لماذا مازلنا نتحدث عن تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية (ختان الإناث)؟

مَر أكثر من 50 عقداً على بداية حملات التوعية ضد جريمة تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية؛ وحتى الآن مازال مستشرياً في مجتمعنا. فوفقاً للمسح الصحي الأسرة المصرية لعام  2022، 86٪ من النساء بين عمر الـ 15 والـ 49 تعرضن لتشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية، ويعد هذا انخفاضاً عن المسح السكاني الصحي لعام 2014 بمقدار ٦٪ فقط.

 تبنت هذه الحملات استراتيجيات مختلفة، وطوت في عملها الكثير من الأفكار التي نجحت تارة، وولدت مشاكل أكبر تارة أخرى: بعض الحملات انطلقت من التخويف أو ما يُطلق عليه التوعية لتقليل الضرر (harm reduction) وحملات أخرى ركزت على التجريم بالقانون، بينما دعت بعض الحملات للجوء للطب أو، بكلماتٍ أخرى، ترك القرار  للمتخصصين/ات بعد “تقييمهم” للحالة واستعانت بعض الحملات برجال الدين في محو أثر الفتاوى التي نشرها من سبقهم/ن.

عملت الحملات، ومازالت تعمل، وفي طياتها تصور الجهل وقلة التعليم والفقر كأحد الدوافع الرئيسية لارتكاب تشويه الأعضاء الجنسية  الأنثوية. ليصبح الحديث عن الختان مرتبط بالطبقات الأفقر أو بالحدود الجغرافية للريف والصعيد، وفقاً للتصور أن سكان المركز أكثر تحضراً وفهماً. وصحيح  أن المسوحات تشير لزيادة احتماليات حدوث الختان في حالة كان الأهل أقل حظاً في التعليم، إلا أنها لا تنفي وجود الختان كممارسة في بيئات ووسط  مجتمعات مختلفة.

تساؤلات وافتراضات

تصلنا الكثير من التعليقات على الحب ثقافة طارحة تساؤل يستحق التوقف “لماذا مازلنا نتحدث عن الختان؟”، “الختان يمارسه الفقراء”، “الختان خطأ، لكن عمليات التجميل قد تكون مطلوبة”، “طالما أن الختان لا يمنع المتعة، ما المشكلة إذاً؟”. تشير هذه التعليقات على فجوة في الطرح العام لقضية الختان وكيف نتعامل معه. أصبحنا أمام 1) الختان يحرم النساء من المتعة، 2)الختان لا يمنع المتعة، 3) الطبيب/ة يقرر، 4) ربما تقرر النساء في لحظة زمنية ما أن تجري “عملية تجميل” للأشفار لأن مشكلة الختان تكمن في أنه ممارسة تجرى لطفلات ليس لديهن الحد الأدني من مقومات الاختيار الحر، 5) الختان ليس له نفس الأثر على الجميع، فلماذا التعميم؟ فكيف نتحرك وسط هذا الكم من ما يراه البعض “تناقضات”؟

لكي نفهم هذه النقاط سوياً، مهم أن نضعها بجانب بعضها البعض. تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية يحدث بقرار من الأهل، وتحت حجة أنها ضرورة لتصبح امرأة كاملة الأنوثة أو حتى بوعد ضمان قابلية المرأة للزواج. العملية ليس لها مرجعية علمية، أو وصف مكتوب لما يتم إزالته وما يتم تركه. وبالتالي، هي عملية ارتجال من الطبيب/ة أو الممرض/ة أو غيرهم. خلال هذه الممارسة، يُزال الجزء الخارجي للبظر، وهو الجزء الأكثر حساسية للاستثارة الجنسية، وليس للرغبة، وهذه وظيفته الأساسية في الجسم. وقد يتم إزالة جزء من الشفرات الصغيرة كلاهما أو واحدة منهما، لا أحد يعرف، تذكروا أنها محض ارتجال.

تنتهي الممارسة بذكرى غير مفهومة بالنسبة لمن وقع عليهن الضرر، وتُصاحب بألم لا تعرف من تمر به سببه ، وفيما بعد يبدأ استيعاب آثار هذه الممارسة على الفتيات/النساء. فيضاف لها شعور بالانتهاك والخوف من شكل الجسم ومدى كفائته، وتبقى ذاكرة الجسد تميز الألم وتعمل على تجنبه مرة أخرى أو تجنب أي موقف يستحضر أو يكرر هذا الألم. ويصبح سؤال، هل جسدي سيستجيب للمتعة؟ هل مازلت كاملة؟ سؤال عالق وعائق بين النساء وبين الثقة في أجسادهن. بل، الثقة في الأهل، دائرة الأمان، ومساحة الحب المطلق. هل ستؤثر هذه التجربة على المتعة من ناحية جسدية ووظيفية ونفسية وعلائقية -شكل العلاقات الحميمية والمقربة-؟ الإجابة بالطبع نعم. ولكن لماذا نتحدث عن إمكانية المتعة؟

المتعة ممكنة 

نتحدث عن المتعة الجنسية، لأن بالفعل تحقيق هذه المتعة ممكن، حتى لو كان الجزء الذي يُزال أثناء ممارسة هذا التشويه هو جزء مسؤول عن المتعة الجنسية بشكل مباشر. ولكن في حقيقة الأمر، إن المتعة الجنسية يمكنها أن تتحقق جسديًا بطرق عدة: فالبظر له جزء داخلي يمكن استثارته، والجسم مليء بنقاط استثارة أخرى، كما أن الرغبة الجنسية تبدأ بالمخ وليس البظر، وهذه هي بداية دورة الاستجابة الجنسية.

ولكن الرغبة الجنسية والاستثارة تتطلبان أيضاً عوامل متعددة للتحقق، من ضمنها بالطبع السلامة الجسدية، لكن السلامة النفسية وتفهم الشركاء وتوافر مصادر الدعم المتخصصة لكل المجتمعات باختلاف احتياجتها والشعور بالأمان والثقة،  وأيضًا وجود مجتمع به مساحة تشجع جميع أفراده، ومن ضمنهم النساء، على استكشاف مواطن الاستمتاع في أجسادهن دون شعور بالخوف من الوصم أو العنف، جميعها عوامل تساهم في قدرة الأفراد على تحقيق المتعة. فالمتعة في المطلق لن تتحقق بمجرد كون الشخص لم يتعرض لتشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية. وبالمثل، التعرض لتشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية لا ينفي إمكانية المتعة.

ولذلك من الضروري التطرق لكل هذه الجوانب عند التفكير في تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية. فمن المهم أن نفكر في الطرق التي يمكن للنساء أن يعيشن ويتكيفن ويتخطين آثار هذه التجربة من خلالها. ليس فقط فيما يتعلق بالجزء الوظيفي الذي فُقد في هذه الممارسة، ولكن فيما يتعلق أيضًا بكيفية استعادة النساء الثقة والأمان في أجسادهن، وفي تهيئة الظروف التي تساعدهن على التعامل مع المتعة كحق، في سياق تعلمت فيه أجسادهن منذ الطفولة علاقة الألم بالأعضاء الجنسية. ولذلك نتحدث عن المتعة بعد الختان، لأن المعافاة والشفاء حق. وكونهما ممكنان لا يعني أن الفعل لم يكن انتهاكاً في أصله. هل تشويه الأعضاء الجنسية  الأنثوية هي نهاية العالم؟ الإجابة لا. ولكن لا معنى لتجاهل المعاناة لأن البعض تمكن من تجاوزها، والعكس صحيح؛ فالمرور بالمعاناة لا يعني عدم إمكانية تجاوزها إذا توفرت الظروف اللازمة لذلك.


هل تعديلات القانون كافية لتغيير الوضع القائم؟

تم تغليظ عقوبة “جريمة” الختان، وشطب جملة “الدواعي الطبية” التي بنى عليها الكثير حجتهم لارتكاب الختان. ونعم، تشير النتائج الأولية للمسح الصحي للأسرة المصرية أن هناك انخفاضًا في نسب ممارسة ختان الإناث المتوقعة بين الفتيات الأصغر سنًا (0-19 سنة)، من 56.3% في المسح السكاني الصحي لعام 2014 إلى 27٪ في المسح الصحي للأسرة المصرية.

إلا أنه كما عبرت قوة العمل لختان الإناث “لا تزال هناك احتمالية كبيرة للفتيات في هذه الفئة العمرية للخضوع للختان، كما أن انتشار المعرفة بوجود قانون لمكافحة ختان الإناث والذي يعاقب الوالدين إذا أجروا ختانًا لإحدى فتياتهم قد يكون له تأثيره في عدم إفصاح الأمهات عن نواياهن لختان بناتهن في المستقبل، وهو ما قد يكون أسهم في انخفاض النسبة المتوقعة للأمهات اللاتي ينوين ختان بناتهن من 34.9% في سنة 2014 إلى 12.8% في سنة 2021”.

