أنجبنا وحققنا أحلام الآخرين.. قصتان حقيقيتان
لم يكن الإنجاب من ضمن خطة كل منهما، ولكنهما استجابا لضغط الأهل والمجتمع، وبدلاً من الاستمتاع بأطفالهما، شعرا أن الإنجاب قضى على أحلامهما.
في المجتمعات القديمة، يعيش الأفراد في مجموعات متلاصقة، ويسري على الجميع قانون اجتماعي واحد، لا يمكن لأحد أن يخرج عن سياقه، وإلا كانت النتيجة النبذ والطرد خارج هذا المجتمع.
وبالتالي من الصعب على أي فرد أن يقرر الشذوذ عن المجموع، ودون تفكير ينفذ كل ما هو مطلوب منه اجتماعياً حتى لو كان هذا المطلوب مسألة شخصية تمسه في صميم ذاته الخاصة جداً، مثل قرار الزواج والإنجاب.
ففي هذه المجتمعات لا يعرف الفرد لماذا تزوج ولماذا أنجب؟ ولا يتجرأ على طرح هذا السؤال من الأساس، فقط يمضي قدماً في تنفيذ خطة مجتمعه.
هذه التقاليد الاجتماعية كانت تصلح في الماضي، عندما كانت الأسر تعيش في منزل كبير واحد، أو تجد أسرة كبيرة كاملة تحتكر شارعاً بالكامل، حيث يتولى الجميع مسؤولية الجميع عائلياً واقتصادياً.
فهناك رب أسرة كبير يعمل على تولي إدارة شؤون الأسرة، ويضمن توفير الغذاء والمأوى لجميع الأفراد، وزوجته تتولى إدارة المنزل ورعاية جميع الأطفال من خلال باقي نساء العائلة، لذا لم يكن هناك تحديات كبيرة على جبهة توفير المأوى والطعام والرعاية للأطفال.
وكان الخروج بعيداً عن هذا السياق الاجتماعي يشكل مجازفة كبرى، وبالتالي الانصياع لقوانين هذه الجماعة مسألة بديهية ولا نقاش بشأنها.
أما الآن فالأمر اختلف كثيراً، تفتت هذا الشكل الأسري الكبير منذ عقود واستقلت الأسر الصغيرة بعيداً عن الشكل القِبَلي القديم، حيث يتولى الرجل وحده مسؤولية أسرته الاقتصادية، وتتولى المرأة وحدها رعاية أطفالها.
لكن رغم ذلك ما زالت القوانين الشكلية للأسر الكبيرة القديمة سارية، وما زال الأفراد متورطون بشكل كبير في تنفيذ خطة المجتمع الأُسرية دون أي استعداد فردي لتحمل تبعات هذه الخطة، وأهم قراراتها، قرار الزواج وقرار الإنجاب.
بنسبة كبيرة جداً لا يتخذ الشاب أو الفتاة أي قرار فردي حر بخصوص مسألة الزواج والإنجاب، فالشاب مهما بلغ من العمر لا يستطيع أن يختار شريكة حياته دون موافقة والده ووالدته، وإن بدا ظاهرياً أنه يمتلك إرادته في هذا الشأن مقارنة بالفتاة.
ونفس الشيء بالنسبة للإنجاب، فبمجرد أن يخطو الزوج والزوجة بأقدامهما داخل هذه المنظومة، فهما مكلفان بمهمة رسمية سيُسألان عنها في كل لحظة من لحظات حياتهما حتى تتحقق، ألا وهي إنجاب طفل، فإن أنجبا الطفل الأول فهما مطالبان بمآخاته وإنجاب طفل آخر، وهكذا حتى يجد الزوجان نفسيهما متورطين في حياة ضاغطة لم يختارا أياً من مفرداتها!
انتهاء الحلم المهني
انتهت فادية من دراستها بكلية الطب وبدأت أولى خطواتها في سنة الامتياز، ففوجئت بأهلها يتناقشان بشأن زواجها الذي تأخر كثيراً بسبب طبيعة سنوات دراستها الطويلة.
ورغم أنها كانت تنفذ خطتهما بأن تكون طبيبة، إلا أن هذا لم يشفع لها وهي تعترض على العريس الذي جلباه لها، وقررت والدتها أن الزواج لن يعطلها عن الانتهاء من سنة الامتياز والبدء في دراسات التخصص الطبي!
رضخت فادية لقرارات عائلتها بعد أن مارسا كافة الضغوط العاطفية والمادية عليها، ورغم أنها فكرت في ترك منزل عائلتها لتستقل بحياتها وحدها، إلا أن التنفيذ بدا صعباً جداً فتزوجت.
