات كل إنسان فهي مزيج من الرغبات، والمعرفة، والحقائق، والخبرات الشخصية، وفي كثير من الأحيان لا تخلو التوقعات من عصارة خبرات الآخرين ممن حولنا و داخل مجتمعاتنا.

وبناءًا على ذلك فإن أهمية التوقعات تكمن في إعدادنا النفسي للتصرف والتعامل واتخاذ القرارات في حال حدوث الشيء الذي نتوقعه أو في حال عدم حدوثه في المستقبل.

وفي الكثير من خبراتنا قد يصحب التوقعات سمعة سيئة ومشاعر اسوأ مثل الخذلان والحزن والإحساس بالفشل. لذلك، دعونا نحلل معًا التجربة الجنسية الأولى لأي شخص في سياق توقعاته/ا.

ولكن -على غير العادة- لن نقول “Expectations Vs. Reality” أو التوقعات في مقابل الواقع، لما يحمله هذا التعبير من أفكار توحي بتضاد التوقعات والواقع بالضرورة، بينما أدعوكم/ن لقول “Some Expectations Vs. Other Expectations” أو بعض التوقعات في مقابل توقعات أخرى، لأن هناك بعض التوقعات التي بإمكانها إحباطنا وهناك توقعات أخرى قد تتحقق وتصبح واقعًا لما فيها من مرونة واتساق عالي مع الواقع منذ البداية.

من أين تأتي توقعاتنا عن التجربة الجنسية الأولى؟

تتشكل صورنا الخيالية ومن ثم توقعاتنا عن الجنس لأول مرة ربما عن طريق فيلم شاهدناه في فترة المراهقة، أو الفكاهة وما يردده المجتمع من نكات حول أشياء مثل حجم القضيب وطوله التي قد يكون لها سهم كبير وسط أسهم المعرفة الناشب عنها تلك التوقعات.

أيضًا قد تساهم رواية أحد الأصدقاء لقصة علاقته/ا الجنسية الأولى أو الأخيرة في تشكيل تصوراتنا وتوقعاتنا عن الجنس، و ربما أيضًا عن طريق ملاحظاتنا وسماعنا لما يمر به الأقارب والأصدقاء من مشاكل في علاقاتهم/ن الحميمية.

ولكن في الكثير من الأحيان قد لا نلتفت لحقيقة أنه قلما يحكي الناس عن أجمل لحظات حياتهم/ن، مثلما قد يميلوا لمشاركة أسوأها وأحلكها بالنسبة لهم/ن. أو قد يشارك البعض لحظات بعينها بشكل استعراضي قد لا يتسق مع الواقع أو حقيقة ما يحدث بالفعل في تجاربهم/ن الجنسية.

ففي عالمنا ينتظر الكثير من الناس تجربتهم/ن الجنسية الأولى انتظار لا يضاهيه انتظار أي شيء آخر. وعادةً ما يصاحب هذا الترقب والانتظار خلق الكثير من السيناريوهات المسبقة عن شكل العلاقة الجنسية المثالية.

فعلى سبيل المثال؛ قد ينتظر البعض أن يكون شركاؤهم/ن على دراية بما يسعدهم/ن ويمتعهم/ن دون الحاجة للتواصل والتحدث والاستكشاف. وعلى صعيد آخر، يتوقع الكثيرون أن تكون أجساد شركائهم وشريكاتهم “مثالية”، وأن يستمتعوا بأي ممارسة جنسية بشكل تلقائي دون أن يشوبها أي ألم أو قلق أو خوف.

ولكن ثمة مشكلة تكمن في هذه التوقعات..

تكمن مشكلة توقعاتنا في أكثر من شئ؛ من ضمنهم هو مدى استعدادنا لخوض التجربة الجنسية الأولى مع خوفنا المسبق من الصور النمطية التي قد تشكل توقعات شركائنا، بينما لا تتسق هذه الصور النمطية مع ما نحن عليه أو مع واقع تجاربنا.

قد يتسبب ذلك في احباطنا من قبل خوض التجربة من الأصل، أو قد يدفعنا ذلك إلى الدخول في حالة من السباق مع الزمن والشخوص والمعايير حتى نصبح نسخ أخرى مشابهة لكل وأي شئ إلا أنفسنا.

وعلى الأغلب تضعنا هذه التصورات عن توقعات شركائنا في حالة من الخوف والقلق الشديدين، مما قد يؤثر على قدرتنا على الاستمتاع بالعلاقة ومن ثم يؤثر على تقييمنا للتجربة التي قد نراها كتجربة سيئة في المطلق.

رحلتنا من التوقعات لتجارب جنسية أولى غير مُرضِية

في دوامة من الأفكار والمشاعر التي قد تخطر على بال أي شخص في نهاية تجربته/ا الجنسية الأولى غير المُرضِية له/ا، نغفل العديد من الأسئلة التي كان من المهم أن نطرحها على أنفسنا مثل: 

  • هل كانت توقعاتنا قبل العلاقة انعكاس لرغباتنا الحقيقية؟ أم أنها انعكاس للصور الخيالية التي كونتها أذهاننا إثر سماع تجارب الآخرين من حولنا؟
  • هل كنّا على دراية برغباتنا في الأساس؟ أم أن رغباتنا تتضح شيئًا فشئ عن طريق خوض التجارب الجنسية الواحدة تلو الأخرى؟
  • هل رغباتنا ورغبات شركائنا ثابتة راكدة طوال الحياة؟ أم أنها متغير أساسي مثل جميع متغيرات الحياة من حولنا وفي داخلنا أيضًا؟
  • هل حرصنا على تحقيق متعتنا الشخصية ومتعة شركائنا أثناء خوض العلاقة؟ أم كانت اهتماماتنا الأولى هي تكرار تجارب الآخرين من حولنا وتجنب ما لم يعجبهم/ن ممارسته، بينما قد يمتعنا نحن مع شركائنا؟
  • هل شاركنا توقعاتنا ومخاوفنا مع شركائنا قبل التجربة الجنسية حتى يساعدونا على تحقيق ما نرغب فيه ونتجنب ما قد نتخوف منه؟

إذًا ما هي المعايير التي يمكننا استخدامها في تقييم تجاربنا؟

بالطبع تعرفون القول المأثور “الكنز في الرحلة”، وكما وضعنا التجارب الجنسية في أول قائمتنا عندما بادرنا بالحديث عن الخيالات و التوقعات، فلا يسعنا إلا أن نضعها للمرة الثانية على التوالي في أول القائمة عندما نتحدث عن “الرحلة”.

تخيلوا معي التجربة الجنسية الأولى وكأنها رحلة إلى مكان لم نذهب إليه من قبل، و لم يشاركنا معارفنا ممن ذهبوا إلى نفس المكان خريطة الطريق الأقصر والأسرع إليه، وإنما اختاروا أن يشاركونا المصاعب التي واجهوها في هذا الطريق الذي لا نعلمه.

ماذا نفعل في مثل هذا الموقف؟ سنحتاج بالتأكيد للبحث عن الطريق الأنسب لنا، والذي سيساعدنا على الوصول إلى وجهتنا. و حينئذ سنفاجأ بأنه هناك عدة طرق قد تساعدنا في الوصول إلى نفس الوجهة. وبطبيعة حال أي رحلة سنهتم باحتياجات شركائنا خلالها من أجل الاستمتاع معًا للحد الأقصى. 

لذلك قد تكون فكرة جيدة عندما نسألهم/ن عن هذه الاحتياجات والرغبات والتوقعات بشكل واضح قبل التجربة. وربما نحتاج أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة عن مدى ارتياحنا في أجسادنا، و مقدار استعدادنا الجسماني والنفسي والذهني لخوض هذه الرحلة من الأساس.

هل بالضرورة تضمن لنا هذه الأسئلة الوصول لوجهتنا بأسرع ما يمكن؟

الإجابة هي: بالتأكيد ستحسن من فرصة وصولكم/ن، ولكنها لا تضمن الوصول بشكل سريع و سلس، فقد تحتاجون بعض الوقت والمجهود المبذول في البحث والتواصل بين الأطراف المشاركة في الرحلة، وقد تصلون سريعًا بدون أي عناء أيضًا.

بالإضافة لذلك، من المهم إدراك أن التجربة الجنسية مثلها كمثل الرحلة في كل شئ حتى في طريقة تقييمها، فعادةً نسمع الناس تقول بعد العودة من أي رحلة “كانت الرحلة في المجمل جميلة، و لكن لم استمتع بالوقت الفلاني، على عكس الوقت العلاني فقد استمتعت به كثيرًا”.

وذلك على عكس ما قد نسمعه من الناس أثناء تقييم تجاربهم/ن الجنسية وبالأخص التجربة الأولى، فالناس قد يميلون للشعور بإحباط شديد إن لم يتسق واقع تجربتهم/ن الجنسية الأولى مع توقعاتهم/ن المسبقة.

لذلك يأتي هنا سؤال مهم:

هل كل ما سبق يعني أن التوقعات بالضرورة شئ سيء؟ و ما هو شكل التوقعات التي لن تخذلنا؟ 

التوقعات كما أوضحنا من قبل هي افتراضات عن المستقبل، يختلقها الإنسان من أجل الاستعداد للتصرف واتخاذ القرارات. لذا فهي شئ يكاد يكون ضروريًا في حياتنا، ولكن ما يجب أن ننتبه إليه هو شكل هذه التوقعات ومدى اتساقها مع الواقع.

فكلما كانت رغباتنا وآمالنا هي المكون الأساسي والأكبر لتوقعاتنا، وكلما كانت توقعاتنا تتسم بالمرونة في أخذ متغيرات الحياة المختلفة في عين الاعتبار، تصبح توقعاتنا بالتبعية أقرب للاتساق مع الواقع وتزيد احتمالية تحققها.

من أمثلة هذه المتغيرات هو فهمنا لرغباتنا ورغبات شركائنا الذي ينمو ويتعمق بالتجربة و التكرار، والعوامل الحياتية الكثيرة التي تلعب دورًا في تغير وتطور رغباتنا، وقدرتنا على تلبية توقعاتنا وتوقعات شركائنا أيضا التي تنضج بالتجربة و الفهم والتواصل، فبممارسة التواصل تتطور قدرتنا على التعبير عن ما نحتاجه ونرغب فيه.

و بناءًا على ذلك، فإن كل تجربة جنسية خاصة بزمانها، وسياقها، وشخوصها، ولا تصلح لأن تكون المرجع الوحيد لتوقع ما الذي سيحدث في تجاربنا الجنسية المستقبلية، حتى وإن كنا عامل مشترك بين كل تجاربنا، فالاحتياجات والرغبات الخاصة بكل شخص، وفهمه لها، تختلف باختلاف الزمان والظروف.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (2)

    1. مرحبًا حمزة،
      نتمنى أن تجد الشريكة التي تبحث عنها وتظن أنها تناسبك وتناسب تطلعاتك، ومن الجيّد أنك تهتم بالتعلّم عن الجسد والعلاقات الجنسية حتى لو تكن في علاقة حاليًا، فسيفيدك ذلك في المستقبل بالتأكيد.
      تمنياتي لك بكل السعادة

الحب ثقافة

‏الحب ثقافة منصة للنقاش البنّاء حول أمور الحب والعلاقات والجنس والزواج.