رغبة النساء
Shutterstock

الفيل في الغرفة.. دعوة لفهم السبب الجذري لختان الإناث

نسعى بقدر إمكاننا أن نواجه الأسباب المؤدية لختان الإناث، ولكن يوجد سبب رئيسي نخشى دوماً أن نواجهه.

سنوات من العمل المضني لإنهاء ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، سواء من خلال حملات التوعية، مثل حملات طرق الأبواب وإعلانات الراديو التليفزيون، أو من خلال التدخلات القانونية من خلال تجريم الختان في 2008، ومن ثم تعديل القانون عام 2021 لتعلن الحكومة عدم وجود ما يسمى بالضرورة الطبية لتلك الممارسة.

على مدار سنوات عمل المجتمع المدني والحكومة لإنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، استُخدمَت خطابات توعية مختلفة وأجريت مسوح ودراسات متعددة لفهم الأسباب الجذرية وراء تلك الممارسة وخلقت خطابات يمكننا التحدث بها لمواجهة هذه الأسباب.

وفي الوقت الذي ظهرت فيه محاور رئيسية للخطابات، ومع انخفاض نسب تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وعلى الرغم من حدوث تغير إيجابي في مواقف النساء من الختان، لا يزال هناك دعم واسع النطاق لاستمرار ختان الإناث في مصر.

ويبقى السؤال، لماذا تستمر هذه الممارسة؟ مع كل هذه القوانين والتجريم وسنوات الحبس، ومع كل الفتاوى والخطابات الدينية التي تنفي علاقة الأديان بتلك الممارسة.

لماذا يُقَدِّر المسح السكاني الصحي أن نصف الفتيات حتى عمر 19 عاماً سوف يُختنّ في المستقبل، بالرغم من وعي أمهاتهن بمخاطر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية؟

قد تكون الإجابة على السؤال عبارة “الفيل في الغرفة”.

الفيل في الغرفة أو Elephant in the room  عبارة مجازية، وتعني حقيقة واضحة يتم تجاهلها أو عدم معالجتها، وتنطبق تلك العبارة أيضاً على مشكلة أو خطر حقيقي حاصل ولا أحد يريد التحدث عنه.

ترتكز الفكرة على أن هناك فيلاً في الغرفة من المستحيل التغافل عنه، وبالتالي فإن الأشخاص الموجودين بالغرفة، والذين يتظاهرون بعدم وجود الفيل، اختاروا عدم التعامل أو حل تلك المشكلة الكبيرة التي تلوح بالأفق.

تبدو مشكلة ختان الإناث الرئيسية وجود هذا السبب؛ “الفيل” الذي نراه جميعاً ولكن لا نتحدث عنه بشكل كافٍ.

من أجل فهم هذا “الفيل” يجب أن نفهم أولاً أن هناك تقسيماً جندرياً للأدوار بين الرجال والنساء، بمعنىِ أن هناك صفات وأدواراً ومسؤوليات خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء حددها المجتمع وليست صفات بيولوجية وُلدنا بها. وعندما نحاول التفكير في مجموعة الصفات والأدوار المنوط بها كلاً من الرجال والنساء حين يتعلق الأمر بالجنس، نجد أن الجنس مرتبط بمفهوم السيطرة والسلطة.

عندما نسمع النكات حول السيطرة دائماً ما تكون مرتبطة بالمنتصر والأقوى، وهؤلاء ممن يستقبلون الجنس هم الأضعف، فلكي يكتسب الرجل صفة الرجولة، يجب أن يُمارس الجنس “على” امرأة باعتبارها مُستَقبِلاً للجنس. ولتكتسب النساء تلك الصفة، يجب عليهن أن “يتلقين” للجنس، فهو أداة سلطة وسيطرة لا يسمح لهن بامتلاكها.

 

ما علاقة هذا بتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية؟

أول درجة من درجات الختان تبدأ بقطع الجزء الظاهر من البظر وهو مركز المتعة الجنسية للنساء، وقد ينتهى بالدرجة الرابعة وهي غلق الأشفار بالكامل وترك فتحة للتبول. كل هذه المحاولات المضنية تجري وفقاً لمجموعة من الحجج الاجتماعية، منها:

  • حوالي 50٪ من الرجال والنساء يعتقدون أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مفضل لدى الأزواج.
  • نسبة من الرجال والنساء يعتقدون أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مهم لحماية النساء من أن يمارسن الجنس خارج حدود الزواج.
  • الخوف من أن ينمو البظر ليصبح قضيباً.
  • الخوف من أن يكون لدى النساء أشفار غير متساوية أو أن يزيد حجم الشفرين الداخليين ليصبحان عرضة للحكة بشكل مستمر، وبالتالي ستصبح النساء في استثارة جنسية مستمرة.
الفيل في الغرفة
shutterstock

بدراسة تلك الأسباب، نرى أن السبب الأكثر رعباً يتعلق بأن لا تكون النساء متوافقات مع تفضيلات الرجال، أو أن يمارسن الجنس بصفتهن شخصاً فاعلاً وليس مُستقبِلاً (أن يكون لديهن رغبات جنسية).

هذه الأفكار مترابطة ومكملة لمجموعة الأفكار التي يتبناها المجتمع عن جنسانية النساء. فهن في نظر المجتمع أصل الغواية الجنسية، ليس لديهن قدرات عقلية أو تحكم في رغباتهن ليقررن الأنسب لهن، وهن دائماً راغبات في الجنس، حتى وإن أنكرن.

