ولادة طبيعية أم قيصرية؟ ولماذا؟
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فمن المفترض أن تكون الولادة الطبيعية هي السائدة، وأن تكون الولادة القيصرية بنسبة محدودة لا تتجاوز 15%، ولكن كيف أصبحت الولادة القيصرية بهذا الرواج.
تَحمَل حواء وتلد منذ بدء الخليقة، وظلت الولادة حدثاً فسيولوجياً طبيعياً، تحدثت وروت تفاصيله كل الحضارات القديمة.
حتى جاء يوم وقررت الإمبراطورية الرومانية، لأسباب دينية، تحريم دفن الحامل التي تموت أثناء الولادة. وكان لا بد من استخراج الجنين من خلال شق البطن، ثم دفنها ودفن الجنين في مقبرتين منفصلتين.
و قيل إن الإمبراطور يوليوس قيصر وُلد عن طريق شق البطن وليس ولادة طبيعية. ولهذا سميت الولادات التي تتم عن طريق شق البطن بالولادة القيصرية!
ولكن الأرجح أن سبب تسمية الولادة القيصرية ترجع إلى كلمة caedare اللاتينية، والتي تعني شق أو قطع.
وفي عام 1500 كانت هناك امرأة تلد ولادة متعثرة. ظلت تعاني من آلام الولادة عدة أيام، وحاولت معها القابلات، فلم يفلحن. وكان زوجها، السويسري “جاكوب نوفر”، الذي يعمل “معقّم إناث الخنازير”، قد حصل على تصريح بتوليدها بنفسه ولادة قيصرية.
وبالفعل نجح جاكوب نوفر في إنقاذ زوجته و طفله وعاش هذا الطفل 77 عاماً. وأنجبت زوجته بعد هذه المرة خمس ولادات طبيعية.
بالمعنى الحديث، تعد هذه أول ولادة قيصرية موثَّقة ومسجلة في التاريخ. فقد تطور الطب والتشريح ووسائل التخدير والتعقيم خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، واستمر هذا التقدم والتطور، حتى بلغ ذروته في نهايات القرن الثامن عشر والتاسع عشر.
ومع بدايات القرن العشرين، أصبحت الولادة القيصرية، طريقة طبية جراحية معروفة، لاستخراج الجنين من بطن أمه، حفاظاً على حياته وحياة الأم، عند تعذّر الولادة الطبيعية.
وحتى ثمانينيات القرن العشرين كانت الولادة الطبيعية هي طريقة الولادة السائدة. أما الولادة القيصرية، فكانت تمثل 6% من كل المواليد.
ومن ساعتها يعتبر من المفترض ألا تجري الولادة القيصرية إلا لدواع طبية وهي:
- أن يكون الجنين متوجهاً بمقعدته نحو الحوض عند الولادة، حيث يتعذَّر على القابلة أو الطبيب توليد الجنين ولادة طبيعية. (الطبيعي أن يكون الجنين متوجهاً برأسه نحو الحوض).
- إذا كانت المشيمة أمامية، فتزداد فرصة حدوث النزيف خلال الولادة الطبيعية، وهو ما قد يودي بحياة الأم أو الجنين.
- في حالات تسمم الحمل، للأمهات اللاتي يعانين من الضغط العالي خلال الحمل.
- إذا كانت الأم تعاني من الهربس التناسلي أو فيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV)، خوفاً من انتقال العدوى إلى الجنين في أثناء الولادة الطبيعية.
- إذا لوحظ نقص الأكسجين وصعوبة التنفس عند الجنين، لأي سبب.
- إذا تعثرت الولادة الطبيعية ولم يحدث بها التقدم المرجو، ففي الطبيعي، تؤدي انقباضات الرحم المتتالية إلى توسيع عنق الرحم بالقدر الذي يستوعب خروج الجنين من خلاله.
“ترند” القيصرية
مع تقدم وسائل فحص الجنين أثناء الولادة، وتقدم وسائل التخدير، حدث ما يمكن وصفه بـ ” ترند” الولادة القيصرية. أو ظاهرة الولادات القيصرية غير الضرورية.
أشارت عدة دراسات إلى تضاعف معدلات الولادة القيصرية حول العالم خلال 15 عاماً، فبينما وصلت نسبة القيصريات من كل المواليد في عام 2000 إلى 12%، أصبحت 21% في عام 2015.
وتؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية، أنّ نسبة الولادات القيصرية، ينبغي ألا تتجاوز 10% إلى 15% من كل المواليد حول العالم. إذ إنّ تجاوز هذه النسبة يدق ناقوس الخطر.
