كيف يمكن أن يؤثر كرب ما بعد الصدمة على حياتنا الجنسية؟
تخبرني صديقتي أن حياتها متوقفة تماماً منذ أن تعرضت للتحرش من أحد أفراد أسرتها، وأنها ترى أثناء الليل كوابيس مرعبة بسبب ما حدث لها. لا تقوى على القيام بأي شيء في حياتها ولا ترغب أن يقترب زوجها منها وتخشى أي تلامس جسدي.
بكلمات بسيطة عبرت صديقتي عن معاناتها مع كرب ما بعد الصدمة، وفي هذا المقال سنتعرف عليه ونتعلم أكثر عن تأثيره على حياتنا. كما سنتعرض للطرق التي يمكننا بها تقديم بعض المساعدة لدعم المصابين به.
ما هو كرب ما بعد الصدمة؟
هو اضطراب نفسي أو حالة صحية عقلية يستثيرها حدث مخيف – قد يحدث لك أو قد تشهده. قد تتضمن الأعراض استرجاع الأحداث والكوابيس والقلق الشديد، بالإضافة للأفكار التي لا يمكن السيطرة عليها بخصوص الحدث.
أغلب من يمرون بأحداث مؤلمة قد يواجهون صعوبة مؤقتة في التأقلم والتكيف، ولكن بمرور الوقت والعناية الجيدة بالنفس، فعادةً ما يتحسنون. ولكن إذا تفاقمت الأعراض، أو استمرت لشهور أو حتى لسنوات، وإن أعاقت حياة الشخص اليومية فذلك قد يعني إصابة الشخص بكرب ما بعد الصدمة أو (PTSD).
الأعراض:
- إعادة معايشة الحادث الصادم: وعادةً يكون هذا هو العرض الأكثر انتشاراً، وقد يتمثل ذلك في كوابيس أثناء النوم أو حتى مجرد استعادة المشهد في أي وقت (Flashbacks).
- الانسحاب والعزلة والشعور بالذنب.
- القلق والاكتئاب والأرق.
- صعوبة في التركيز.
غالباً ما تكون تلك الأعراض شديدة وخطيرة لدرجة أنها تؤثر سلباً على المصاب/ة وتعيقه عن ممارسة حياته اليومية وقد تتشابه هذه الأعراض مع الكثير من الاضطرابات النفسية لذلك يجب الاستعانة بمختص/ة لتحديد ماهية الأعراض واتباع طرق العلاج المناسبة.
تأثير كرب ما بعد الصدمة على حياة المصاب/ة
تؤثر الصدمة حتى على الأكثر مرونة بيننا أياً كان سببها، سواء كانت النجاة من حرب أو زلزال أو الخروج من علاقة مسيئة أو حتى التعرض لحادث أو الإصابة بمرض مزمن.
يختلف تأثير الصدمة وفقًا لعوامل متعددة، والتي قد تشمل: المرونة الفردية والشخصية، شدة الصدمة، مدة الحدث الصادم، توافر نظام الدعم العاطفي، وعوامل أخرى مثل العوامل البيئية (كالمخدرات والظروف المعيشة غير المستقرة أو غير الآمنة).
قد تشمل التأثيرات قصيرة المدى أو الفورية ما يلي:
- التفكك، حيث يحاول المصاب/ة التهرب من أي شيء متصل بالحدث الصادم.
- الإنكار والارتباك، وهنا يتعمد المصاب/ة إنكار ما حدث ويشوش عليه ظناً منه/ا أنه قد يفيده/ا
تكون التأثيرات طويلة المدى أكثر تنوعاً وقد تشمل:
- الخوف من الحميمية
- مشاكل في صورة الجسد
- تدني احترام وتقدير الذات
- نوبات الهلع
- اضطرابات الجلد (الطفح الجلدي المزمن أو الحساسية)
- عدم الاستقرار العاطفي
- الخوف من الوحدة والعلاقات الحميمية
كيف يمكن أن تتأثر الحياة العاطفية والجنسية للمصاب؟
يمكن للإحباط والقلق والتجنب بسبب كرب ما بعد الصدمة أن يجعل جميع جوانب الحياة صعبة، بما في ذلك العلاقات العاطفية.