تطبيب الختان، كيف ساهم ذلك في استمرار تلك الممارسة؟

في محاولة للمرور بمرحلة انتقالية من تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية على يد داية أو حلاق صحة أو ممرض/ة بدون تخدير وفي بيئة غير معقمة وعرضة لانتقال العدوى خاصة في ظل استخدام أدوات تطهير مثل تراب الفرن أو الكي أو غيره، هذا وعوامل أخرى دفعوا بنا لمفهوم أن الطبيب/ة قد يكونوا أكثر أماناً لإجراء العملية. نعم، فرص العدوى أقل ولكن فعل تشويه الأعضاء الجنسية مازال قائماً، والألم ما بعد العملية مازال موجوداً، وتبعات هذا التشويه  النفسية والجنسية مازالت حاضرة كما هي.

وهنا يجب علينا التساؤل “ لماذا تقوم النساء اللاتي اختبرن الألم بإعادة  إنتاجه؟”

 “إن ممارسات واختيارات النساء محددة بسياق اجتماعي وسياسي، وتراكم تاريخي أكبر من إراداتهن الفردية. هذا 

السياق هو ما يضع الأطر التي تستطيع النساء المقاومة والتفاوض من خلالها.”

دعونا نبدأ الحديث من نقطة البداية إذاً، مع التجرد التام من أي تصورات. ما هو الختان؟ ومن يتعرضن له؟ وما هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يحدث خلالها؟

الختان هو ممارسة توارثتها الأجيال في مصر، مدفوعة بتصورات عن الرغبة الجنسية وعن فرص نمو البظر ليصبح قضيباً، أو حتى أن تتحول النساء لوحوش هائجة جنسياً أو تطلب الجنس مراراً وتكراراً ولن يكفيها رجل واحد. هذه التصورات تتماشى تماماً مع الأدوار والصفات المجتمعية التي يجب على النساء الالتزام بها وتبنيها. وعدم الامتثال لها يعرضهن لأشكال مختلفة من العقاب المجتمعي والوصم. وفي وضع قد تحتاج فيه النساء للزواج لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، لا تملك النساء رفاهية عدم الالتزام بما يفرضه المجتمع عليهن. “[فلقد] أظهر المسح السكاني الصحي لعام ٢٠٠٨ أن ٦٣% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٥ و٤٩سنة يعتقدن أن [تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية] ممارسة يجب أن تستمر، كما كانت تفضيلات الأزواج للنساء المختونات ومنع [ممارسة الجنس خارج إطار الزواج] من بين الأسباب الأكثر ذكرًا من قبل النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٥و٤٩ عامًا لدعم هذه الممارسة (٦٠%، ٣٩% على التوالي)”.

ولذلك، فإن الختان ليس ممارسة فردية، فهي تحدث وسط مجتمع يشجع أو يعاقب من يمتثلن أو لا يمتثلن له، حتى لو كان الفرد يقوم به باختياره بعد سن البلوغ. فالبعض يقول إذا كانت مشكلة تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية هي أن الفتيات يكن في سن الطفولة وبدون قدرة على اتخاذ قرار واعي، فلماذا لا نترك الأمر للنساء عندما يكن في عمر أكبر. وإجابةً على ذلك أدعوكم لتذكر الدافع الحقيقي وراء الختان: الخوف من متعة وجنسانية النساء. إذاً، تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية ليس خيار شخصي نتيجة  لتفضيل، ولكن نزول على ضغوط وتصورات المجتمع أن متعة النساء خطر وأن الأشفار المتناسقة المرتبة هي الخيار المثالي لأي امرأة ترغب أن تصبح مرغوبة من شركائها.

وبالتالي، من الضروري رؤية هذا القرار الذي يتخذه الأفراد في ضوء الظروف الأكبر التي يتخذون هذا القرار فيها وفهم الطريقة التي تمثل بها هذه الظروف ضغطاً بأشكال مباشرة وغير مباشرة على الأفراد. لذلك لا يمكن أن نلوم فرد واحد على هذا القرار أو نُرجِع الإقدام على الفعل نفسه لقلة التعليم أو التواجد في منطقة نائية؛ حيثُ أن هذه المشاكل هي الأخرى ليست مشاكل فردية، ولكن مشاكل فوارق طبقية لم يصنعها الفرد ولكن صنعتها الظروف التي ينشأ الأفراد فيها. وبالتالي، فهم تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية يحتاج لفهم المشهد بأكمله، وليس اقتطاع جزء من المشهد سواء للدفاع عنه أو التوعية ضده.