ولأن النسبة في الواقع تجاوزت الحدود المقبولة، دعت منظمة الصحة العالمية إلى إجراء أبحاث ودراسات عديدة لرصد هذه الظاهرة وتحليلها ومحاولة إصدار قواعد إرشادية عامة للولادة القيصرية حول العالم.
مخاطر الولادة القيصرية
- النزيف: سواء أكان هذا النزيف في أثناء الجراحة، أم بعدها. فإنّ الشرايين المغذية للرحم تكون منتفخة ومفتوحة وعرضة للإصابة والقطع.
- تلوث الرحم: نتيجة شقه والعبث به.
- طول مدة الإقامة بالمستشفى، سيضطر الطبيب لإبقائك في المستشفى مدة يومين أو ثلاثة وأحياناً أربعة أيام. ومع طول الإقامة بالمستشفى، تزداد فرص تلوث الجرح وحدوث العدوى. في حين أن الولادة الطبيعية لا تستدعي البقاء في المستشفى أكثر من يوم!
- جرح المثانة أو الحالب أثناء شق الرحم.
- الكثير من الأجنّة تعاني بعد الولادة من صعوبات ومشكلات في التنفس بسبب القيصرية.
ناهيك عن مشكلات جرح القيصرية، والذي يأخذ وقتاً أطول حتى يلتئم. ومع القيصريات المتكررة، تضعف عضلات البطن وينتج الفتق السري بكل مضاعفاته. وأحيانا يحدث انفجار في الرحم!
إذا كانت هناك مخاطر للولادة القيصرية بشكل عام، فلماذا تتعرضين لهذه المضاعفات والمشكلات، و أنت في غنى عنها.
خاصة أن القيصرية تحدث دون أسباب طبية حقيقية.
قيصرية بدون داع
تقول السيدة (س): “ذهبت إلى طبيب النساء في الشهر الأخير للحمل، كإحدى زيارات متابعة الحمل العادية. فأخبرني الطبيب أن الحوض ضيق ولن أستطيع أن ألد ولادة طبيعية!”
وهذه السيدة (م) جاءتها آلام المخاض بشكل طبيعي، فذهبت إلى طبيب التوليد وقال لها إنّ الحبل السري يلف عنق الجنين ولا بد من القيصرية في الحال!
أما السيدة (ع) فقد أخبرها الطبيب بعد فحص السونار في إحدى زيارات المتابعة أنّ الماء حول الجنين قد جفّ، وهناك خطورة على حياته، ولا مفرّ من الولادة القيصرية!
كل ما سبق من حكايات تعرض دواعي غير طبية وغير حقيقية للولادة القيصرية.
عوامل اجتماعية واقتصادية
مثلما نصف بعض العلاقات الإنسانية بالعلاقات المعقدة، فإنّ ظاهرة الولادة القيصرية غير الضرورية ظاهرة معقدة ومركبة، وتتداخل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والوعي الطبي للسيدات بشكل أساسي.
من الملحوظ أنّ هناك فئة من السيدات، من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العليا، في العالمين المتقدم والنامي، لا يرغبن في الولادة الطبيعية، خوفاً من الألم. ولا يملك الطبيب إلا الخضوع لرغبتها وتوليدها ولادة قيصرية.
أما في الطبقات الأقل غنى أو الأكثر فقراً؛ فإن الولادة الطبيعية هي الأساس، إذ لا يملك الفقراء تكاليف الولادة القيصرية.
وهنا يفرض السؤال نفسه: هل من حق الطبيب أن يرفض أو يوافق على إجراء قيصرية، حسب رغبة السيدة، ودون سبب طبي حقيقي؟
وهذا بالضبط ما تحاول منظمة الصحة العالمية معالجته، عن طريق حملات التوعية للسيدات، بأهمية الولادة الطبيعية، والتهيؤ لها كعملية فسيولوجية طبيعية جداً.
لكن هناك مشكلة أخرى، فهناك أطباء توليد يجرون الولادات القيصرية دون داع، رغبة منهم في الحصول على أموال أكثر.
بل بلغ الأمر ببعض الأطباء بأن يوهموا السيدات بخطورة الولادة الطبيعية وضرورة القيصرية، مثلما ذكرنا، في حالة السيدة (س) والسيدة (م)، وأحياناً كثيرة في حالة السيدة (ع).
من المهم أن نعرف أن ليست كل حالات جفاف الماء حول الجنين، تستدعي الولادة القيصرية!
الأمر يعتمد على درجة الجفاف وسببه ووجود عدوى أم عدمها، كما يعتمد على حالة الجنين نفسه.
جدير بالذكر أننا لا نستطيع حصر نسب القيصريات بشكل دقيق. لكن بشكل عام، فإنّ نسبة القيصريات في المستشفيات والعيادات الخاصة أعلى بكثير، إن لم تكن القيصرية هي طريقة الولادة الوحيدة في هذه الأماكن الخاصة.
أما في المستشفيات العامة، فإنّ نسبة القيصريات في ازدياد وإن كان بدرجة أقل من المستشفيات الخاصة.
القيصرية في مواجهة الداية
كلنا شاهد فيلم “الحفيد”. ومن أهم مشاهد هذا الفيلم مشهد الولادة. فقد حضرت القابلة/الداية، التي نوديت في المشهد بلقب “الدكتورة” ومعها ما يشبه “الحلّة” التي تحوي بداخلها أدوات معقمة.
وُلد الحفيد في البيت، ولادة طبيعية.
وفقاً لكتاب “تاريخ وتطور الرعاية الصحية الأولية في مصر“، لدكتور بسيوني زكي سالم، كانت القابلة/الداية الملجأ الأول للسيدات اللاتي يلدن. إذ كانت تتلقى تدريباً وتحصل على شهادة من وزارة الصحة، تمكنها من توليد النساء في البيت، ثم تقوم بتبليغ مكتب الصحة لتسجيل المولود.
وبالطبع إذا رأت أن الحالة تستدعي القيصرية، ترسلها إلى المستشفى.
لكنّ الأمر تطور في اتجاه معكوس وألغيت هذه التراخيص والتدريبات للدايات، وأوكل الأمر كله إلى أطباء التوليد بالمستشفيات.
حينها زاد عبء الولادات الطبيعية على أطباء التوليد بالمستشفيات، حيث تستغرق الولادة الواحدة ساعات عديدة، ولا يوجد بالمستشفى عدد من التمريض كاف لرعاية السيدات اللاتي يلدن، ولا توجد قابلات في المستشفى.
وهو ما يدفع الطبيب في بعض الأحيان لإجراء القيصرية، اختصاراً للوقت والمجهود.
أما في العيادات الخاصة، فإذا أجرى الطبيب خمس قيصريات في اليوم، فهذا أسهل وأوفر في الوقت، كما تدر عليه دخلاً أكبر. لكن توليد 5 ولادات طبيعية في اليوم، أكثر مشقة وأقل دخلاً بالتأكيد!
أهمية الولادة الطبيعية
ظاهرة الولادة القيصرية ظاهرة عالمية، تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والوعي الطبي للسيدات بشكل معقد.
فهناك أسباب مسؤول عنها الأطباء، وهناك أسباب مسؤول عنها طريقة الرعاية الصحية في أي دولة، وهناك أسباب تتعلق بخوف بعض السيدات من آلام الولادة الطبيعية.
ولهذا تحاول منظمة الصحة العالمية وضع إرشادات عامة للأطباء والمستشفيات والتمريض فيما يخص الولادة القيصرية ودواعيها.
لكنها حتى الآن لم تستطع إيجاد الآلية التي تتأكد بها من اتباع الأطباء لهذه القواعد والإرشادات، الأمر يحتاج مزيد من البحث والتوصيات الملزمة.
كما عادت الكثير من الدول، طبقاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية، إلى تدريب القابلات ومنحهن شهادات وتراخيص لتوليد النساء. بالإضافة إلى حملات التوعية بأهمية الولادة الطبيعية و إعداد الحوامل لهذا الحدث الفسيولوجي الطبيعي.
هل هناك خطر من الولاده…
هل هناك خطر من الولاده الطبيعيه إذا كانت الأم قد ولدت قيصيريا ٣مرات قبلها هل ممكن أن يفتح الجرح ويحدث نزيف أو اي ضرر اخر؟؟
مرحباً،
من حيث المبدأ يمكن…
مرحباً،
من حيث المبدأ يمكن إجراء ولادة طبيعية بعد الولادة القيصرية، ولكن عوامل كثيرة تتدخل في الأمر، منها: هل قمت بولادة طبيعية من قبل؟ وهل فات وقت مناسب على آخر ولادة قيصرية؟ وهل تعاني الحامل من مشكلات أخرى قد تمنع من الولادة الطبيعية؟
نصيحتنا أن تخبري الطبيب/ة من وقت مبكر أنك تفضلين الولادة الطبيعية، وأن تستشيريه بخصوص إمكانية ذلك.
الحب ثقافة