فتيات تتعايشن مع فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)
كشفت وزارة الصحة المصرية في ديسمبر 2016 عن وجود 6882 مصرياً مصاباً بالإيدز بينهم 1239 سيدة. هل استطاعت “إسراء” و”راضية” أن يتعايشن مع المرض؟
زوج “إسراء” وتعايشه مع مرض زوجته
مرضت “إسراء” وشخص الأطباء مرضها بأنه التهاب حاد في المرارة ويستدعي التدخل الجراحي. أثناء استئصال مرارتها، فقدت “إسراء” كمية كبيرة من الدماء مما استدعى نقل دم لها.
على الرغم من تشديدها بعدم اعطائها دم غريب إلا أن الأطباء اضطروا لنقل كيس دم آخر. بعد ثلاثة أشهر، أثناء فحص روتيني للاطمئنان على صحتها بعد الجراحة، اكتشفت المفاجأة التي غيرت حياتها فتقول:
“أول ما الدكتور شاف التحليل لقيت وشه اسود مرة واحدة! ما كانش في حد معايا ولا زوجي ولا الأولاد. قال لي أنت عندك إيدز يا حلوة … شوفي مين نقلك المرض! نظراته كانت كلها اتهام”.
أنت عندك إيدز يا حلوة … شوفي مين نقلك المرض!
تحكي “إسراء” عن شعورها: “الموت علينا حق، لكن الوجع ما كانش في الموت، الوجع كان في السمعة اللي هيورثها أولادي”.
فور علمه بمرضها، انهار زوجها خوفاً من إصابته! نفت التحاليل إصابته ورجح الجميع نقل الدم كسبب لإصابة “إسراء”.
قبل اكتشاف مرضها، كانت حياتها الزوجية باردة جافة. لم تكن تشعر بحب ورومانسية زوجها لأنه قليل الحديث.
بعد اكتشاف إصابتها، رأت “إسراء” خوف زوجها عليها ووقوفه بجانبها في تلك الأزمة التي أظهرت معدنه الطيب.
أخذها إلى طبيب متخصص، والذي بدوره أوضح لهما الفرق بين الإيدز والإصابة بفيروس HIV.
أقنعها الطبيب أنها تستطيع التعايش مع هذا الفيروس بتعاطي الأدوية بانتظام والمتابعة المستمرة معه.
أوضح لها ولأسرتها كيفية التعامل مع الإصابة وكيفية احتوائها وتأمين حياة باقي الأسرة من خلال تجنب بعض الممارسات التي من شأنها نقل المرض لهم.
خوفاً عليه، امتنعت “إسراء” عن أي شكل من الحميمية مع زوجها، لكن الطبيب أقنعهما أن العلاقة الجنسية الآمنة ممكنة باستخدام الواقي الذكري.
عن حياتها كمتعايشة مع فيروس نقص المناعة البشرية، قالت “إسراء”:
“تسبب المرض في سوء حالاتنا النفسية. كنت دايماً خايفة ومرعوبة. مش قادرة أتعامل مع أولادي في أي مرض لهم بحميمية. كان دايماً في بالي الحرص من جرح مش واضح، وكنت دايما بشك في نفسي.”
الناس مواقف وكل لحظة غالية:
“لكن الإصابة كانت سبب في قربنا لبعض أكتر لأن اليوم اللي بيضيع من الصعب نرجعه تاني. البطل الحقيقي هو زوجي. اكتشفت معدنه الطيب بعد ما وقف جنبي واستحمل مضايقات أهله بسببي. بعد ما عرفوا بمرضي، بطلوا يزورونا وكأننا في مجتمع منفصل عنهم.”
“راضية” وحبيبها والأمل في الإنجاب في يوم ما
مثل الكثيرات، أحبت “راضية” شاباً ممن كان لهم علاقات جنسية متعددة. مثل الكثيرات، أيضاً، مارست “راضية” الجنس مع حبيبها.
ظهرت على حبيبها أعراض مرضيه وطلب منه الطبيب إجراء تحليل لفيروس الكبد الوبائي سي وتحليل فيروس نقص المناعة البشرية.
أكدت التحاليل إصابته بالإيدز في مراحل متطورة وعندها أبلغ “راضية” بحقيقة مرضه وتفاصيل علاقاته السابقة.
تروي “راضية” – 28 عاماً – كيف استقبلت إصابتها بكل رزانة وثبات، فتقول:
“قلت في نفسي أن ربنا بيعاقبني على علاقتي المحرمة”
تخيلت أهلها ورد فعلهم عندما تبلغهم بالخبر! كيف ستخبرهم؟ كيف ستتعامل معهم؟ لم يكن أمامها إلا الاستقلال بحياتها حتى لا تؤذي أهلها وتكون سبباً لهلاكهم.
أخبرت “راضية” صديقتها الطبيبة بما أصابها. نصحتها بضرورة التواصل مع أحد المراكز التابعة لمنظمة الصحة العالمية، لإمدادها بالدواء.
العلاج باهظ الثمن، والحصول عليه متاح من وزارة الصحة أو من خلال المصحات المتخصصة في علاج المرض.
أسماء الأدوية كثيرة ومعقدة. الهدف الأساسي منها هو إبطاء المرض وتقليل ظهور علامات الإعياء عليها، ولكن كانت أعراضها الجانبية سيئة.
ما بين الوحدة والأعراض الجانبية تعايشت “راضية” حتى وجدت مسكناً خاصاً ببعض الفتيات المتعايشات اللاتي تتشابه قصصهن إلى حد كبير وقصتها.
وجدت لديهن السكينة والبحث عن معنى للحياة، بعد أن فقدت كل اتصال بحبيبها.
تقول “راضية” عن حياتها الجديدة:
“الحياة ما بتديناش كل حاجة، أينعم خسرت أهلي بس لقيت أهل تانين عوضوني وساعدوني. اشتغلت وكأني انسانة طبيعية بس بتعامل مع المجتمع بحذر وكلي خوف ليعرفوا بإصابتي.
عن أكثر شيء مؤلم، تقول “راضية”:
“للأسف أكتر شئ في قصصنا بيوجع هو أننا بنضطر نخبي إصاباتنا عن الناس اللي بيحكموا علينا بالموت قبل أوانه.”
داخل “مملكة المتعايشات“، كما أطلقت عليها، قابلت “راضية” حبها الحقيقي.
“لقيت الحب من غير أطماع وخيانة مع أحد المتعايشين في المركز اللي بجيب منه العلاج واتفقنا نتجوز ونخلف وهناخد كل الأدوية الوقائية وهنعمل الفحوصات اللازمة عشان أولادنا يطلعوا أصحاء نعبر بيهم لبر الأمان.”
حقائق
أعلنت “وزارة الصحة” في ديسمبر 2016 أن أعداد المصابين منذ عام 1986 بلغ 8437 مصاباً، منهم 6882 على قيد الحياة في نهاية نوفمبر 2016. أكثر من 75% من المصابين في الفئة العمرية من 15 إلى 50 سنة.