ومن هنا نستنتج أن تغيير المفاهيم المجتمعية المتجذرة ليست مسألة سهلة أو جامدة، بمعنى أن المشكلة لاتتغير فور توضيح سوء الفهم أو المعلومة الخاطئة. بكلماتٍ أخر، الختان لن يتوقف فور توضيح أنه انتهاك. التغير المجتمعي هي عملية مليئة بالمناورات والأخذ والرد. وكلما بدأنا من نقطة لا تتعرض للأسباب الجذرية بل فقط القشور، طالت مدة هذه المناورة. تماماً مثلما واجهنا الختان بمفهوم رأي الطبيب/ة، فظهر تطبيب الختان الذي تحدثنا عنه سابقاً. وهو ممارسة الختان على يد أحد أفراد الأطقم الطبية. وبعدما ظهرت مشكلة وجود أطباء مؤيدين/ات للختان، بدأنا نتحدث عن أن رأي الطبيب/ة ليس المعيار.

وأخيراً، أود التأكيد على أن الحديث عن الختان والمتعة يجب أن يتم في سياق أكبر ويجب أن يتم مناقشته بالإشارة لجذور المشكلة، ونقد لكل المناهج التي تعاملت معه، مع كامل التفهم لدوافعها واستراتيجياتها. ولكن من الضروري أن نتحدث عن الختان ونحن آخذين بعين الاعتبار أن “[النساء لا تحتاج لمن يخبرهن عن ألم اختبرنه بأنفسهن] فالشخص المضروب لا يحتاج لشخص آخر يقول له أنه ضُرب، لكنه يحتاج أن يثق في عدم تعرضه للعقاب إذا ما اعترض أو حاول وقف الاعتداء الواقع عليه، ولن يوصم ولن يُتهم بالجنون.”

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (3)

  1. حماتي اجبرتني على العري قبل الزواج واجلستني في وضعية محرجة وكنت خائفة منها واتبع تعليماتها وتعليمات خطيبي وفحصتني وتضايقت عند لمسها ولم اكن مختونة وكانت توبخني لماذا اهلي لم يختنوني ولم اعلم معنى ذلك وارهقتني وآلمتني في الفحص عند فتحة المهبل بعدم ادخالي شيء ام ممارسه الجنس مع شخص آخر بأصابعها كانت توسع مدخل الفتحة وتقول لي ان ارخي نفسي وتبحث عن غشاء البكارة واخبرتني ان اكح كثيرا استغربت كثيرا من الفحص وتقول لي نزلي السائل بتاعك وكنت في عمر ١٤ ولم افهم عليها وكانت تدلك أثدائي دائما ليزيد الحجم وكنت اتقلب ليصبح جسدي كإمرأة وان اكون جاهزه للزواج في سن ١٥ وبعض الاحيان كانت تدلك بظري لاصل مرحلة التقلابات وانزل افرازاتي وتأخذها وتضعها على صدري وتدلكهما شعرت بالفرق بعد فترة نمو الثديين بشكل واضح واصبحتا بارزيين ولاحظ خطيبي بذلك وكانت تفحصني مدى سخونتي في الجنس وتتأكد من ان خطيبي سيستمتع بجسدي في يوم الزواج وكانت تدعني امص الخيار وتدخلهةفي فمي وكانت تخنقي. وحدث الكثير 💔 ولدي أطفال الان.

    1. نأسف للتجربه الأليمه التي تعرضتي سواء من تحرش أو الزواج المبكر ونتمنى لك الصحة والسلامة
      نشجعك على التوجه للحصول على دعم نفسي عن طريق طبيب/ه متخصص/ه او معالج/ه

  2. موضوعات مهمه جدا جدا
    لاستقرار المجتمع ولن يستقر المجتمع الا بأنصاف المراه من ولادتها إلى اكرامها عند الوفاه
    لان المراه هى اركان المجتمع الذى لا ينجح الا
    بأعطاء المراه كافه حقوقها فى الرعايه وعدم ظلمها أو الجور عليها ،،،ارجو التواصل لافادتكم

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات