gen z

جيل z 

جين زي

جيل زد

جيل زي

جيل Z بين الواقع والتنميط

في السنوات الأخيرة، تزايد الحديث عن “جيل Z” في وسائل الإعلام، وعلى لسان المختصين/ات في علم الاجتماع، وحتى في المحادثات اليومية. ويُقصد بهذا الجيل أولئك الذين وُلدوا تقريبًا بين عامي 1997 و2012، مما يعني أنهم/ن نشأوا في ظل تطور رقمي غير مسبوق، وتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية متسارعة. غير أن هذا الجيل، رغم حداثة تجربته، كثيرًا ما يقع ضحية لتصورات نمطية قد تظلمه أكثر مما تُنصفه.

التنميطات الشائعة: بين المبالغة والتبسيط

لا تخلو النظرة السائدة إلى جيل Z من أحكام جاهزة تختزله في صفات محدودة، من أبرزها:

الإدمان على التكنولوجيا: يُتهم جيل Z بالإفراط في استخدام الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم/ن غير قادرين/ات على التواصل الواقعي أو العيش دون شاشات، وفقًا للإحصائيات قُدّر أن 72% من سكان مصر (حوالي 82 مليون شخص) متصلون/ات بالإنترنت في 2024، وعلى الرغم من أن بينهم/ن نسبة عالية من جيل Z أو من هم دون الـ30 عامًا، لكن لا يعني هذا بالضرورة أنهم/ن وحدهم/ن من يستخدمـ(و)ن السوشيال ميديا بشكل مفرط أو مؤذي. لكن الملفت للإنتباه هو أن جيل Z هو الأكثر إقبالًا على صناعة المحتوى الرقمي وخصوصًا الفيديوهات القصيرة، ولا يتوقف بعض الأفراد من هذا الجيل عند صناعة المحتوى بل يتطرق بعض المؤثرين/ات influencers كذلك لمجال ريادة الأعمال وذلك استخدامًالشهرتهم/ن على السوشيال ميديا، وعلى الرغم من أن معظم تلك المشاريع إما تُركز على صناعة الهوديز أو الفرايد تشيكن، لكن لا يمكننا إنكار أن وجود فرصة ريادة الأعمال وإنشاء الشركات في سن العشرينات أو أصغر لم تكن شائعة في الأجيال السابقة.


قلة الانضباط والجدية: كثيرًا ما يُقال عن جيل Z إنهم لا يتحملـ(و)ن المسؤولية، ويغير(و)ن وظائفهم/ن سريعًا، ولا يبد(يـ/و)ن ولاء طويل الأمد لأي مؤسسة أو فكرة. فترة الشباب هي فترة الاستكشاف والبحث عن الذات والتدقيق في الانتماءات، ومن الطبيعي أن تشهد قرارات من هذا النوع، ربما لما تتح للأجيال السابقة فرصة أو رفاهية التنقل بين الوظائف والأفكار مقارنة بهذا الجيل، وربما لو كان ذلك متاحًا لاتخذوا قرارات مشابهة، مع العلم أن هذا التنميط الخاص بتغيير الوظائف مأخوذ من الواقع الأمريكي وللأسف لا توجد احصائيات من الواقع العربي.


الهشاشة النفسية: يُوصف هذا الجيل بأنه جيل “حساس” أو “ضعيف”، كثير الشكوى من القلق والاكتئاب، في مقابل أجيال سابقة نشأت في ظروف صعبة دون أن تُعبّر عن ألمها. لا يمكننا أن ننكر زيادة الاهتمام بالصحة النفسية مع تراجع وصم الأمراض النفسية بعض الشيء مقارنة بالماضي، وبالتالي أصبح التعبير عن القلق والاكتئاب مقبولًا وشائعًا مقارنة بالماضي.


الوعي الاجتماعي والتمرد: من جهة أخرى، هناك من يُمجّد هذا الجيل باعتباره أكثر وعيًا بالقضايا الحقوقية، وأكثر استعدادًا لكسر القوالب التقليدية المتعلقة بالنوع الاجتماعي، الهوية، والمناخ. فعلى سبيل المثال، كان وعي جيل Z بالقضية الفلسطينية والإبادة بغزة مفاجئًا، في استطلاع ما أجرته YouGov خلال الفترة بين 21 لـ 29 نوفمبر 2023، عبّر 55% من الأمريكيين/ات بسن 18–29 عامًا أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، مقارنة بنسبة 35% من عموم البالغين/ات.


صورة الجسد بين الإيجابية والحيادية “body positivity” و”body neutrality” في مقابل المثالية المفرطة لدى جيل Z: قد يظن البعض أن جيل Z أكثر وعيًا وتقبلًا للتنوع الجسدي والهوية الجندرية. وبينما قد يكون هذا الافتراض صحيحًا لكن في المقابل يتعرض هذا الجيل لضغوط وتحديات قوية تحيط بصورة الجسد، حيث يتعرض الشباب والشابات لكم هائل من الصور المثالية للمشاهير والمؤثرات/ين، والتي قد يكون جزء كبير منها معدلًا رقميًا، مما يخلق تحديًا نفسيًا بين التصالح مع الجسد والتطلع لصورة مثالية قد لا تكون بالضرورة حقيقية عن الجسد. تأتى هذه التحديات والضغوطات مصحوبة بارتفاع نسب الاضطرابات المرتبطة بتقدير الذات، واضطرابات الطعام، ومشاعر العار من الجسد، مما يتطلب مجهودًا اضافيًا منهم/ن لبناء علاقة صحية مع الجسد والطعام.


العلاقات بين التقليدي والمعقد وبين الهشاشة والتماسك لدى جيل Z: طرح عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان مفهوم “الحب السائل” (Liquid Love) لوصف طبيعة العلاقات في المجتمعات الحديثة، وخاصة في ظل العولمة والرأسمالية الرقمية. وفقًا لباومان، أصبح الحب والعلاقات عمومًا سائلة: غير مستقرة، سريعة الزوال، وأقل التزامًا، مقارنة بالماضي.فيمكننا القول بأن الحب قد بدأ بحتى يفرقنا الموت “until death do us apart” ووصل للعلاقات الرمادية “Situationship”، لم يحدث هذا التغيير فجأة بل كان تدريجيًا وبطيء لكن مع التطور الرقمي والتكنولوجي أخذ منحنًا أسرع، ظهر معه العديد من المصطلحات التي تصف هشاشة العلاقات والخوف من الارتباط والالتزام وتخبط المشاعر. لايمكننا أن نقول أن حتى يفرقنا الموت هو النموذج الأمثل بل بالعكس في العديد من الحالات تتحول العلاقات إلى سجن لا يمكن الخروج منه إلا بالموت، لكن في المقابل بالنظر للعلاقات الهشة التي لا ترتكز على أسس ثابتة، بل تتأثر بسهولة بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية. اتخذت العلاقات اتجاهًا يتسم بتجنب الروابط العميقة والخوف من فقدان الاستقلالية أو حتى الخوف من الألم، أو حتى الخوف من الاستقرار في علاقة بما يعنيه من فقدان فرصة شريك/ة أفضل، خصوصا مع تغلغل السوشيال ميديا والميل لمشاركة الأفراد حياتهم على السوشيال ميديا، يقع الأفراد أمام صراع من المقارنات بين المقارنات بدوائر معارفهم/ن وصولًا للمقارنات بالمشاهير والانفلونسر، وبالتأكيد يقع الأفراد أمام مقارنات غير عادلة، يُقارن فيها الأفراد صورة أو فيديو بكاميرا احترافية واضاءة مثالية وفريق عمل كامل مهمته تتمثل في كتابة وتعديل واخراج مشهد تمثيلي من المفترض أنه مشهد يومي اعتيادي في حياة هؤلاء المؤثرين/ات. في مقابل تلك التحديات، ظهرت خطابات تدعو للتواصل الإيجابي بين الشركاء مع وجود امكانية اللجوء للعلاج النفسي للأزواج “couple therapy”، مع العلم أن تلك الفرص متاحة أكثر للفئات الأكثر حظًا نظرًا للتكلفة المادية، مع ضرورة وجود الأشخاص في علاقة من الأساس، بمعنى تجاوز فترة العلاقات الرمادية مروراً بمثابرة الأفراد على تحسين العلاقة من خلال اللجوء لعلاج الشركاء. في ظل هشاشة العلاقات، والخوف من الارتباط، والخوف من المبادرة للتعبير عن المشاعر، ووجود كم هائل من المقارنات، يقف هذا الجيل أمام كم هائل من التحديات التي تتقاطع معًا بصورة معقدة وبصورة تجعل من الاستقرار في العلاقات أو حتى الدخول في العلاقات أمرًا صعبًا، ويتطلب هذا من الأجيال الأكبر وعيًا وانصاتًا وانفتاحًا لهم و لسياقهم وتجنب النصح المباشر الساذج مع محاول الانخراط مع خطاب يتسم بالمواجدة”empathy”ويتجنب نبرة الفوقية والتنميط ويحاول دعم أفراد هذا الجيل في الصراعات التي تواجههم في تكوين علاقات صحية تحارب أشباح الخوف من الارتباط والمقارنات الغير عادلة.
وهنا يمكن القول أن بعض هذه الصفات قد تنطبق على أفراد من الجيل، إلا أن تعميمها يُعد نوعًا من التنميط الذي لا يخلو من الإقصاء و/أو التبسيط المُخل.