وفقًا لوزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية، قد يواجه ما يقرب من 5 إلى 10 ٪ من الأفراد المصابين باضطراب ما بعد الصدمة تحديات في العلاقات وتشمل الحميمية والرغبة الجنسية والتجنب (محاولة التهرب من الشريك/ة ) والتواصل.
تتطلب الحميمية الانكشاف الشعوري والشفافية داخل العلاقة سواء كانت عاطفية أو جنسية -وغالباً كلاهما. ويتضمن ذلك التحدث عن مشاعرك والاستجابة لاحتياجات الشخص الآخر.
يمكن أن تتأثر الحميمية في العلاقات عندما نعاني من أعراض كرب ما بعد الصدمة. ومن أمثلة تأثير كرب ما بعد الصدمة على الحميمية:
- غياب الاستمتاع بالأنشطة التي كنا نستمتع بها من قبل
- الصورة الذاتية السلبية
- الانفصال الشعوري عن الآخرين، أو عدم القدرة على التواصل عاطفياً معهم/ن
- قد يشعر الشخص المصاب بكرب ما بعد الصدمة بالحاجة إلى الاقتراب من الشريك/ة ولكنه يجد نفسه خائفاً أو غير قادر على هذا الاقتراب الحميمي.
تأثير كرب ما بعد الصدمة على الرغبة الجنسية
قد تكون الطريقة التي يؤثر بها كرب ما بعد الصدمة على حياتنا الجنسية ورغبتنا معقدة.
يعتمد ذلك التأثير في المقام الأول على نوع الصدمة التي تسببت في الاضطراب. خاصةً في حالات الاعتداء الجنسي أو الصدمة الجنسية، فقد يصبح الجنس العنصر الأول في قائمة التجنب الخاصة بالمصاب/ة.
قد يجعل هذا النوع من الصدمات الوثوق بشريك/ة أو الشعور بالأمان في موقف جسدي حميمي أمراً صعباً، وهذا رد فعل طبيعي للصدمة.
وتشير الأبحاث أنه في حالات أخرى قد تؤدي الصدمة إلى فرط الرغبة الجنسية ، لكن غالباً ما يتم اعتبارهذة الزيادة على أنها تطوير لسلوك جنسي قهري يصعب السيطرة عليه كوسيلة للتعامل مع الصدمة.
تأثير كرب ما بعد الصدمة على التواصل
التواصل ضروري في كل علاقة ولكن عندما يصبح من الصعب القيام بذلك، فقد يؤثر على علاقة المصاب/ةبأحبائهم/ن.
يمكن أن تشمل أعراض كرب ما بعد الصدمة التهيج والغضب والانفجارات العاطفية؛ مثل الرد على الآخرين بطريقة لا يفهمونها أو يخشونها أو يستاؤون منها.
قد تؤثر الأعراض الأخرى – مثل صعوبة حل المشكلات – أيضاً على كيفية التعامل مع النزاعات وتصبح المناقشات مسببة للقلق الشديد والارتباك.
وقد يمر المصاب بلحظات لا يطيق فيها التواصل مع أي شخص، وقد يفقد قدرته على التعبير عن شعوره.
كيف يمكن النجاة من كرب ما بعد الصدمة؟
التوجه للعلاج النفسي هي الخطوة المثلى للشفاء من كرب ما بعد الصدمة.
هناك العديد من أنواع العلاج التي يمكن أن تخفف الأعراض مثل التقنيات العلاجية النفسية والأدوية النفسية، وتُستخدم طرق العلاج هذه للمساعدة في تقليل أو حتى القضاء على الأعراض المؤلمة التي يعاني منها المصابون/ات بكرب ما بعد الصدمة.
يشاع استخدام تقنية إزالة حساسية حركة العين السريعة وإعادة معالجتها EMDR في علاج كرب ما بعد الصدمة. وتستخدم هذه التقنية حركات العين لمساعدة المصاب على معالجة الذكريات والأفكار والعواطف الصعبة المتعلقة بصدماته، وقد حققت نتائج مذهلة في تخفيف أعراض الاضطراب.
تضمن تلك التقنية التحفيز الثنائي باستخدام جهاز لتحريك العينين بشكل منتظم من اليسار إلى اليمين. يُعتقد أن هذه الحركات، إلى جانب التركيز على الحدث المؤلم، تقلل من التأثير العاطفي للحدث المؤلم. ومن هنا يبدأ التعافي من الخوف والألم المرتبطين بالصدمة.
بمرور الوقت، يقلل التعرض لهذه الذكريات أو يلغي الاستجابة السلبية لها.
يمكن أيضاً للعلاج المعرفي السلوكي أن يخفف من شدة أعراض المرض، وهو نوع شائع من العلاج بالكلام (العلاج النفسي) يتضمن حضور عددٍ محدود من الجلسات. تساعدك طريقة العلاج السلوكي المعرفي (CBT) على أن تُدرك أنماط التفكير غير الصحيح أو السلبي حتى تتمكَّن من التفكير في المواقف الصعبة بشكل أكثر وضوحاً والتدرب على طرق استجابة أكثر فعالية.
كيف يمكن دعم الشركاء المصابين بكرب ما بعد الصدمة؟
من المهم تشجيع من نحب على طلب المساعدة المتخصصة من طبيب/ة نفسيةلكرب ما بعد الصدمة.
يقوم المعالج/ة بتعليم المصاب/ة مهارات فعالة للتعامل مع ذكريات الماضي، مثل تقنيات التنفس والتركيز. تلعب تلك التقنيات دور مهم في تمكين الشريكين من التعامل مع الكرب.
وإليك مجموعة من النصائح التي قد تساعدك:
- بدلاً من اتخاذ جميع القرارات، اسمح/ي لشريكك/تك باتخاذ جزء منها بناءً على مستوى راحته/ا.
- من الضروري الانتباه للضغط النفسي واتخاذ خطوات نشطة لممارسة الرعاية الذاتية.
- التواجد مع الشريك/ة إذا احتاج/ت إلى التحدث عن الصدمة التي تعرض لها، أو فكر/ت في رؤية معالج/ة نفسي/ة معه/ا.
- كل شخص يتفاعل مع الأحداث بشكل مختلف لذلك فمن المهم الهدوء إذا كان الشريك/ةيمر بنوبة غضب – لكن من الضروري حماية نفسك في الوقت ذاته.
- امنح/ي نفسك مساحة إذا شعرت أن الموقف قد يتصاعد، كذلك فمن المهم إعداد قائمة بالأشخاص الذين تثق/ين بهم/ن والموارد التي يمكنك الرجوع إليها للحصول على الدعم.
- من المهم أيضاً تشجيع من نحب على الحصول على مساعدة متخصصة لاكتساب طرق صحية للتعبير عن الغضب والإحباط.
- قد ترغب/ين أيضاً في طلب المساعدة لمعرفة كيفية التعامل بهدوء عند حدوث نوبات هلع أو غضب.
- تجنب/ي التقليل من شأن الحدث الصادم أو ما يشعر به شريكك/تك.
- ثقف نفسك على كرب ما بعد الصدمة.
يمكن التحكم في كرب ما بعد الصدمة من خلال فريق العلاج المناسب وأدوات التأقلم، ولكن لا يمكن إجبار من نحب على طلب المساعدة المهنية. ومع ذلك، يمكن تشجيعهم على ذلك وعرض مرافقتهم إذا كان ذلك سيساعدهم/ن.
لا يختار أحد أن يصاب بكرب ما بعض الصدمة، لكن السبيل الوحيد للخروج من تلك المعاناة هو التوجه للعلاج النفسي، فافعل ذلك سريعاً.
سنه الله في خلقه