محمد صلاح العزب

محمد صلاح العزب: لا تنجبوهم إلى هذه الحياة التعسة

غالباً ما تقع الفأس في الرأس ويتزوج الناس لأسباب غير مقنعة عموماً، حتى للمتزوجين أنفسهم، يلخصها الجميع في تنهيدة وجملة دالة: “شر لا بد منه”. ربما!

لكن لماذا ينجبون؟!

لماذا يلقون إلى العالم كل هذا الكم من الأطفال الذين يشبهونهم، وكأن العالم يحتمل المزيد؟!

العدد في الليمون

في شارع صلاح سالم بوسط القاهرة يقبع مبنى ضخم كمقر للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وفي أعلاه يوجد “عداد مرعب”، يعد المواليد على مستوى جمهورية مصر العربية.

لا يمكنك أبداً التفريق بينه وبين عداد الثواني في الساعات الرقمية، أو بين عداد ماكينة ضخ الوقود في محطات الوقود، أو عداد أي قنبلة زمنية يمكنها أن تنفجر في أي لحظة من فرط السرعة.

هذه يا سيدي عملية “تفريخ” وليست “ولادة”.

سامحها الله، لم تصدق الفنانة العظيمة الراحلة “سعاد حسني” حين قالت “الحياة بقى لونها بمبي”، فمنذ ذلك الحين ونحن لم نر إلا تنوعاً بالغاً في درجات السواد في حياتنا.

فهذه بلاد لا ظروفها السياسية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية ولا التعليمية ولا الصحية ولا المعاشية تسمح بأدنى قدر من الحياة، فلماذا إذن ينجب الناس؟!

هل تشعر بالسعادة الجمة في حياتك ولهذا قررت أن تأتي للعالم بقطعة منك من أجل أن تتحفها بجزء من هذه السعادة؟

لماذا تعاقب أطفالك الذين لم يولدوا بالإتيان بهم إلى هذه الحياة، هل آذوك في شيء؟! هل تكرههم إلى هذا الحد؟!

تعداد سكان مصر حالياً تخطى الـ100 مليون نسمة. هذا رقم مرعب!

عدد مواليد مصر حالياً يساوي عدد مواليد إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والسويد مجتمعين.

والمثل المصري السائر حين يفشل عن العد يقول: “العدد في الليمون”.

“مفيش حاجة جاية في السكة؟!”

هذا هو السؤال الوقح الشهير الذي يطارد به المجتمع من يجرؤ على التفكير في عدم الإنجاب، أو تحديد عدد الأطفال، أو التأخر في الإنجاب. ما دمت قد تزوجت، فبالتالي أصبحت مطالباً أمام الوطن بالإنجاب.

سواء شئت أم أبيت، الجميع سيسوقونك في هذا الطريق حتى تستسلم، ثم تنجب، ثم يتخلون عنك وعن المولود ليواجه كل منكما مصيره المؤلم.

سكة الندامة

ليس هذا السؤال فقط، ولكنها “تشكيلة فاخرة” من النصائح والأمثال الشعبية للحث على الإنجاب مرة واثنين وثلاثة وعشرة:

“كل عيل بييجي برزقه”

“اربطيه بالعيال”

“قصقصي ريشه” بكثرة الخلفة والمصاريف حتى “لا يلوف على غيرك”

“العيال عزوة”

وصولاً إلى نعت من لا ينجب، سواء بإرادته أو رغماً عنه، بصفات مؤلمة؛ فهو في النهاية “أبتر” لن يجد من يحمل اسمه ولا من يرثه – رغم أنه في الغالب ليس هناك أي أهمية لاسمه لأنه لا أحد يعرفه هو شخصياً في حياته، ولا يملك شيئاً يورثه لغيره سوى الديون.

لا المال ينور طريقي.. ولا البنون بلوا ريقي – الشاعر الراحل سيد حجاب

الأطفال أحباب الله، لكن الله نفسه يفضل التقوى والصلاح على الانشغال بالإنجاب “عمال على بطال”، رغم ذلك فإن المشايخ على المنابر يدفعون الناس دفعاً إلى الإنجاب بحجج دينية، رغم أن سرعة التفريخ المبالغ فيها لا تنتج إلا كل الموبقات ولا تخرج إلا الفاسدين والمتحرشين وعديمي الإنسانية والتربية، والإرهابيين.

الانفجار

في العام الماضي عرضت صفحات الحوادث عدداً كبيراً من الجرائم البشعة أبطالها ابن وأب، أو ابن وأم، يكون الضحية فيها أحد الأبوين قتيلاً على يد فلذة كبده، فالدنيا لم تعد بخير كما كانت في عهود سابقة.

هذه الجرائم، وإن كانت أقصى ما وصلت إليه البشاعة في العلاقة بين الآباء والأبناء، وإن ظلت حالات نادرة، فقد أصبحت دليلاً على عقوق الآباء – الذي أصبح سمة من سمات العصر، وأصبح الآباء والأمهات ضحايا حقيقيين لهذا العقوق، فلماذا كل هذه الحروب من أجل “التفريخ المستمر”؟!

طفل واحد يكفي؟

ربما تكون “امرأة واحدة لا تكفي”، إذا سلمنا لأحمد زكي في فيلم إيناس الدغيدي، ولكن طفلاً واحداً أو طفلين يكفيان جداً، على الأقل ستقلل عدد من سيصبون عليك لعناتهم ودعواتهم لأنك أتيت بهم إلى هذه “المخروبة” المسماة “الحياة”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات