جينات ال BRCA: هل من الممكن معرفة احتمالية الإصابة مستقبلاً بسرطان الثدي؟
نوضح في هذا المقال العديد من المعلومات المرتبطة بجينات ال BRCA وعلاقتها بالفحص والوقاية من سرطان الثدي.
ما هي الجينات وما مدى تأثيرها علينا؟
نولد جميعاً حاملين صفات مشتركة بين أبوينا، فنحن نتاج اندماج بويضة من الأم مع حيوان منوي من الأب. وكلتا الخليتين تحملان صفات وراثية لكل منهما، فتنتقل هذه الصفات أو بعضها إلى الخلية الجنينية والتي تتضاعف لتكون جنين يشبه أبويه في بعض الصفات ويكون أقرب إلى أحدهما في البعض الآخر. وقد يختلف كلياً عنهما ليحمل صفات مأخوذة من جده السابع عشر أو مُكتسبة نتيجة طفرة وراثية نشأت من اختلاف عوامل خارجية.
إذا تزاوج رجل بني الشعر قصير القامة مع امرأة شقراء طويلة القامة قد ينتج عن هذه العلاقة طفل/ة بني/ة الشعر طويل/ة القامة.
وللإجابة عن تساؤل “كيف انتقلت الصفات الوراثية؟” لابد من ذكر الجينات فهي الوحدة الأساسية التي تنتقل من خلالها الصفات الوراثية.
لا تقتصر وظائف الجينات على نقل الصفات من الوالدين إلى الأبناء، بل هي مسؤولة بشكل كامل عن تطور النوع البشري. فوفقاً لنظرية الانتخاب الطبيعي، فإن تطور الجينات الذي حدث عبر ملايين السنين هو الذي أدى إلى وجود الإنسان بصورته الحالية وقدرته على التطور كي يتمكن من التعايش مع التغييرات الطبيعية والمناخية. كذلك تلعب الجينات دوراً محورياً في تصنيع البروتين الذي يعد مكوناً أساسياً للخلية. والجينات ليست مسؤولة عن تكويننا وصفاتنا فحسب، بل لديها قدرة على تغيير حياتنا، فمع مرور الوقت تتغير الجينات فتحدث الشيخوخة كما يمكن أن تحمل الجينات طفرات (تغييرات عنيفة) تجعلنا أكثر عرضة للإصابة بأمراض معينة لاحقاً. لذلك يمكن اعتبار أن الجينات تحمل ماضينا وتشكل ما نحن عليه الآن وتلعب دوراً فيما سنكون عليه في مستقبلنا.
ما هي جينات BRCA ومما تتكون؟
تتكون كل خلية بشرية من نواة تمثل مركز الخلية وسائل يحيط بها يسمى سيتوبلازم والذي يحتوي على بروتينات وإنزيمات. بالإضافة إلى مجموعة من العضيات وهي أجسام صغيرة تقوم بوظائف مختلفة.
وتحتوي نواة كل خلية على المادة الوراثية للإنسان وتتمثل في 23 زوج من الكروموسومات (46 كروموسوم) ويتكون كل كروموسوم من الحمض النووي- DNA ومجموعة من البروتينات ويحمل مجموعة من الجينات.
من ضمن الجينات التي يحملها كل إنسان بغض النظر عن نوعه هناك مجموعة جينات تسمى BRCA- Genes والتي تنقسم إلى مجموعتين:
BRCA -1 والتي تقع على الكروموسوم رقم 17
BRCA-2 والتي تقع على الكروموسوم رقم 13.
تعمل هذه الجينات معاً على منع النمو المفاجيء أو غير المحسوب لخلايا المبيض وخلايا الثدي خاصة أثناء فترة البلوغ، حيث تكون هذه الخلايا أكثر عرضة للنمو تحت تأثير الهرمونات. تقع هذه الجينات تحت مسمى Tumor suppressor Genes، أي الجينات التي تمنع حدوث السرطان خاصة سرطان الثدي وسرطان المبيض، بسبب الدور الهام الذي تلعبه هذه الجينات في السيطرة على نمو الخلايا غير المحسوب.
ما العلاقة بين BRCA Gene وسرطان الثدي؟
عند حدوث أي تغير في تركيب الجينات فإن وظيفتها تتغير، لهذا تُعد التغييرات الجينية -سواء حدثت بفعل طفرات وراثية أو تحورات مكتسبة- إحدى عوامل الخطر والتي إذا اجتمعت مع عوامل أخرى قد تؤدي إلى الإصابة بسرطانات أو أمراض مناعية.
