اطمئن/ي.. لن تتزوج/ي أبداً من الشخص المناسب
نبحث جميعاً عن علاقة حب مثالية، تنتهي بالزواج، ولكن الزواج المثالي غير موجود على الإطلاق.
كل يوم نستمع عن قصص عدم الرضا في العلاقات، ومع اطلاعنا على المواقع الاجتماعية، وعلى تجارب الآخرين، الطيبة منها والسيئة، يزيد الوعي بطبيعة العلاقات، بالتالي يزيد وعينا بأنفسنا وتنمو ثقتنا. قد نشعر أننا لسنا في العلاقة المناسبة، ولأننا نتعلم يومياً أنه ليس من المفترض أن نقبل علاقات غير مرضية لنا، نشعر أننا نستحق الأفضل.
ولكن السعي نحو الأفضل طوال الوقت قد يوصلنا إلى طريق مسدود، قد نشعر أننا لن نجد أبداً علاقة مناسبة لنا، أو حتى لو كنا في علاقة أو متزوجين، نشعر أننا ارتكبنا خطأ، والطرف الآخر لم يكن مناسباً لنا من الأساس، وهو ما ظهر من خلال العلاقة أو سنوات الزواج.
ولكن ماذا لو كان الواقع أنك لن تتزوج/ي أبداً من الشخص المناسب؟
“هذه مسألة معظمنا يخشى أن تحدث، ونفعل أقصى ما لدينا لتجنبها، لكننا نقع فيها رغم ذلك، ونتزوج من الشخص الخطأ”.
هكذا يقول الفيلسوف الإنجليزي آلان دو بوتون في مقال له نُشر بنيويورك تايمز عام 2016، هذا المقال الذي حقق مقروئية واسعة، ما جعل دو بوتون يتحدث عنه دوماً في فيديوهاته، ثم أفردت له مؤسسة “مدرسة الحياة” كتاباً نوجزه لكم هنا.
ما الذي يجعلنا نتزوج من الشخص الخطأ؟
1. لأننا لا نفهم أنفسنا
أول ما نتخيله أو نتمناه من الشركاء هو أن يكونوا “طيبين” أو “مرحين” أو “جذابين”، وغيرها من الصفات التي تبدو مباشرة، ولكنها لا تحمل معنى محدداً.
ولكن هل فكرنا في مقدار جنونهم؟
يقول دو بوتون إن الناس الوحيدين الذين يمكن أن نشعر أنهم طبيعيون هم الناس البعيدون عنا، ولكن ما إن نقترب من أحد حتى تتجلى لنا الجوانب المجنونة فيه.
هذه ليست مسألة تخص “الناس الآخرين”، بل تخصنا أيضاً، نحن جميعاً لدينا قدر من الجنون، نحمل قدراً من عدم الاتزان وعدم النضج، لا نشعر بهذه التفاصيل جيداً لأن أحداً لا يشجعنا على معرفتها.
نحن أيضاً لسنا طبيعيين تماماً، ولكننا لا نعرف ذلك جيداً، وغالباً لا يشير لنا الأصدقاء إلى هذا الجانب، وفي العلاقات العابرة، ما إن يُظهر لنا الشريك/ة هذا الجانب، حتى نلومه على أنه المخطئ، أو أنه لا يتقبلنا.
معظمنا يتصور أنه من السهل أن يعيش الناس معه ويعاشروه، ولكن على الأغلب هذا ليس صحيحاً، ولأننا لا نعرف أنفسنا جيداً، عادة لا نعرف من هو الشريك/ة الذي نريده حقاً.
2. لأننا لا نفهم الأشخاص الآخرين
الناس الآخرون مثلنا تماماً، لا يعرفون أنفسهم جيداً، وبالتالي لا يستطيعون تحديد ما المشكلة فيهم، ونحن بدورنا سنتخذ وقتاً طويلاً معهم حتى نعرف ذلك.
لا تعتقد/ي أنك بزيارة عائلتهم ومقابلة أصدقائهم ستعرفهم جيداً.
نحن نريد معرفة أعمق من ذلك، ربما في المستقبل سيخضع المقبلون على الزواج لاختبارات نفسية عميقة، ليفهم الشريكان بعضهما، ولكن في الوقت الحالي هذا غير متاح، وغالباً معظم ما نعرفه عن الآخرين نعرفه بما يظهرونه وما يبدون عليه.
3. لأننا لسنا معتادين على أن نكون سعداء
يرى دو بوتون أننا ندعى أننا نسعى إلى السعادة في العلاقات، ولكن ما نسعى إليه بحق هو “الألفة”.
ربما لن تصدقوا ذلك، لكننا قد نتجاهل علاقة مع بعض الأشخاص لأنهم متزنون جداً، وهذا الاتزان غريب عنا، ونفضل علاقة فيها كل المشكلات التي نشكو منها.
نحن لا نفضل هذه العلاقات لأن الشركاء فيها سيسعدوننا، ولكن لأنهم سيغضبوننا بطرق مألوفة.
نتعلم الحب أثناء طفولتنا مثلما نتعلم العديد من الأشياء، وقد يكون الحب مختلطاً بأشكال أخرى من المشاعر: مثل أن تكون تحت الحماية المفرطة، أو تشعر بالهجر أو التجاهل، أو انعدام التواصل، أو أي شكل آخر من أشكال المعاناة.
بالتالي قد نرفض بعض المرشحين المتزنين الذين نقابلهم، ليس بسبب أن فيهم شيئاً خطأ، ولكن لأنهم متزنون جداً (ناضجون جداً ومتفهمون جداً وجديرون جداً بالثقة)، ولكن هذا يبدو غير مألوف وغريب بالنسبة لنا، لذلك نتجه إلى مرشحين ينجذب إليهم لاوعينا الذي تولَّد لدينا منذ الطفولة.
نتزوج الشخص الخطأ لأن الشخص المناسب يبدو خطأ، وكأننا لا نستحقه.
4. لأن الشعور بالوحدة أمر سيء جداً
من الصعب اختيار شريك/ة بشكل عقلاني وأنت وحيد/ة، قد تكون الوحدة لدى معظمنا غير محتملة، لذلك نلجأ إلى أي فرصة من أجل خوض علاقة.
بعد سن معينة يضغط علينا المجتمع حتى لا نكون وحيدين، تصبح الوحدة غير محببة، الحياة الاجتماعية تتداعى، يتردد أي شريكين قبل دعوة شخص وحيد إلى منزلهم أو حفلتهم، قد يشعرون بالتهديد من استقلاله/ا. يشعر الشخص كالمنبوذ. يجد المرء صعوبة في أن يذهب إلى السينما أو المطاعم وحده.
وبالطبع هذا الوحيد لا يمارس الجنس، حتى في المجتمعات الغربية تصبح ممارسة الجنس أصعب بدون زواج ومع التقدم في العمر.
لذلك نتزوج هرباً من الوحدة، أو سعياً لممارسة الجنس. لذلك علينا أن ننظر إلى الزواج من منطلق البحث عن إيجابيات الشراكة وليس هرباً من الوحدة.
5. لأننا نبالغ في تقدير المشاعر
إذا نظرنا إلى الزواج من منطلق تاريخي، كان الزواج يجري لأسباب عقلانية، قد تسعى العائلتان لضم أراضيهما فيزوجان أبناءهما. لم توضع في الاعتبار عوامل السعادة والتوافق النفسي بينهما.
بعد ذلك حل محل زواج العقل أو المصلحة الزواج الرومانسي، أو ما نطلق عليه الزواج بالإحساس والمشاعر؛ إذا شعر شخص أنه “يحب” شخصاً آخر فهذا يكفيه. غالباً لا أحد يطرح أسئلة إضافية. تنتصر المشاعر دائماً.
قد نتجاهل التفكير بشكل تحليلي في الزواج لأن ذلك ينزع الرومانسية عن العلاقة. لو أفردت ورقة لتكتب/ي مزايا العلاقة ومساوئها سيبدو ذلك عبثياً وبارداً. أما الأمر الرومانسي والأكثر إثارة هو أن تتقدم لزوجتك المستقبلية سريعاً وبشكل مفاجئ، ربما يحدث ذلك بعد أسابيع قليلة من التعارف، وسط فورة الحماس.
بالطبع لا أحد يريد عودة الزواج العقلاني الصرف القائم على المصلحة، ولكن الرومانسية التلقائية لا تضمن وحدها زواجاً ناجحاً.
6. لأننا لا نتعلم الحب في المدرسة
نحن الآن في عصر جديد، بالطبع لا يصلح فيه زواج المصلحة المفرط في العقلانية والخالي من المشاعر، ولا ينبغي فيه أيضاً أن نكتفي بالمشاعر الرومانسية الخالية من العقل.
ولكن علينا أن نقضي وقتاً مناسباً لتعلم ما يعنيه الزواج أو الحب، وقد يعني هذا أن نطرح على أنفسنا أسئلة غير تقليدية أو معتادة، مثل:
– ما قدر جنون الشريك الآخر؟
– كيف يمكن أن نربى أطفالنا معاً؟
– كيف يمكن أن نطور أنفسنا معاً؟
– كيف يمكن أن نحافظ على صداقتنا رغم الزواج؟
7. لأننا نسعى إلى تجميد السعادة
نميل دائماً لمحاولة جعل الأشياء اللطيفة ثابتة.
هل تذكر/ين عندما زرت مدينة ساحلية في إجازتك، وراودك خاطر أنك تريد/ين أن تعيش/ي فيها دوماً، لا أن تسترخي فيها بشكل مؤقت.
يحدث هذا في العلاقات، الشخص الذي تقضي معه وقتاً طيباً اليوم، تريد أن تقضي معه الوقت دوماً، وتظن أن الأوقات معه جميعها ستكون طيبة.
نتصور أن الزواج يضمن السعادة التي نشعر بها حالياً مع الشريك/ة.
ولكن الحقيقة أنه لا يوجد ضمان أن يستمر هذا الشعور المؤقت بالسعادة.
الزواج سينقلك إلى حالة أخرى، إلى شقة في عمارة، إلى طفلين، إلى شريك/ة قد يبدو لك في لحظة ما أنه أسوأ عنصر في المعادلة.
8. لأننا نشعر أننا مميزون
كلنا سمعنا أو شهدنا زيجات أخفقت، وأمثلة ذلك موجودة بين أصدقائنا.
نعلم جيداً أن الزواج مسألة ممتلئة بالتحديات، ولكننا لا نفكر في هذه التحديات في حالتنا. نشعر أن البؤس يخص الناس الآخرين، ولن يحدث لنا.
يعمينا الحب أحياناً، ونشعر أنه سيتجاوز وحده التحديات، خاصة أننا نشهد علاقات ناجحة أيضاً، ونشعر أن الحظ سيكون في صالحنا مثلهم، وليس مثل التعساء.
9. لأننا نريد التوقف عن التفكير في الحب
قبل الزواج، من المرجح أننا مررنا بظروف صعبة في حياتنا العاطفة.
قد نكون أحببنا شخصاً لم يحبنا، أو خضنا علاقة لم تكتمل، أو خرجنا في الحفلات أو التجمعات بحثاً عن علاقة جديدة.
وعندما تنتهي علاقة، نمضي بعض الوقت وحيدين ثم نفكر في الدخول في علاقة أخرى.
لذلك نشعر أن الزواج سيكون نقطة النهاية لكل هذا، وأنه سيوقف كل محاولات البحث عن الحب التي خضناها. نعتقد أننا وجدنا في الشريك/ة حبنا النهائي الدائم، ولن نشغل بالنا بهذه المشاعر مجدداً.
ولكن الحقيقة أن الزواج لن يمنع هذه المشاعر، ستظل مشاعر الشك والأمل والخوف والرفض موجودة، هذه المشاعر التي نتصور أثناء وحدتنا أنها ستتلاشى فور الزواج.
متى نكون مستعدين للزواج؟
تبدو التحديات التي يطرحها آلان دو بوتون كبيرة جداً، ولكن هذا لا يعني أن نتوقف عن الزواج، أو نحسب أننا سنخوض علاقة زواج فاشلة لا محالة، وإنما علينا أن نكون مستعدين للزواج بتوقعات منطقية، وذلك باتخاذ الخطوات التالية:
1. حين نتوقف عن التطلع إلى الكمال
علينا الاعتراف بشكل عام أن الشخص الذي سنتزوجه لن يكون كاملاً أو خالياً من العيوب، وعلينا أن نكون واعين بهذه العيوب.
هل هو مزعج؟ صعب في التعامل؟ لا يفكر بمنطقية؟ لا يتعاطف معنا أو لا يفهمنا؟
وعلينا أن نستوعب أن هذه الأخطاء موجودة لدى كل الناس، أي شخص ستدخل في علاقة معه لديه هذه الأخطاء، عليك أن تفكر/ي في سؤال: هل أنت قادر/ة على التعامل مع هذه الأخطاء أو استيعابها أم لا؟
لن يوجد زواج كامل، ولكن يوجد “زواج جيد بما يكفي”.
لذلك من المفيد أن توجد علاقات حب قبل الزواج، ليس للتجريب من أجل اختيار الشخص “السليم”، ولكن لأنها ستخبرك أنك لن تجد أبداً هذا الشخص الخالي من الأخطاء، وستعلمك عن مقدار الأخطاء التي ستكون قادراً/ة على التسامح معها.
2. حين نيأس من فكرة أن الشريك/ة سيفهمنا تماماً
يبدأ الحب عندما نشعر أن أحدهم يفهمنا، بشكل عميق، يتفهمون الوحدة بداخلك، يفهمون النكتة التي تقولها دون الحاجة إلى شرح، قد تحبان نفس الأشخاص وتكرهان نفس الأشخاص.
