تعتبر ظاهرة سفاح القربى في دائرة المحظورات والتابوهات الاجتماعية، مما يساهم في التكتم عنها واستمرار الاعتداء على الضحية لسنوات عدّة في الكثير من الحالات.
- ما هو سفاح القربى؟
سفاح القربى هو شكل من أشكال الاعتداء الجنسي يقضي بدفع طفل أو مراهق أو راشد على القيام بنشاط جنسي مع أشخاص تربطه بهم صلة قرابة، أي من العائلة المباشرة أو الممتدة، وتكون معاشرتهم غير قانونية ومحرّمة اجتماعياً وخلقياً.
يعرّف الاعتداء الجنسي على أنه كل استغلال أو استخدام، أو إقناع، أو إغراء، أو استمالة، أو إكراه لأي قاصر (ما دون 18 سنة) على المشاركة في أي سلوك جنسي صريح،
أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، وقد تكون جسدية (لمس، تقبيل، تحرش...)، بصرية (عرض الأعضاء التناسلية....)، شفهية (مخاطبة القاصر بطريقة جنسية...) أو عن طريق التقاط صور أو اتجار بالقاصرين.هناك ثلاثة أنماط مختلفة لعلاقات سفاح القربى بحسب الجنس والعمر: أنثى بالغة بحق ذكر قاصر، ذكر بالغ بحق أنثى قاصر وهي الحالات الأكثر شيوعا،ً وشخصين بالغين بحق أحدهما الآخر.
سفاح القربى أوسع وأشمل من مصطلح " زنا المحارم" الأكثر شيوعاً في البلدان العربية، إذ إن مصطلح "زنا المحارم" يُستخدم عند حصول علاقة جنسية تامة بين شخصين من العائلة الواحدة،
وقد تكون صلة القرابة مباشرة (الأب، الأم، الإخوة، الجدّ، الجدّة) أو من العائلة الممتدة (عم، عمة، خال، خالة، وتشمل كذلك زوج الأم وزوجة الأب أو كل من يقوم مقام أحد الوالدين) حتى لو لم تكن هناك قرابة دم. - هل سفاح القربى مشكلة شائعة؟
من الصعب قياس هذه الظاهرة نظراً للكتمان الكبير الذي يحيطها من قبل الضحايا أو من قبل العائلة والمجتمع، وترجحّ الأرقام أن الحالات التي يتمّ التحدث عنها لا تشكّل إلا 10% من مجموع الحالات،
لكن هناك دلالات كثيرة تشير إلى وجودها وانتشارها في كافة المجتمعات وضمن جميع الفئات الاجتماعية.تعود أسباب هذا الكتمان بصورة رئيسية إلى التخوف من قبل العائلة من التفكك الأسري، ومن الفضيحة الاجتماعية التي تؤثر سلباً على سمعة العائلة.
لذا غالباً ما نرى أن الأم تسكت عن حالات المعتدي على أولادها رغم علمها بها، وخوفاً من الفضيحة مما يجعلها شريكة في الجرم.
أما بالنسبة للضحية، فهي تلتزم الصمت في الكثير من الحالات خوفاً من المعتدي (تهديدات، ابتزاز، تسلّط) ومن ردة فعل الوالدين أو الأقارب ومن أن لا يصدقها أحد،
وخوفاً من أن يلقى اللوم عليها، عدا عن الشعور بالعار والإحراج، والاقتناع بأنها مسؤولة عمّا يحدث وعدم معرفة إلى أين وإلى من تلجأ. -
ما هي علامات تعرّض الضحية إلى سفاح قربى؟
تعطي ضحية سفاح القربى مؤشرات متعددة جسدية منها ونفسية.
مثال على ذلك اضطراب في النوم، فقدان الشهية، تقلّب في المزاج، الانطواء والانعزال عن المحيط وأفراد العائلة، الشعور بالخوف، رفض الذهاب إلى مكان معين أو بالبقاء مع شخص معين،
الاستخدام المفاجئ لكلمات جنسية أو أسماء جديدة لأعضاء الجسم الخاصة، الشعور بعدم الارتياح أو الرفض تجاه العواطف الأبوية التقليدية،
سلوك أكثر عدوانية مع الإحساس بالألم أو بالرغبة في الحك بالأعضاء التناسلية، والإصابة بالأمراض التناسلية خصوصاً قبل سن المراهقة. -
ما هي الانعكاسات الاجتماعية والنفسية؟
إن انعكاسات هذه الظاهرة خطيرة جداً، إذ تشكل بالنسبة للضحية حالة صدمة تترك الكثير من الآثار على الضحية على المدى القصير والطويل وعلى جميع المستويات الجسدية والنفسية والعقلية والعلائقية:
عدم احترام الذات، أفكار بالانتحار، قرف واشمئزاز من الجنس، أرق، اضطرابات جسدية، أمراض جنسية.
من العواقب الأخطر، الحمل غير المرغوب فيه، والذي غالباً ما يؤدي إلى إنجاب أولاد غير شرعيين أو إلى قتل الأم الحامل تحت شعار جريمة الشرف.
في الكثير من الحالات، تدفع هذه الظاهرة إذا لم تعالج، إلى اتجاه الضحية نحو الدعارة والبغاء وممارسة العنف على ضحايا آخرين، وغير ذلك من الممارسات الجنسية غير الصحية، خاصة إذا كانت الضحية قاصر.
ومن الانعكاسات السلبية أيضاً تفكك العائلات، وتكون الآثار أعمق وأشد وطأة عندما تكون الضحية في سن أصغر أو عندما تكون مدّة العلاقة أطوّل، وفي ظل غياب بيئة قانونية آمنة، وصعوبة رفع شكوى أو محاكمة أو غيرها من الإجراءات ضد الجاني. -
كيف يمكن معالجة الموضوع؟
لا تزال القوانين التي تعالج ظاهرة سفاح القربى في الكثير من البلدان العربية دون الحد المطلوب وفيها الكثير من الثغرات. فعلى سبيل المثال، يخصص القانون اللبناني والأردني مواد خاصة لجرائم سفاح القربى.
أما في القانون المصري، فيتم اللجوء لنصوص الاغتصاب وهتك العرض عند النظر إلى قضايا سفاح القربى، ولكن تبقى الأحكام في جميعها خجولة لا تردع الجاني عن تكرار جزائه ولا تأخذ حق الضحية.
ولكن في انتظار تعديل القوانين، من المهم توعية القاصر بأسلوب علمي عن احتمال تعرضه للإساءة الجنسية.
في حال تعرضه، يجب حثه على إخبار الأهل أو أي شخص راشد يثق به. ومن المهم أيضاً أن نصدّق القاصر في حال أخبرنا عن تعرضه لأي نوع من الاعتداء،
وتحفيزه على الإفصاح عن مشاعره عبر الإصغاء الفعاّل، وطرح الأسئلة المفتوحة، وإعادة صياغة الأفكار للتأكد من حسن الفهم. فضلاً عن توجيه الضحية إلى مراكز مختصّة وإلى الأخصائيين الذين بإمكانهم المساعدة.
ويبقى الحل الأهم في التبليغ عن الجاني وضرورة إعادة تأهيليه لأنه دون محاكمة وعقاب تبقى عجلة الاعتداء مستمرة.