وفوجئت بوالدتها وحماتها يسألانها وزوجها، بعد مرور شهر واحد من الزواج، عن الحمل والأطفال.
عندما حاولت أن تشرح لزوجها أسبابها لتأجيل مسألة الإنجاب حتى تنتهي من دراسات التخصص الطبي، أخبرها أنه يرغب في طفل واحد الآن وبعدها يمكن أن تكمل دراستها براحتها قبل إنجاب طفل آخر.
وجدت فادية نفسها واقعة تحت ضغط أمها وحماتها وزوجها، فلم تجد مفراً من الرضوخ مرة أخرى وتحقيق أحلامهم جميعاً بإنجاب طفل، لكنها لم تكن تتخيل أن هذا الطفل سيقضي على ما تبقى من إمكانية انتهائها من دراساتها، فبين إدارة المنزل وتلبية متطلبات زوجها المادية والعاطفية، ورعاية الطفل التي تستهلك ليلها ونهارها ولا تسمح لها حتى بالنوم، لم تعد هناك مساحة لتحقيق أحلامها الخاصة.
تحولت حياة فادية إلى مسلسل طويل من الصراخ والعويل والانهيارات العصبية المتتالية، ولا أحد من الذين ورطوها في هذه المأساة قادر على تفهم مشاعرها ومحاولة احتوائها، إضافة إلى هذا الطفل المسكين الذي لا يسمع سوى صراخ أمه وعويلها بدلاً من أن تهدهده في فراشه على أغنية هادئة.
سلسلة التنازلات
عندما بلغ ماجد الثلاثين من عمره، لم يكن قد عثر بعد على الفتاة التي تتوافق مع طموحاته في شريكة العمر، لكن يبدو أن هذا الأمر لم يتناسب مع والدته التي مارست كافة الضغوط العاطفية عليه لكي يحقق حلمها بأن تحمل أحفادها قبل أن تموت، ولا مع والده الذي واجهه بفظاظة بأنه لا بد يعاني من مشاكل جنسية تمنعه من الزواج، وإلا فما الذي يمنعه؟
كان الأمر أشبه بمخطط هجومي مباغت لم يترك له مساحة للاعتراض.
كلما رفض عروساً من الفتيات اللائي تجمع أمه حساباتهن على الفيسبوك أو تلتقط صورة معهن في المسجد بعد صلاة التراويح في رمضان أو أثناء حفلات الزفاف التي تحضرها، ارتفع مستوى العنف في الأساليب المستخدمة للضغط عليه.
وبين والده الذي ذهب إلى الطبيب بسببه ووالدته التي تبكي كلما رأت صديقاتها يحملن أحفادهن، رضخ ماجد وقبل بالفتاة التي اختارتها أمه.
اعتقد ماجد أن الأمر انتهى عند هذا الحد، فرغم قبوله بعدم قدرته على التفاهم مع زوجته التي لا تشاركه أي اهتمام من اهتماماته، إلا أن والدته تدخلت في مسألة عدد الأبناء الذين يجب عليه أن ينجبهم.
وجد نفسه في خلال خمس سنوات متورطاً في إعالة ثلاث صبية وزوجة لا تعلم أي شيء عنه ولا يربطه بها سوى المنزل الذي يبيت فيه كل يوم، والأولاد الذين يحملون اسمه.
دخل ماجد صاغراً في طاحونة العمل القاتلة، واضطر لأن يعمل في أكثر من وظيفة كي يلبي متطلبات أبنائه الثلاثة والذين يراهم بالكاد مرة واحدة في الأسبوع، في حين لا يعلم عنهم شيئاً ولم يستطع أن يستمتع بأبوته لهم ولو مرة واحدة، وأصبح يعيش غريباً وسط غرباء في منزل من المفترض أنه منزله.
فادية وماجد نموذجان متكرران لدرجة تكاد تصل إلى التطابق في مجتمعاتنا الشرقية، فلا منهما استفادا من النظام الاجتماعي العائلي القديم والذي كان يشمل الجميع برعاية أبوية فوقية، ولا منهما استفادا من النظام الاجتماعي الفردي الحديث الذي يضمن للفرد استقلاله وحريته في اتخاذ قراراته سواء في الزواج أو الإنجاب.
كلاهما تورط في شكل حياة لا يرغبها ولا يشعر داخلها بالسعادة وكل ما يحققه هو المزيد من الانهيار وفقدان أحلامه وذاته.
اقرأ المزيد: لا أريد طفلاً آخر: هل أنا أنانية؟
التحيه لكل القايمين علي بنا…
التحيه لكل القايمين علي بنا ء الاسان وارشاده بطريقه علميه ،،،صحح الحب ثقافه