في حالة حدوث تغييرات جينية في التركيب الخاص ب BRCA-1 أو BRCA-2 أو كليهما فإن هذه الجينات تفقد وظيفتها ولا تستطيع السيطرة على النمو غير المحسوب لخلايا المبيض والثدي والذي يتسارع في فترات مختلفة من حياة الإناث بفعل الهرمونات أهمها مرحلة البلوغ وفترات الحمل والرضاعة.
يمكن لتلك التغييرات الجينية أن تكون مكتسبة ويمكن أن تكون موروثة من أحد الأبوين، وعلى الرغم من عدم وجود أسباب واضحة لهذه التغييرات، حيثُ أنها طفرات وراثية، فإن هناك بعض المجموعات العرقية أكثر عرضة لها.
هل كل سيدة لديها تحورات جينية معرضة للإصابة بسرطان الثدي؟
كما ذكرنا فإن وجود هذه الطفرات يقضي على عنصر الحماية التي توفره الجينات ضد نمو الخلايا غير المحسوب، لكن ذلك لا يعني أن حدوث سرطان الثدي أو المبيض أمراً حتمياً، فلكي يحدث هذا النوع من السرطانات يلزم اجتماع عدة عوامل للخطورة ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى:
أ. عوامل لا يمكن تفاديها:
1. التاريخ الإنجابي: بدء فترات الحيض قبل سن 12 عاماً وبدء انقطاع الطمث بعد سن 55 عاماً، كذلك الحمل الأول بعد سن 30، وعدم الرضاعة الطبيعية، وعدم وجود حمل كامل المدة وكل هذه العوامل تعرض النساء للهرمونات لفترة أطول، مما يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي.
2. وجود ثديين كثيفين: النساء ذوات الثدي الكثيف أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي لسبب غير معلوم حتى الآن. ولكن هناك سبب آخر يمكن أخذه في الاعتبار وهو احتواء الثديين الكثيفين على نسيج ضام أكثر من الأنسجة الدهنية، مما قد يجعل من الصعب في بعض الأحيان رؤية الأورام في التصوير الشعاعي للثدي فيصعب اكتشاف الورم مبكراً.
3. التاريخ الشخصي للإصابة بأمراض الثدي: سواء سرطان الثدي في أحد الجانبين أو بعض أمراض الثدي غير السرطانية. فقد أثبتت الدراسات أن النساء اللواتي أصبن بسرطان الثدي أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي مرة ثانية، كما ترتبط بعض أمراض الثدي غير السرطانية بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي أشهرها فرط التنسج اللانمطي (Atypical Hyperplasia) وهو يعني نمو وتجمع خلايا غير طبيعية في القنوات اللبنية ونسيج الثدي. هذا النمو ليس سرطانياً ولكنه يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي.
4. التاريخ العائلي للإصابة بالأورام السرطانية: يكون خطر إصابة المرأة بسرطان الثدي أعلى إذا كان لديها أم أو أخت أو ابنة (قريبة من الدرجة الأولى) أو عدة أفراد من العائلة من جانب والدتها أو أبيها قد أصيبوا بسرطانات خاصة سرطان الثدي أو المبيض.
ب. عوامل يمكن تجنبها:
1. عدم ممارسة النشاط البدني: النساء اللواتي لا يمارسن نشاطاً بدنيا أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي.
2. السمنة بعد انقطاع الطمث: النساء الأكبر سناً اللواتي يعانين من السمنة لديهن خطر أكبر للإصابة بسرطان الثدي.
3. تناول الهرمونات المصنعة/ البديلة: حيث أن بعض أشكال العلاج الهرموني (تلك التي تشمل كل من هرمون الاستروجين والبروجسترون) التي تؤخذ أثناء انقطاع الطمث يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي عند تناولها لأكثر من خمس سنوات. كما وُجد أن بعض وسائل منع الحمل الفموية (حبوب منع الحمل) تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي.
4. شرب الكحول: تشير بعض الدراسات إلى أن خطر إصابة المرأة بسرطان الثدي يزداد مع زيادة الكحول الذي تشربه.
ينصح المتخصصون/ات باتباع نمط حياة صحي قدر الإمكان للتقليل من خطر الإصابة بالسرطانات بوجه عام، خاصة لدى الأشخاص الأكثر عرضة (من لديهم/ن تحورات جينية أو عوامل جسدية لا يمكن تجنبها).
هل توجد جينات BRCA لدى الرجال؟
نعم، تتواجد هذه الجينات لدى الرجال في نفس مواقعها (على الكروموسومين 17 و13) وتؤدي نفس الوظيفة (تثبيط النمو المفاجيء لنسيج الغدد الثديية)، كما يمكن أن تحدث لها طفرة جينية أيضاً ولكن احتمالية إصابة الرجال بسرطان الثدي في حالة وجود طفرة في جينات BRCA أقل من احتمالية الإصابة لدى النساء اللاتي لديهن نفس الطفرة ويرجع هذا الاختلاف إلى عوامل هرمونية تجعل النساء أكثر عرضة للإصابة.
متى تم فحص جينات BRCA لأول مرة؟
في عام 1994 تمكن علماء الوراثة من التعرف على جينات BRCA لأول مرة وعزلها، وبعد عامين من العمل الجاد أصبحت اختبارات BRCA خدمة طبية معتمدة لكنها ظلت محدودة الانتشار حتى بدايات الألفية الثالثة.
ما هي اختبارات BRCA؟ وماذا تعني نتائجها؟
هي اختبارات تكشف عن وجود تحورات جينية عن طريق أخذ عينة من خلايا مخصصة وفحص الحمض النووي الخاص بها.
ويتم أخذ هذه العينة بثلاث طرق:
1. الدم: يقوم المختص/ة بإدخال إبرة في الوريد عادة في الذراع لسحب عينة الدم اللازمة للاختبار، ولا يحتاج أخذ هذه العينة إلى أي تحضيرات خاصة.
2. اللعاب: يتم تجميع كمية مناسبة للفحص من اللعاب في وعاء معقم ومخصص -يمكن أن يتم تجميعها في مركز الفحص أو المنزل- مع مراعاة بعض الاحتياطات أهمها الامتناع عن الأكل والشرب والتدخين لمدة ساعة قبل إجراء الاختبار.
3. مسحة من الفم: يتم أخذها في مركز الفحص بأداة خاصة ويلزم غسل الفم جيداً قبل أخذ العينة.
يمكن للشخص الخاضع/ة للفحص المناقشة مع الطبيب/ة المختص/ة تحديد نوع العينة الأنسب للاختبار الجيني.
بعد إجراء الاختبار يستغرق الأمر بضعة أسابيع قبل توفر النتائج، لذلك ننصح بالتواصل مع المختص/ة بعلم الوراثة لفهم الخيارات التي يمكن اتخاذها ووضع مسارات مختلفة وفقاً لنتيجة الفحص.
نتائج الفحص:
هناك ثلاث احتمالات لنتائج فحص جينات BRCA
1. نتيجة الاختبار السلبية
تعني أنه لم يتم العثور على طفرة جينية في BRCA- Genes ولكن نتيجة الاختبار السلبية لا تعني بالتأكيد استحالة الإصابة بسرطان الثدي، فلا يزال لديك نفس خطر الإصابة بالسرطان مثل عامة السكان.
2. نتيجة الاختبار إيجابية
تعني أن لديك طفرة في أحد الجينات المسئولة عن حمايتك من الإصابة بسرطان الثدي BRCA1 أو BRCA2، وبالتالي خطر أعلى بكثير للإصابة مقارنة بأشخاص ليس لديهن/م الطفرة. لكن النتيجة الإيجابية لا تعني الإصابة على الإطلاق.
قد تتضمن إجراءات المتابعة بعد نتيجة الاختبار الإيجابية فحوصات أكثر دقة لتحديد ما إذا كان هناك عوامل أخرى تزيد من احتمالية الإصابة، كما تشمل وضع جدول لإجراء الفحوصات اللازمة للكشف المبكر عن وجود سرطان والنظر في كافة التدابير التي يلزم اتخاذها لتقليل خطر الإصابة به.
يمكن للشخص مناقشة الطبيب/ة في الخيارات المتاحة التي يمكن القيام بها استناداً على العديد من العوامل بما في ذلك المرحلة العمرية والتاريخ الطبي والعلاجات التي يتم تناولها والعمليات الجراحية السابقة والتفضيلات الشخصية.
3. نتيجة الاختبار غير واضحة:
تحدث عندما يظهر في الاختبار تغييرات وراثية قد ترتبط أو لا ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، في هذه الحالة من المفيد مقابلة مستشار/ة في علم الوراثة لفهم كيفية تفسير هذه النتيجة واتخاذ قرار بشأن المتابعة المناسبة
في أي مرحلة من المراحل تكون اختبارات BRCA شديدة الأهمية؟
بعد الإصابة ويكون الهدف منه معرفة الحالة الجينية للمريض/ة وما إذا كان هناك عامل جيني للإصابة أم لا ويتم ذلك في الحالات التالية:
- وجود تشخيص إكلينيكي للإصابة بسرطان الثدي قبل سن 45 عاما أو قبل سن 50 عاماً مع وجود أقارب مصابات/ين أو تاريخ طبي عائلي غير معروف
- حدوث الإصابة في كلا الثديين
- الإصابة بسرطان الثدي في الرجال
قبل الإصابة ويكون الهدف منه الكشف عن احتمالية وجود طفرة جينية خاصةً لدى الأشخاص الأكثر عرضة وكذلك تقدير احتمالات حدوث الإصابة ويتم ذلك في الحالات التالية:
- وجود تاريخ شخصي لنوعين أو أكثر من السرطانات خاصة سرطان المبيض أو سرطان قناة فالوب
- تاريخ شخصي سابق للإصابة بسرطان الثدي
- وجود تاريخ عائلي خاصة لأقارب الدرجة الأولى
- وجود بعض المتلازمات المرضية المرتبطة بطفرات جينية أشهرها فقر دم فانكوني – Fanconi Anemia والتي يلازمها عادةً حدوث طفرات في جين BRCA2
كيف يمكن أن تؤثر الاختبارات في مسار من خاضوا/ن التجربة؟
بغض النظر عن نتيجة الاختبار فإن إجراؤه يُعد مكسباً هاماً، حيث تشمل الفوائد المحتملة للنتيجة السلبية الشعور بالراحة والاطمئنان أنه لا عوامل جينية تشكل خطراً بينما تسمح نتيجة الاختبار الإيجابية للأشخاص باتخاذ قرارات مستنيرة بشأن رعايتهم الصحية المستقبلية، بما في ذلك اتخاذ خطوات للحد من خطر الإصابة بالسرطان منها على سبيل المثال:
1. الأدوية: مثل التاموكسفين ومثبطات إنزيم الأروماتيز وهو الإنزيم المسئول عن تكوين هرمون الاستروجين والذي تُشكل زيادته عاملاً إضافياً للخطورة
2. الجراحات الوقائية: مثل استئصال الثدي الوقائي أو الاستئصال الوقائي لأحد المبيضين أو كليهما وتتميز هذه الجراحات بفعاليتها في تقليل أو منع فرص الإصابة حيث تصل نسبة نجاحها إلى 90%.
” إن فرص إصابتى بسرطان الثدي انخفضت من 87 % إلى أقل من 5 % ” مضيفة ” أستطيع أن أقول لأولادي أنه ليس هناك ما يدعوهم للخوف من أن يفقدوني بسبب سرطان الثدى “.
هكذا عبرت أنجلينا جولي نجمة هوليوود عن مشاعرها تجاه خضوعها لهذه الجراحة الوقائية مشجعة النساء والرجال الذين لديهن/م تحورات جينية على إجراء الفحوصات واتخاذ التدابير اللازمة في حالة إن كانت النتيجة إيجابية.
هل هناك فرص للكشف عن التحورات الجينية الخاصة بسرطان الثدي في مصر؟
مؤخراً أصبح لدينا بعض المختبرات والمعاهد القومية والخاصة التي يمكن أن يتوفر بها خدمة الفحص الجيني، لكنها أقل عدداً بالمقارنة بالمراكز التي يتوفر بها طرق الكشف الأخرى ومنها على سبيل المثال معهد الأورام القومي
ما هي الطرق الأخرى للكشف المبكر عن سرطان الثدي؟
هناك بعض الطرق الأخرى التي يمكن من خلالها الكشف المبكر عن وجود سرطان الثدي، وهي:
1. الماموجرام:
وهو إجراء الأشعة السينية للثدي للكشف أي تغييرات غير طبيعية في نسيج الغدد اللبنية.
يُعد التصوير الشعاعي أفضل طريقة للكشف المبكر حيث يسرع من اتخاذ الإجراءات ويقلل احتمالية الوفاة.
2. التصوير بالرنين المغناطيسي:
يستخدم لالتقاط صور للثدي جنباً إلى جنب مع التصوير الشعاعي لفحص النساء الأكثر عرضة للخطر ولا يًنصح بالاعتماد عليه كإجراء عام.
وعلى الرغم من أن هذه الطرق تكشف عن وجود سرطان في مراحل مبكرة لكنها لا تتوقع الإصابة لذلك إذا كانت خدمات الفحص الجيني متوفرة في بلدك بسعر مناسب فلا تتردد/ي في الحصول عليها.
بعض منشوراتنا حول اختبار جينات BRCA