علاقات صحية في ظل التعايش مع فيروس نقص المناعة البشري
تعلمت في سياق عملي كطبيب جراح كيفية إيصال الأخبار السيئة للمريض/ة أو لأسرته/ا. فمن المعتاد، قبل أي إجراء جراحي، كَبُر أو صَغُر، إجراء بعض التحاليل الروتينية لضمان سلامة المريض/ة والطبيب/ة.
تُظهِر هذه التحاليل الروتينية مفاجآت قد لا يكون المريض على علمٍ بها، مثل إصابته بمرض مزمن أو عدوى لم يدرِ بانتقالها له.
أول إصابة اكتشتفها في بداية مسيرتي المهنية الطبية بهذه الطريقة لمريض اتضح من تحاليله أنه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV). كان هذا المريض، الذي غالبًا لم يكن على علمٍ بإصابته، متزوجًا ولديه ثلاثة أبناء.
وفي هذه الحالة، فإن احتمالية إصابة الزوجة والأبناء تقترب من الحتمية؛ فلو لم يكن المريض على علم بإصابته، وإن كان مصابًا قبل الإنجاب، لن يتبع حينها إجراءات الأمان التي تُجنبه نقل العدوى لزوجته وأبنائه.
والمشكلة الأكبر أن، في أذهان الناس، يتساوى فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) بمتلازمة نقص المناعة البشرية المكتسبة (إيدز/سيدا). ولكن في الواقع مرض الإيدز، يتطور فقط في المراحل الأخيرة من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو شيء يمكن تجنبه.
ففي حالة فيروس نقص المناعة البشرية يمكن تقليل الحمل الفيروسي تمامًا في الدم (أي كمية الفيروس التي يحتاجها للانتقال والتسبب في عدوى) بنسبة تجعل نقل العدوى مستحيل حتى بدون ممارسة جنسية آمنة.
لمعرفة المزيد، يمكنكم/ن قراءة: الطب تقدّم.. تجاوزوا مخاوفكم من فيروس نقص المناعة البشري
ولذلك، يؤكد المجتمع الطبي أن انتقال العدوى لا يعني الإصابة بالإيدز/سيدا وأن لا تساوي بينهما. ولكن، نظرًا لما هو شائع، قد يتصور البعض أن إصابتهم بفيروس نقص المناعة البشرية تعني نهاية العالم.
ومع هذه المخاوف المشروعة، تتوالى أسئلة مُحيِّرة على أذهان المصابات/ين: هل يمكن التعايش والدخول في علاقة عاطفية أو حميمية والحفاظ على صحة الشريك/ة والإنجاب؟ وكيف يمكن بناء علاقة ناجحة وصحية في ظل التعايش مع فيروس نقص المناعة البشرية؟
ي/تقول أحد المتعايشين/ات مع العدوى: “اعتقدت أنني لن أتمكن من الدخول في علاقة أبدًا، وبرمجت عقلي على أنني سوف أظل وحيد/ة للأبد”.
ي/تستكمل القائل/ة أن الاكتشاف جاء صدفةً عندما قامت جهة العمل بإجراء فحص روتيني ما قبل التعيين وجاءت النتيجة إيجابية. تم إيقاف التعيين وشعر/ت حينها بأن حياته/ا قد انتهت؛ ولكن الفكرة التي سيطرت عليه/ا أنه/ا كما فشل/ت في الحفاظ على وظيفته/ا فلن ت/يتمكن من الدخول في علاقة ناجحة.
احتاج/ت الكثير من الوقت لقبول وضعه/ا الجديد وكونه/ا متعايش/ة مع عدوى ستبقى معه/ا طوال العُمر، إلا أن الدعم النفسي الذي تلقاه/تلقته صنع الفارق الأعظم في إعادة الثقة بالنفس والشعور بإمكانية الدخول في علاقة فيما بعد. فقد دخل/ت في علاقة ناجحة بعد تأكيد الطبيب/ة المعالج/ة أنه أصبح من الآمن ممارسة الجنس بدون وقاية بالنسبة له/ا ولا يمكن أن ت/يتسبب في نقل العدوى للشريك/ة.
هذه التجارب هي نتيجة لتعرض المتعايشين/ات في مصر بنسبة كبيرة لالوصم المجتمعي. حيث ارتبطت تلك العدوى – في العقل الجمعي خطأً – بالنشاط الجنسي بشكل حصري. فيظن البعض أن انتقال العدوى مرتبط بتعدد الشركاء الجنسيين، بل ويتم ربطها أيضًا بالعلاقات المثلية بين الذكور. وتاريخيًا تم تسمية الفيروس عند ظهوره في مطلع الثمانينيات ب “متلازمة نقص المناعة المكتسبة المرتبطة بالمثليين – GRID”، إلا أنه ومع اكتشاف حالات من النساء تم تغيير التسمية.
طالعوا أيضًا: فتيات تتعايشن مع فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)
تخبرني سمر، وهي متعايشة مع فيروس نقص المناعة البشري (HIV)، أنها لا تدري كيف انتقل لها الفيروس؛ هل بسبب الوخز بإبر الوشم الذي تعشقه؟ أم بسبب طبيب الأسنان الذي لم يهتم بتعقيم أدواته؟ أم بسبب علاقة جنسية تمزق فيها الواقي الذكري أو نسيت استخدامه؟
أكثر ما شَغَل بال سمر هو الإنجاب، فلقد كانت تحلم منذ الطفولة باللحظة التي تحتضن فيها وليدها. تقول :“حين علمت بإصابتي، كانت أول فكرة خطرت في بالي أنني لن أتمكن من الحمل والإنجاب”.
تخشى الكثير من المتعايشات الراغبات في الحمل والولادة والإرضاع من انتقال العدوى للجنين أو الرضيع/ة، ويفقدن الأمل بسبب إهمال ذِكر نِسَب وكيفية الوقاية لهن. وقد يؤدي ذلك إلى خوفهن من إخطار الشريك إذا كن في علاقة، أو قد يمِلن إلى العزلة ويتجنبن الدخول في علاقات من الأصل.
حين طرحت سمر بعض الأسئلة على الطبيب المعالج/ة في بداية الاكتشاف، رد عليها: “يمكنك الإنجاب وتقليل فرصة انتقال الفيروس للجنين سواء أثناء الحمل أو الولادة أو الرضاعة”. ولكنه لم يذكر نسبة احتمالية الانتقال أو الوقاية، ولم يحاول شرح آلية انتقال الفيروس وكيفية عمل العلاج. مما ترك سمر في حيرة من أمرها.
ولكن شريك سمر بحث عن الفيروس وتعلّم عن كيفية الحفاظ على علاقة صحية في ظل التعايش معه، ووجد أن نسبة انتقال العدوى للجنين في حال التزام الأم بتلقي العلاج واتباع تعليمات الطبيب/ة تبلغ أقل من 1٪ سواء أثناء الحمل أو الرضاعة.
طالعوا أيضًا: هذا الطفل لن يُصاب بفيروس نقص المناعة البشرية
يقع حمل كبير على المتعايش/ة في مشاركة وضعه/ا الصحي مع الشريك/ة. وبسبب الوصم المحيط بالإصابة بفيروس نقص المناعة البشري، يتخوف الكثير من المتعايشين من الصورة التي سيظهرون بها في نظر الشريك/ة حال المصارحة بإصابتهم وتشخيصهم.
يشاركني عادل*، أحد المتعايشين مع الفيروس، قائلًا: “كنت أخشى إخطار شريكتي بحالتي: إما ستحكم علي بسوء السلوك أو سوف تخاف من انتقال العدوى”.
جاء ذلك بعدما نصح الطبيب/ة عادل بوجوب إخطار الشريكة قبل الدخول في علاقة طويلة الأمد، حيث يميل البعض لممارسة الجنس بدون استخدام واقي ذكري في تلك العلاقات.
لكن في حالة وجود طرف متعايش/ة، يجب على الشريك/ة أن ت/يتلقى هو/هي أيضًا جرعات من العلاج الفيروسي القهقرى والمعروف باسم “تروفادا”، مما يجعل خطوة المصارحة ضرورية، ليتمكن الشريك/ة من اتباع الخطوات اللازمة للوقاية.
لا شك أن التعايش مع فيروس نقص المناعة البشرية قد يكون تحديًا كبيرًا للأشخاص المصابين به، ولكن بفضل التقدم الطبي والتوعية المتزايدة، أصبح من الممكن للأشخاص المصابين بالعدوى التعايش مع الفيروس والدخول في علاقات صحية تمامًا.
وهنا ننصح بمجموعة من الخطوات للتعامل والتعايش مع العدوى والدخول في علاقة صحية وإيجابية
1- التواصل مع الشريك/ة والدعم
أولًا، وقبل كل شيء، يعتبر التواصل المفتوح والصادق مع الشريك/ة عند اكتشاف الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أمرًا حاسمًا.
من المهم شرح الحقائق العلمية حول الفيروس وكيفية السيطرة عليه من خلال العلاج المناسب.
من المهم أن يكون الشريك/ة على دراية بطرق انتقال الفيروس وكذلك الاحتياطات التي يمكن اتخاذها للحد من الانتقال.
2– الدعم بين الشريكين
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك دعم متبادل وتفاهم بين الشريكين.
يمكن للشريك/ة أن ت/يقدم الدعم العاطفي والمعنوي للشخص المصاب/ة بفيروس نقص المناعة البشري ويساعده/ا على التعامل مع التحديات اليومية والأمور الصحية و المجتمعية المرتبطة بالفيروس.
3- الإلتزام بالعلاج
من الضروري أن يكون هناك التزام بالعلاج طوال الحياة، والتزام بالوقاية واتباع إجراءات الحماية المناسبة واللازمة مثل أدوية الوقاية لما قبل التعرض للفيروس وبعده لمنع انتقال الفيروس إلى الشريك/ة في حال كان مستوى الفيروس بالدم عاليًا ويسمح بانتقال العدوى.
ولذلك ننصح أيضًا بإجراء التحاليل الدورية و متابعة الحالة مع الأطباء المتخصصين للتأكد من إمكانية حدوث العدوى أو عدمها مع مرور الوقت والالتزام بالعلاج لفترة طويلة.
في النهاية، يجب أن يتذكر الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشري أنهم لا يحملون وزرًا ولا يجب أن يعيشوا في العزلة.
يمكنهم/ن أيضًا التوجه لمجتمعات الدعم والمجموعات التي تجمع بين الأشخاص المصابين بالفيروس والمشاركة فيها، حيث يمكنهم تبادل الخبرات والمشاعر والمعلومات المفيدة.
يمكن أيضًا الاستفادة من الاستشارة النفسية والاجتماعية للتعامل مع التحديات العاطفية والنفسية المرتبطة بالإصابة والتأقلم مع الوضع الجديد.
وأخيرًا، يجب أن يتذكر الجميع أن الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية هم أفراد يستحقون الحب والاحترام وفرصة لعيش حياة سعيدة ومستقرة.
*تم تغيير الأسماء لدواعي الخصوصية والأمان
طارق ممدوح ن