ولكن علينا أن نستوعب أن هذا التفاهم المشترك لن يستمر دوماً، وليس مضموناً في كل مجالات الحياة. في بعض الأوقات لن يفهمنا الشريك/ة كلية.
3. حين نفهم أننا مجانين
دائماً نشعر أننا بخير، وإذا كان هناك مجانين في العالم، فهم ناس آخرون غيرنا.
ولكن جانب مهم من النضج يتلخص في أن تتفهم/ي مقدار حماقاتك الشخصية، عليك أن تستوعب/ي أن لديك أنت أيضاً قدراً من الجنون قبل الإقدام على الزواج.
4. حين نكون مستعدين لتقديم الحب لا فقط تلقي الحب
دائماً ما نتحدث عن “الحب” باعتباره شعوراً واحداً، رغم أنه في الحقيقة شعوران: أن تحب، وأن تتلقى الحب.
منذ طفولتنا تعودنا أن نتلقى الحب من طرف الآباء والأمهات، نعي تماماً اهتمامهم بنا ورعايتهم لنا، ولكننا لا نعرف ما الذي يعانونه لتقديم هذه الرعاية والاهتمام.
قد ننتقدهم، ولا يلوموننا على انتقادنا لهم، لأنهم يعرفون أننا أطفال لا نعي تعقيدات الواقع.
يحبنا الآباء والأمهات ولا يتوقعون في المقابل تبادلاً للحب والرعاية، خاصة في صغرنا.
ولكن المشكلة أننا قد ننضج ونستمر في تصور الحب بهذه الطريقة، مجرد تلقٍ للحب. وعندما تتولد لدينا مشاعر الرغبة في دخول علاقة، نعتقد أن الحب يمضي بهذه الطريقة: أن نكون محبوبين.
لذلك حين نقدم على الزواج، علينا أن نتعلم أن الحب شعور متبادل فيه أخذ وعطاء، لذلك يمكن أن نتزوج حين نكون مستعدين لتقديم الحب.
5. حين نكون جاهزين لـ “الإدارة”
كثيراً ما نتصور الحب من منطلق المشاعر الرومانسية وحدها، ولكن ما إن ندخل في علاقة زواج حتى نكتشف أن الأمر أشبه بإدارة شركة صغيرة.
أنشطة الطبخ والتنظيف وإصلاح المرافق المنزلية وتنظيم الميزانية لا تتمتع بهذا الوهج الذي تتمتع به المشاعر الرومانسية، لهذا قد يشعر أي شخص من الشريكين في خضم ممارسة هذه الأنشطة أن هذا ما لم يكن يريده من الزواج من الأساس.
ولكن تذكر/ي أن هذه الأفعال هي التي تعبر في الحقيقة عن الحب وتحافظ عليه.
6. حين نعرف أن الجنس والحب متصلان ولكنهما منفصلان
النظرة الرومانسية للحب تجد الحب والجنس متوازيان، مثلاً قد تعتقد/ين أنه كلما زاد الحب زادت الممارسة الجنسية والعكس.
ولكن يجب أن يستوعب الشريكان أن مع كل تعقيدات الزواج التي ذكرناها، من المتوقع أن يتأثر الجنس سلباً.
7. حين نتقبل فكرة أننا نتعلم
ينبغي أن تتقبل/ي أن الشريك/ة لديه/ا حكمة أكبر منك في بعض مجالات الحياة، لذلك عليك أن تتقبل/ي أن يعلمك في بعض الأحيان، مثلما عليك أن تستعد أن تعلم/ي الشريك/ة بعض الأمور.
هذا لا يعني وجود سلطة لشخص على آخر، ولكن عليكما الاستعداد المتبادل للتعلم المشترك.
8. عندما ندرك أننا لسنا متوافقين إلى هذا الحد
الحس الرومانسي تجاه الزواج يؤكد دوماً على أننا نسعى إلى الوصول إلى الشخص “المناسب”، شخص يشاركنا ذوقنا واهتماماتنا ومواقفنا من الحياة، وقد يصح هذا على المدى القصير، ولكن على مدار حقبة ممتدة من الزمن، تبدأ الاختلافات في الظهور.
علينا أن نتعلم أن الشخص المناسب لنا ليس الشخص الذي يشاركنا ذوقنا ومواقفنا في كل شيء، ولكن الشخص الذي يتفهم ويتقبل اختلافاتنا ويستطيع أن يتفاوض معها بشكل ذكي وحكيم.
للاطلاع على المزيد: مبادئ إنجاح الزواج: أسطورة اسمها التوافق
** تاريخ آخر تحديث: 28 فبراير 2024
المقال أكثر من رائع
جهد كبير
مقال رائع
رائع جدا، سلمت يمينك