داء السكري: أصحاب أنا وانت ولا؟

أكاد أجزم أنه من الصعب، بل ويكاد يكون من المستحيل، أن  تسأل أحدًا عن داء السكري و تجد أنه/ا بلا سابق معرفة عنه أو حتى بلا تكهنات بخصوصه. فمرض السكر من أشهر الأمراض وأكثرها انتشارًا على الإطلاق، بدليل آخر الإحصائيات التي قدرت أن ما يقرب من خُمس سكان مصر البالغين يعانون من مرض السكر، والذي يعتبر في حد ذاته تقدير بخس للحجم الحقيقي لانتشار المرض بين كل الفئات العمرية، وبكل أنواعه، عندما نضع في الاعتبار من لم يتم تشخيصهم/ن بعد أيضًا.
وفي هذا المقال نتساءل معًا إذا كان مرض السكر “صاحب صاحبه” أم عدوًا لدودًا سيفتك بمن يحويه ويودي بحياته/ا لا محالة؟

في البداية، هل مرض السكر يعني بالضرورة أن المصابين به  يأكلون السكر بكثرة؟

مرض السكر له أكثر من نوع، وأنواعه الأساسية هما النوع الأول والذي عادةً يصيب الأطفال، و يقال عليه النوع المعتمد على الأنسولين (Insulin Dependent DM)، بسبب النقص التام في إفراز هرمون الأنسولين في جسم من يعانون من هذا النوع على وجه الخصوص. 

أما النوع الثاني، فهو الذي ينتج عادةً بسبب مقاومة الأنسولين في الجسم، ومن ضمن عوامل الخطر المرتبطة به: السِمنة، التقدم في العمر، التاريخ المرضي في العائلة، النظام الغذائي غير الصحي بما في ذلك قلة الحركة أو النشاط الجسدي.

لذا فإن ربط المرض بأكل السكر بكثرة غير دقيق للأسباب التالية:

1- في النوع الأول للمرض، يكون السبب عادةً مناعي؛ بمعنى أن مناعة الجسم تقوم بمهاجمة الخلايا المسؤولة عن إفراز الأنسولين، بدلًا من مهاجمة الأجسام الغريبة عن الجسم فقط.

2- وفي النوع الثاني، قد يكون أكل السكر بكثرة من مسببات حدوث السمنة، وبالتالي مقاومة الأنسولين بمعنى منعه من أداء وظيفته في إدخال الجلوكوز عبر الخلايا ليتم حرقه بسبب نسبة الدهون العالية في الدم، مما يؤدي لإفراز الأنسولين بشكل طبيعي في بداية الأمر ثم نقصانه مع الوقت بسبب المقاومة المستمرة. لذلك فإن أكل السكريات لا يشكل سببًا مباشرًا أو حتميًا لحدوث النوع الثاني من مرض السكر الذي يرتبط بالعديد من عوامل الخطر كما وضحنا مسبقًا.

كيف يُقدَّم السكر كمرض لأصحابه ولبقية العالم؟

يُقدَّم السكر دائمًا على أنه البعبع الذي سيعاشرك طوال عمرك الباقي، وإن لم تحذر منه و “تعمل له ألف حساب” سيكون أول من يقضي على حياتك. وإن لم يقضِ عليها فستكون حياتك تحت رحمته وتحت تأثير مضاعفاته العديدة على جميع أجهزة الجسم.

ولكن هل تحمل هذه الادعاءات شيئًا من الصحة؟

نعم، ولكن دعوني أُعيد صياغة الفقرة السابقة بما يتناسب مع الحقيقة والواقع، ولكن في الوقت ذاته يتبع التشجيع والدقة كمنهجية للتعامل مع الأمراض المزمنة بدلاً من التخويف والترهيب. 

لذا، سأقول:

لابد أن يُقدَّم السكر على أنه الصديق الذي سيعاشرك طوال عمرك الباقي، فإن أحسنت صداقته وعشرته ومحاولة الاتساق معه سيكون آخر من يجب عليك القلق منه. ولكن مضاعفات مرض السكر تظل مُحتملة في حالة عدم الالتزام بالعلاج والنظام الغذائي الصحي والمتوازن الذي لا يُبنى أبدًا على الحرمان كما اعتدنا.

لماذا يشكل التخويف والترهيب إذًا المنهجية السائدة في التثقيف الصحي؟ 

لأن التخويف والترهيب هو -بلا شك- طريقة رادعة لا بأس بها، وقد تأتي بثمارها في كثير من المواقف لتحجيم أضرار معينة قد تلاحقنا. 

ولكنها -بلا شك أيضًا- منهجية غير مستدامة، بمعنى أنها تردع الناس في بداية الأمر ولكن سرعان ما يطوروا  منهجيات أخرى لتخطي هذا الخوف و التحايل عليه.

فعلى سبيل المثال، قد يُستخدم التخويف في تربية الأطفال لمنعهم عن سلوكيات معينة قد تضرهم، عن طريق  التركيز على العواقب والأضرار التي قد تحدث لهم إن سلكوا هذه السلوكيات. ولكن من واقع ما نرى في حياتنا اليومية، فهذه المنهجية تكون قصيرة المدى ولا تمنع فضول الناس وحبهم لاستكشاف الأشياء المختلفة والتمتع ولو للحظات.

ولذلك لا تتماشى هذه المنهجية بالضرورة مع أصحاب الأمراض المزمنة، حيث أنه كلما أدرك المريض/ة أن المضاعفات قادمة لا محالة مثلما يُشاع عن مرض السكر على سبيل المثال، ستكون النتيجة هي تقديم المتعة اللحظية على الفائدة المرتقبة على المدى البعيد التي تتمثل في العافية البدنية وتجنب مضاعفات المرض.