تقاطع الجيل مع الطبقة الاجتماعية: جيل واحد، تجارب متعددة
من الخطأ تصور جيل Z ككتلة متجانسة؛ إذ أن تجربته تختلف جذريًا باختلاف الطبقة الاجتماعية، نوع التعليم،ومكان السكن.
طلاب المدارس الحكومية في قرى الصعيد مثلًا، قد تكون تجربتهم/ن مع التكنولوجيا محدودة، ويواجهـ(و)ن تحديات في الوصول للمحتوى الرقمي والتعلم عن بُعد، في حين أن طلاب المدارس الدولية في المدن الكبرى ينشأ(و)ن في محيط يتحدث لغات أجنبية، وبيئة غنية بالأنشطة والمصادر، ما ينعكس على طموحاتهم/ن وأدواتهم/ن ومجالات اهتمامهم/ن.
الفروق الطبقية تُؤثر كذلك على المفاهيم المرتبطة بـ”النجاح” و”الحرية”؛ فبينما قد ينظر شاب من خلفية متوسطة إلى الهجرة أو العمل الحر للخروج من عبء اقتصادي كالخطوة الأخيرة في سلم النجاح، قد يرى آخر من خلفية أكثر حظًا في ذات الخيارات كنوع من الأساسيات.

حتى وعيهم/ن بالقضايا الاجتماعية يختلف؛ فالنشاط الحقوقي على الإنترنت، والحديث عن الهوية الجندرية أو العدالة المناخية، أكثر شيوعًا في الأوساط الأكثر رفاهة، بينما ينشغل آخرون وأخريات بقضايا كالبطالة، أو الهروب من ضغط الأسرة وسوق العمل التقليدي.


كذلك لا يمكننا أن ننمط جيلًا كاملا بناءً على عدد من الفيديوهات لأفراد جيل Z من طبقة أكثر حظًاوبلغة إنجليزية متقنة وبلغة عربية ركيكة وبأكواب ماتشا، فخصوصية أي جيل تتحدد بشكل كبير نتيجة لموقعية وتقاطعية الأفراد مع السن، والنوع، والموقع الجغرافي، والطبقة الاجتماعية، مما يجعل من التنميط العام اختزالًا غير عادل.

ما خطورة التنميط؟
لا تكمن المشكلة في التنميط فقط لكونه غير دقيق، بل لآثاره العميقة على أفراد الجيل ومكانتهم/ن داخل المجتمع. فحين يُختزل جيل كامل في صورة “الجيل الكسول”، أو “الجيل الضعيف”، يُغلق الباب أمام فهم أعمق لتجربتهم/ن، وتُعزز الفجوة بين الأجيال. كما أن هذه التصورات تؤثر سلبًا على صورة الجيل لذاته، فتصبح أداة قمع اجتماعي أكثر منها وسيلة للفهم.


الواقع أكثر تعقيدًا
الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن جيل Z يواجه تحديات غير مسبوقة: من أزمات اقتصادية وبيئية، إلى تفكك في النظم السياسية، إلى جانب سيولة في المفاهيم الثقافية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن هذا الجيل يُظهر أشكالًا جديدة من الصمود والتكيّف: يستخدم أدوات رقمية للتعبير عن الذات، يطرح تساؤلات جريئة حول الهوية والعدالة، ويعيد صياغة أولويات الحياة والعمل والعلاقات.


نحو فهم أعمق
من الضروري أن ننتقل من خطاب التعميم إلى خطاب الإنصات. أن نفتح المجال لأبناء وبنات هذا الجيل ليُعرّفوا أنفسهم، بدل أن نفرض عليهم/ن هوية جاهزة. فالاختلاف بين الأجيال لا يعني القطيعة، بل يمكن أن يكون مدخلًا لحوار مثمر يفيد الجميع.


خاتمة:
جيل Z ليس ظاهرة اجتماعية غريبة تحتاج إلى تفسير، بل هو امتداد طبيعي لعالم متغير. وبينما من السهل أن نلجأ إلى التنميط لفهم ما نجهله، فإن مسؤوليتنا كمجتمع تفرض علينا البحث عن أدوات أعمق للإنصات والتحليل، تبدأ بالاعتراف بأن كل جيل يحمل همومه، وتكمن قوته في خصوصية تجربته، ،وتطرق للإنصات الحقيقي لتجاربهم/ن، ومراعاة سياقتهم/ن التي كونتهم/ن، والتحديات التي تواجههم/ن، والتعرف على أحلامهم/ن. قوة جيل Z لا تكمن فقط في علاقته بالتكنولوجيا أو سرعته في التكيّف، بل في وعيه النقدي، وشجاعته في طرح الأسئلة، وسعيه لخلق مساحات أكثر شمولًا وعدالة وحرية. ويتطلب التواصل مع جيل Z انفتاحًا من كلا الطرفين واستعدادًا للتعلم والفهم بهدف النمو المشترك.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك.

باستمرارك في التصفح فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط، بإمكانك قراءة سياسة الخصوصية.