الحمل والإعاقة الجسدية
من الهام جداً الوضع في الاعتبار أن معاناة الفتيات والنساء ذوات الإعاقة هي ليست مشكلة هؤلاء النساء فحسب، بل هي مشكلة مجتمعية بالكامل لها عدة محاور منها مشاكل النوع الاجتماعي والمشكلات المتعلقة بالتنمية وانعدام المساواة على مختلف المستويات سواء كانت اقتصادية أو صحية أو مجتمعية
هل تمنعني الإعاقة من أن أكون أماً؟
من المؤكد أن هذا السؤال يشغل بال كل فتاة أو سيدة ترغب في الإنجاب بينما تعاني من إعاقة جسدية. ويُضاف إلى ذلك،الضغوط المجتمعية والتنمر الذين تتعرض لهما النساء ذوات الإعاقة حيث توجه لهن أصابع الاتهام بأنهن عاقرات أو لا يستحققن الحصول على فرصة الإنجاب وتكوين أسرة والقدرة على الإحساس بكونهن أمهات.
على مستوى العالم، وطبقًا لآخر إحصائيات منظمة الصحة االعالمية يعاني 1,3 مليار شخص من إعاقة ما، أي بنسبة 16 % من سكان العالم. بكلماتٍ أخرة، فإن من بين كل ستة اشخاص، يعاني شخص ما من إعاقة جسدية أو عقلية. بينما، في مصر، وبحسب آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تبلغ نسبة الأفراد المتعايشين/ات مع إعاقات 10.5% من إجمالي تعداد السكان.
على مستوى النوع الاجتماعي، وطبقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، فإن سيدة من كل خمس سيدات تتعايش مع إعاقة.
أثبتت الدراسات أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالإعاقة على مدار حياتهن بالمقارنة مع الرجال، وأن ذوات الإعاقة يعانين من التهميش وانعدام المساواة ضعف ما يعانيه الذكور ذوي الإعاقة طبقا لنوعهن الاجتماعي، وأن إعاقتهن تجعلهن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض سواء كانت أمراض غير سارية، كأمراض القلب والسكري والجهاز التنفسي المزمنة، وكذلك أكثر عرضة للاصابة بالأمراض المعدية.
وأيضًا فإنهن أكثر عرضة للتعرض لعنف الشريك الحميمي من ضعفي لأربع أضعاف النساء التي لا يعانين من أية إعاقة. ناهيك عن الوصم والتمييز والمعوقات التي يواجهنها بشكل يومي في كل مناحي حياتهن. وعلى ناحية أخرى، وحسب منظمة الصحة العالمية أيضًا، ففي كثير من الدول لم تسن أو تطبق قوانين واضحة للاعتراف بحقوق ذوي الإعاقة وخلق الدعم المجتمعي والقانوني لتحقيق أفضل جودة حياتية لهم/ن.
ولكن، هل يعد ذلك عائقاً أمام رغبتهن في أن يكنّ أمهات؟
طبقًا لدراسة أمريكية نُشِرَت عام 2022، جُمِعَت فيها بيانات السيدات الحوامل من نتائج المسح الأمريكي القومي للنمو السكاني من عام 2011 وحتى العام 2019، أظهرت النتائج أن 21 % من السيدات الحوامل كن ذوات إعاقة، وتقترح نتائج هذه الدراسة بأن البيانات التي جُمِعَت تظهر نسبة الحوامل من ذوات إعاقة أقل من النسبة الحقيقية. ولذا، فالإعاقة هي ليست مانعًا من موانع الحمل وإن كانت سببا من أسباب زيادة صعوبته أو مضاعفاته.
تأثير الإعاقة على فرص الحمل والولادة
تظهر الدراسات أن الحقوق الإنجابية للنساء ذوات الإعاقة تم تجاهلها لسنوات طويلة، وأن الحق في الحمل والإنجاب لذوات الإعاقة يواجه العديد من التحديات والصعوبات.
على الناحية الطبية فإن النساء الحوامل من ذوات الإعاقة هن أكثر عرضة للمضاعفات والأعراض الجانبية الناتجة عن الحمل كالولادة المبكرة، أو ولادة أطفال ذوي وزن أقل من الطبيعي. ولكن، فإن الدراسات أثبتت أن الغالبية العظمى من حمل ذوات الإعاقة ينتهي بولادة طفل طبيعي يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من أية مشكلات صحية. بل أقر المركز القومي لأبحاث الإعاقة في الولايات المتحدة أن السيدات ذوات الإعاقة الجسدية بإمكانهن الحمل والولادة بطريقة طبيعية تماماً مثلهن مثل السيدات اللاتي لا يعانين من أية إعاقة.
ومن أمثلة الصعوبات التي قد تواجهها السيدات ذوات الإعاقة الجسدية
1- عدم حصولهن على المعلومات الكافية أو التثقيف الكافي فيما يخص الحمل والولادة وتربية الأطفال فيما بعد، مع وجود احتياجاتهن الخاصة كمتعايشات مع إعاقة.
2- عدم تدريب الفرق الطبية المعنية بمتابعة الحمل والولادة على المتابعة مع سيدات ذوات إعاقة.
3- التعرض للتمييز وسوء المعاملة من قبل مقدمي الخدمة من الفرق الطبية نتيجة لاحتياجاتهن الخاصة، وعدم تدريب تلك الفرق على التعامل معهن.
4- قد يرفض الأطباء تقديم الخدمة لذوات الإعاقة. وفي بعض الأحيان قد يفترض الأطباء عدم رغبة النساء المتعايشات مع إعاقة في الحمل أو الإنجاب. مما يؤدي لإهمال هذا الجانب تماماً من حياتهن عند التعامل معهن والذي ينعكس بدوره على صحة هؤلاء النساء.
5- السيدات ذوات الإعاقة أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المصاحبة للحمل كسكري الحمل وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل نتيجة لقلة حركتهن أو عدم توعيتهن بشكل كافٍ بكيفية العناية بأنفسهن.
6- السيدات ذوات الإعاقة الجسدية هن أكثر عرضة للولادات المبكرة أو ولادة أطفال ذوي وزن منخفض عن الطبيعي.
7- عدم قدرة هؤلاء النساء على الحصول على خدمات الصحة الإنجابية بشكل يكفي احتياجاتهن كالحصول على وسائل منع الحمل خوفًا من تعرضهن للتمييز وسوء المعاملة، مما يجعلهن أكثر عرضة لحدوثحمل غير مرغوب .
8- قلة الدراسات والأبحاث والبيانات المسجلة فيما يخص الصحة الإنجابية للسيدات ذوات الإعاقة مما يزيد من فرص سوء معاملتهن وعدم حصولهن على الخدمة التي يحتجنها، وبالتالي، زيادة تعرضهن للمضاعفات الناتجة عن الحمل والولادة سواء جسدية أو نفسية.
الحلول التي تساعد في حصول المتعايشات مع الإعاقة على حقوقهن الجنسية والإنجابية
من واقع المشكلات التي تواجه ذوات الإعاقة، يمكن تقسيم الحلول إلى جزئين، جزء يختص بالسيدات أنفسهن، وجزء يتعلق بمقدمي الخدمة الصحية.
الجزء المتعلق بذوات الإعاقة
1- أن تحرص السيدة على الحصول على فحص طبي كامل يتعلق بحالتها الصحية.
2- أن تحصل على فحص كامل مختص بجزء أمراض النساء والولادة وإن كانت تعاني من أية مشكلات في الجهاز الجنسي / التناسلي تعيقها عن الحمل ومن الممكن علاجها.
3- أن تراجع مع فريق أطباء التأهيل والعلاج الطبيعي الخاص بها تأثير الحمل على حالتها الصحية.
4- أن تراجع مع طبيب النساء والولادة الأدوية التي تتناولها بانتظام بسبب حالتها الصحية ليجد بديلاً عن الأدوية التي يُمنَع استخدامها أثناء الحمل.
5- إن كانت السيدة تعاني من إعاقة في أطرافها السفلى، فيجب أن تحصل على فحص يختص بجهازها البولي وأيضا على الأوعية الدموية لتأثير الحمل على المثانة والجهاز البولي والأوعية الدموية للأطراف السفلى بسبب زيادة وزن الجنين.
6- أن تحرص السيدة على القيام بالأنشطة اليومية الرياضية المناسبة لحالتها وللمرحلة التي تمر بها من الحمل حتى تحافظ على نفسها من أثر زيادة الوزن ومن ضمور العضلات ومن التقرحات الجلدية التي يسببها ثبات الجسم في وضع لا يتغير لمدة طويلة.
7- أن تحرص على الحصول على التغذية الجيدة والامتناع عن التدخين وشرب الكحوليات حتى تحقق أفضل نتائج صحية لها ولجنينها.
الحلول المتعلقة بمقدمي الخدمة الصحية
1- وضع وتفعيل برامج تدريبية لمقدمي الخدمة الصحية بشكل عام والفرق الطبية التي تتعامل مع الولادة وأمراض النساء والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة بشكل خاص على التعامل مع السيدات ذوات الإعاقة بشكل علمي واحترافي. على أن تشمل هذه البرامج التهيئة الجسدية والنفسية لذوات الإعاقة والاستعانة بأطباء التأهيل والعلاج الطبيعي ليكونوا أعضاء أساسيين في فريق التعامل مع السيدات ذوات الإعاقة.
2- تفعيل مبادرات على المدى الطويل معنية بالصحة الإنجابية للسيدات ذوات الإعاقة ليتمكنَّ من الحصول على المعلومات والخدمات المتعلقة بصحتهن الإنجابية، مع استمرار متابعة وتقييم تلك المبادرات والحرص على استدامتها.
3- تهيئة العيادات الخاصة بالصحة الإنجابية وعيادات ومستشفيات الولادة وأمراض النساء بالمعدات والإنشاءات اللازمة لتكون صالحة لسهولة الوصول إليها واستخدامها من قبل السيدات ذوات الإعاقة وعائلاتهن.
4- إنشاء وتفعيل اتفاقيات تعاون بين وزارة الصحة والوزارات المعنية بذوي الإعاقة وأصحاب الاحتياجات الخاصة فيما يتعلق بالصحة الانجابية وتنظيم الأسرة لتقديم دعم مجتمعي ونفسي كامل يكفل حق ذوات الإعاقة وأسرهن للحصول على حياة صحية وإنجابية مرضية ومتكاملة.
من الهام جداً الوضع في الاعتبار أن معاناة الفتيات والسيدات ذوات الإعاقة هي ليست مشكلة هؤلاء النساء فحسب، بل هي مشكلة مجتمعية بالكامل لها عدة محاور منها مشاكل النوع الاجتماعي والمشكلات المتعلقة بالتنمية وانعدام المساواة على مختلف المستويات سواء كانت اقتصادية أو صحية أو مجتمعية. وأن هذه المشكلات تلزم جميع أفراد المجتمع من أصحاب القرار ومنفذي البرامج والمبادرات وصانعي القوانين ومنفذيها بالسعي نحو تحسين أوضاع هؤلاء النساء وتحقيق أفضل جودة حياتية لهن.
المراجع
Global report on health equity for persons with disabilities
Disability and Poverty in Egypt
“الإحصاء”: نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر 10.5%
Perinatal Health Risks And Outcomes Among US Women With Self-Reported Disability, 2011-19
NIH Study Suggests Women with Disabilities have higher risk of birth complications and death
Live Birth, miscarriage, and abortion among U.S. women with and without disabilities
Rates of recognized pregnancy in women with disabilities in Ontario, Canada
Rocking the cradle: ensuring the rights of parents with disabilities and their children