فكم من مرات سمعنا مرضى السكر يرددون مقولة “هي عيشة ولا اكتر” وغيرها من التعبيرات التي تدل على فقدان الأمل في الصحة والعافية، وبالتالي اختيار المتعة والسعادة اللحظية المتمثلة بالنسبة لهم/ن في وجبة شهية ودسمة، أو سعادة عدم الاكتراث بأخذ حقنة الأنسولين مع الأكل، أو الالتزام بالأدوية في مواعيد ثابتة.

كيف تحدث هذه المضاعفات إذًا؟

تزداد فرصة حدوث المضاعفات المزمنة لمرض السكر عندما يكون مستوى السكر في الدم غير منضبط لمدة زمنية طويلة، مما يتسبب في التأثير على الأوعية الدموية فيما يُعرف باعتلال الأوعية الدموية الدقيقة    Microangiopathy، وأمراض الأوعية الدموية الكبيرة Macrovascular Diseases، بالإضافة للتأثير على الجهاز المناعي وزيادة الالتهابات في الجسم، وبالتالي إضعاف وظائف الجسم المختلفة والتي من ضمنها:

1- وظائف الكلى 

2- جودة الأعصاب وخاصةً الأعصاب الطرفية

3- وظائف الشبكية بالعين

4- جلطات القلب والمخ

5- زيادة فرصة الإصابة بضغط الدم العالي

6- القدم السكري

هل يؤثر مرض السكر على وظائف الأعضاء الجنسية والإنجابية؟

يؤثر مرض السكر غير المنضبط Uncontrolled Diabetes على الصحة الجنسية والإنجابية عن طريق:

1- التأثير على جودة الأعصاب فيما يُعرف باعتلال الأعصاب السكري Diabetic Neuropathy، وهو ما قد يؤدي إلى ضعف الأعصاب الحسية على سبيل المثال، وبالتالي تأثر جودة النشوة الجنسية والقدرة على حدوث الاستثارة الجنسية الحسية أثناء الممارسات المختلفة.

2- التأثير على جودة الانتصاب عند الذكور بسبب تأثر الأوعية الدموية المسئولة عن انتصاب القضيب فيما يُعرف بال Erectile Dysfunction.

3- التأثير على جودة الانتصاب عند الإناث بسبب تأثر الأوعية الدموية المُغذية للبظر باعتباره النسيج الانتصابي المقابل للقضيب عند الإناث، بالإضافة لتأثر الشفرات الخارجية والداخلية أيضًا.

4- التأثير على القذف والتسبب في القذف التراجعي Retrograde Ejaculation بسبب تأثر العضلات المسئولة عنه نتيجةً لاعتلال الأعصاب المغذية لها.

5- جفاف المهبل عند الإناث بسبب تأثر الأوعية الدموية المغذية للأعضاء الجنسية والتناسلية الأنثوية.

6- زيادة فرصة حدوث عدوى الجهاز البولي والتهابات المهبل عند الإناث بسبب تأثر وظائف الجهاز المناعي.

هل الأمل في تجنب مضاعفات مرض السكر أمل كاذب؟

لا، بدليل وجود الكثير من مرضى السكر ممن استطاعوا بالفعل إما تجنب حدوث المضاعفات المزمنة على الإطلاق، أو تأخيرها، أو تقليص حجم ضررها وتأثيرها على جودة حياتهم/ن.

ولكن من أجل حذو نفس خطوات من استطاعوا تحقيق ذلك، لابد من معرفة التالي:

1- تقل أو تنعدم فرصة حدوث المضاعفات المزمنة لمرض السكر إذا كان مستوى السكر التراكمي في الدم HBA1C مسيطر عليه لفترة زمنية طويلة بحيث لا يتخطى 7.5%، وكلما قل عن هذه النسبة كلما قلت أيضًا فرصة حدوث المضاعفات.

2- نظرًا لطبيعة المرض وعدم وجود علاج شافي له حتى الآن، مما يجعله مرضًا مزمنًا و مصاحبًا للمريض/ة طوال الحياة، لابد من تثقيف المريض/ة صحيًا بشكل كافي ووافي من بداية التشخيص وتوضيح معلومات أساسية عن المرض، مثل:

  • أسبابه
  • وعلاجاته المتاحة
  • ومضاعفاته الممكنة سواء كانت حادة أو مزمنة
  • وكيفية تجنب هذه المضاعفات
  • وما هو شكل النظام الغذائي الصحي -غير القائم على الحرمان- الذي يمكن للمريض/ة اتباعه بشكل واقعي
  • وما هي أحسن الممارسات التي يمكن للمريض/ة اتباعها من أجل تحسين جودة الحياة في ظل التعايش مع المرض
  • وأخيرًا ما هي علامات الخطر التي يجب للمريض/ة استشارة الطبيب/ة عند حدوثها.

3- إذا كنت حديث/ة التشخيص بمرض السكر، لك كامل الحق في الشعور بما تشاء؛ فقد تشعر/ين بالحزن، أو اليأس، أو الخوف. فكل هذه المشاعر منطقية ولابد من اختبارها مرة على الأقل خلال رحلتك مع أي مرض مزمن.

ولكن، تذكر/ي أن الخوف من المضاعفات المزمنة سيجعلك ملتزمًا بالعلاج والحياة الصحية لفترة قد لا تطول. وإنما الرغبة في التعايش مع المرض، ومصاحبته، والحرص على جودة حياتك في ظله هي ما يضمن لك البقاء صحيحًا، وعفيًّا، وبدون مشاكل صحية ناتجة عن المرض على المدى البعيد.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات