
“ما تطلعيش هرموناتك علينا”.. حجة المجتمع ضد المرأة
الهرمونات موجودة وتؤثر علينا جميعاً، رجالاً ونساءً، ولكنها تتحول إلى تهمة جاهزة للنساء حين يُعَبِّرن عن ضيقهن.
“شكلها عندها الدورة”، “ما تطلعيش هرموناتك عليا”، “الشغل كله ستات، غرقانين كلنا في الهرمونات”، “إنتي شكلك مجنونة ولا هرموناتك عِليِت عليكي”.
كم مرة سمعنا أو صادفنا هذه النوعية من الجمل التي تعزي شعور النساء بالضيق أو الألم أو الغضب إلى هرموناتهن، التي يقال إنها تدخلهن في حالة أشبه بالـ “هيستيريا”؟
الحقيقة أن هذه النظرة قديمة، وترجع إلى مئات السنين.
الهستيريا.. المرض النسائي
في الأصل، كلمة هستيريا كلمة يونانية تعني “الرحم”. وكان تشخيص الهستيريا يعني في الأصل ضيق التنفس، لكن بربطها بالرحم، أصبحت تشخيصاً يناسب النساء فقط. وفسَّرها الفلاسفة القدماء بأنها حالة من التصرفات غير الطبيعية لدى النساء سببها أنهن رفضن ممارسة الجنس، وأنه لا يمكن تخيل أن يصدر هذا الرفض من امرأة “طبيعية”.
ساد الاعتقاد أن الوسيلة الوحيدة للحفاظ على صحة الرحم من “الجنون” هو بقائه مشغولاً دائماً بجنين.
وفقاً لفلاسفة هذا العصر، الذين كانوا يختصون بالطب أيضاً، الرحم هو مصدر ضعف المرأة، وهو يؤثر على تصرفاتها بشكل عام، لذلك من الضروري السيطرة عليه، لأن التصرفات “غير الطبيعية” للمرأة قد تهدد بنية المجتمع.
عندما كانت تُشَخَّص النساء بالهستيريا، فهن أيضاً كن يُتهمن بارتكاب خطيئة عدم الإنجاب، إذ كان يُعتَقَد أن الجنس هو العلاج وأن السائل المنوي له قدرة على الشفاء. حتى أن الهستيريا كانت تُطلَق على النساء اللاتي يُعتَقَد أن روحاَ شريرة تلبستهن.
في الحقيقة، أول جهاز هزاز vibertor (لعبة جنسية) اختُرع كوسيلة لمساعدة النساء على تهدئة الهيستريا التي أصابتهن.
ولكن مع تطور العلم والطب، لم يعد هذا التشخيص موجوداً. ففي بدايات الخمسينيات، أثبت العلم عدم صحة هذه الأفكار، وأُزيلت الهستيريا من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الذي تصدره الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين.
نعم أُزيل التشخيص، ولكن المجتمع لم يتخلص من تصوره عن أن النساء أقل قدرة على التحكم بأجسادهن وعقولهن، واستعان هذه المرة بالاكتشاف الطبي الأحدث، وهو الهرمونات.
اختزال شكوى المرأة
دعونا نلقي نظرة على الواقع، تدخل المكتب صباحاً، تجد مديرتك غاضبة، تقول إنك لم تعد تهتم بالعمل وأن المشروع الأخير مليء بالأخطاء.

ما هي نسبة اقتناعك بأنك ارتكبت أخطاء حقاً؟ في مقابل الإجابة الأسهل وهي إلقاء اللوم على هرموناتها.
تعود إلى منزلك، لتجد زوجتك تفتح الباب، وتنظر إليك بإحباط، وتسألك إذا كنت قد أحضرت معك طلبات الشهر؟ تجيب نافياً، لتجد زوجتك تجهش في البكاء. تنظر إليها ولا تفهم لماذا تبكي بسبب طلبات الشهر.
ما هي نسبة اقتناعك بأن إحباطها وبكاءها نابعين من تكرار إهمالك لاحتياجات المنزل، وأنها تشعر بالضغط والوحدة لأنها تتحمل وحدها هذا العبء؟ مقابل الإجابة الأسهل وهي إلقاء اللوم على الهرمونات أو الحيض، وهنا يتحول الحيض إلى مصدر سباب، ولا شك أنك صادفت، على الأقل على الإنترنت، رجلاً ينتقد امرأة قائلاً: “شكلها عليها الدورة”.
هذه النظرة الشائعة التي تجرد النساء من كل قدراتهن العقلية والنفسية، وتختصرهن في تغيرات الهرمونات يتبناها بعض الأطباء أيضاً، فهناك دراسات أشارت إلى أن واحدة من كل 5 نساء شعرت أن مقدم/ة الخدمة تجاهل وصفها للأعراض، و17٪ من النساء تلقين علاجاً مختلفاً عن الرجال الذين وصفوا نفس الأعراض.
كما أوضحت الدراسات أن النساء يتلقين خدمات طبية مختلفة عن الرجال، فمثلاً في مجالات رعاية القلب وإدارة الألم، قد تتلقى النساء علاجات غير فعالة فقط بسبب عدم تصديق شكواهن، ناهيك عن أن حالات مثل آلام الفرج Vulvodynia أو متلازمة تكيس المبيض PCOS قد تستمر لسنوات بدون علاج أو حتى اكتشاف بسبب خطأ التشخيص.
المشترك بين النظرة المجتمعية والممارسات الطبية هو الشعور السائد بأن النساء ليس لديهن الحق في الغضب أو الحزن، وهو ما يؤدي إلى حالة من تجاهل أو تقليل قيمة الأسباب التي تؤدي إلى شعورهن الغضب.
كم نقاشاً خاضته امرأة مع شريك أو زميل عمل وكان لديها حجة منطقية لشعورها بالغضب، ولكن انتهى الحال به ينظر إليها، متمتماً: “غالباً دي هرمونات.. مفيش حاجة حصلت”.
يؤدي هذا إلى أن العديد من النساء يٌكَّذبن أنفسهن ويشعرن أنهن على حافة الجنون، فقط لتعبيرهن عن الغضب أو الإحباط.
الهرمونات موجودة.. ولكنها ليست السبب
نعم، الهرمونات لها تأثير على المزاج وعلى الحالة النفسية، ولكن جميع البشر، سواء المراهقين والشباب الرجال والنساء وحتى المتقدمين في العمر، لديهم/ن دورة هرمونات تتغير.

ترتفع هرمونات الذكورة وتنخفض عند تقدم السن وفي فترات معينة من حياتهم، ولكن لا نرى زملاء العمل أو زوجاتهم يعزون غضب الرجال للهرمونات.
المشكلة ليست في تغير الهرمونات وتأثيرها سواء على النساء أو الرجال، لأن هذه حقيقة علمية، ولكن المشكلة تكمن في اختزال النساء في صورة نمطية، تنفي قدراتهن العقلية والمنطقية على الفهم والتحليل والتعامل مع المشكلات خارج نطاق الهرمونات.
لسنوات طويلة كان هذا التصور هو وسيلة المجتمع لفرض سلطته على النساء، بحجة أنه لا يمكن الاعتماد على أحكامهن على الأمور، وكان وسيلة للتشكيك في شكوى النساء وفي تعبيرهن عن انزعاجهن.
الهرمونات سبب رئيسي في كثير من المشاعر، مثل الاسترخاء والرغبة الجنسية والبلوغ والسعادة والغضب والحزن، وهي ليست أمراً يجب التنصل منه. ولكن ما يعيق الأشخاص أن يعيشوا بصحة ومتعة هو شعورهم الدائم بالاحتياج لأن يثبتوا صدق شكواهم أو مشاعرهم.
كان التصور البدائي عن الهرمونات وسيلة للتمييز ضد النساء، ولكن في الوقت الذي نعرف فيه أن الهرمونات تسري في أجسادنا جميعاً بدون استثناء، ما زالت تعاني النساء وحدهن من العنف والتشكيك بسبب أمر يختبره جميع البشر كل يوم.
الهرمونات وتغيراتها الطبيعية ليست سبباً للتشكيك في قدرة النساء العقلية ولا مشاعرهن ولا حكمهن على الأمور؛ هي فقط حجة للمزيد من السيطرة عليهن.
المقال دسم فلا استطيع قراءته…
المقال دسم فلا استطيع قراءته بسهوله سأقرأه لاحقا وسأكتب تعليقي عليه فيما بعد .
شكراً لك ذات القبعة الوردية…
شكراً لك ذات القبعة الوردية عل متابعتك لنا ويمكنك الرجوع إلينا في أي استفسار في أي وقت
ممكن سؤال
ممكن سؤال
أهلاً بك/
تفضل بإرسال سؤالك…
أهلاً بك/
تفضل بإرسال سؤالك وسوف نقوم بالإجابة عليك في أقرب وقت.