 

احتكار الرغبة

 

تذكروا معي كل الحجج المتعلقة بالتحرش “هي لابسة كده عشان عايزة تتعاكس”، “هي اللي استفزتني واغتصبتها”. نعم، تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية والعنف الجنسي هما وجهان لنفس العملة.

الاثنان نابعان من تصور عن أن النساء كائنات خُلقن للجنس فقط وليس لديهن قدرات أخرى، وبالتالي، يجب وجود رجل ما يتحكم في الأمر، وهو من يقرر متى وأين وكيف سيمارسان الجنس. والختان (في نظر البعض) هو الوسيلة التي “سيُقَلِّم” بها الرجل والمجتمع رغبة النساء التي لا يمكن السيطرة عليها. وفي حالة خرجت عن تلك السيطرة، تجد النساء أنفسهن يُعاقَبن بالعنف الجنسي.

الأمر أشبه بلعبة الاحتكار. يوجد لاعبون رئيسيون ويجب أن يحتفظوا بتلك المساحة بدون شركاء. الجنس والرغبة الجنسية والمتعة الجنسية هي كلها أمور تتعلق بالرجال فقط، حتى أن الدراسات الطبية بها الكثير من الفجوات المتعلقة بدراسة المتعة الجنسية فيما يتعلق بالنساء.

يبدو الأمر لا يصدق، إلا أن هناك الكثير من الرجال، بل والنساء، ممن يعتقدون حقاً أن النساء ليس لديهن رغبة جنسية ولا متعة، وأن الجنس هو أمر لصالح الرجل لأنه الشخص الذي يحتاجه، أما النساء فلا.

هل سمعتم تعليق الطبيبة الشهيرة التي تتحدث عن أن العلاقة الزوجية هي احتياج للرجل ولكن النساء لن يتأثرن بغيابها؟ هذه أحد الأمثلة الظاهرة على تصور المجتمع عن حياة النساء الجنسية. وماذا يحدث لو أصبح لدى النساء رغبة جنسية؟ يجب أن يتأكد المجتمع بكل الطرق أن هذا لن يحدث، بالاستعانة بتشويه الأعضاء التناسلية لهن أو وصمهن أو استبعادهن من المجتمع.

هل سمعتم عن الرجل الذي طلق زوجته بعد أربعة أيام لأنها صرحت برغبتها في ممارسة الجنس معه.

قمع الرغبة
shutterstock

هل سمعتم من أمهاتكن من قبل جملة “ما تبينيش إنك عارفة حاجة.. بلاش تطلبي من جوزك، يقول عليكي إيه؟”

هل تتذكروا تعليق عادل إمام في فيلم التجربة الدنماركية “العروسة الخبرة”؟ هذه العروس التي قدمت في صورة واصمة للغاية وفي المقابل زوجها الذي يسخر منه الجميع لأنه ليس “رجلاً كفاية”.

أتذكر وأنا في قافلة طبية، حضر رجل ليسأل عن إمكانية إجراء ختان لابنته، ما رفضته الطبيبة وأوضحت أن هذه ممارسة خطرة وقد تودي بحياة ابنته، وما كان منه إلا أن صرخ في الطاقم الطبي قائلاً: “هختنها ولو هضطر أجزّه بسناني”. أي خوف وذعر من جنسانية النساء قد يدفع أب إلى هذا التفكير؟

يمكن سرد مئات الأمثلة من الجمل والأفلام والأفكار التي نسمعها كل يوم عن ضرورة أن تصبح النساء معدومات الرغبة الجنسية. ولذلك، عندما نحاول فهم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نستبعد أحد الأسباب الرئيسية لهذا الانتهاك.

حياة النساء الجنسية يعتبرها المجتمع أمراً مشيناً وغير مقبول، وسيضحي هذا المجتمع بكل ما يمكن التضحية به فقط من أجل التأكد من أن تظل مفاتيح الحياة الجنسية في يدي الرجال.

قد يمارس البعض الختان لاعتقادهم في فوائده أو رغبة منهم في توفير فرص أفضل للزواج لبناتهم أو حتى الشعور بالانتماء لمجتمعاتهم. ولكن عندما ننظر عن كثب، هناك دائماً هذا السبب الرئيسي والمتجذر في أعيننا، والذي نخشى في كثير من الأحيان الحديث عنه.

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية محاولة مستميتة من المجتمع لضمان نزع حق النساء في كرامة جسدية، أو ترك القرارات المتعلقة بأجسادهن في أياديهن.

** تاريخ آخر تحديث: 28 فبراير 2024

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (7)

  1. كيف نحارب الافكار في مجتمع…
    كيف نحارب الافكار في مجتمع متخلف

    1. مرحباً بك،

      التوعية المبنية…

      مرحباً بك،

      التوعية المبنية على أساس علمي تساعد على الحد من انتشار الخرافات والمعلومات المغلوطة. تحياتنا

  2. مرحبا ، لا اعرف مدى انتشار…
    مرحبا ، لا اعرف مدى انتشار هذه الظاهرة ،الشنيعة والتي ارجو ان تعالج ،عندكم في مصر ، ولا اعرف مدى المصداقية العلمية لهذا المسح السكاني الذي تحدثت عنه الكاتبة في المقال لأن فن اختراع الاحصائيات صار منتشر كثير خصوصا في بلداننا العربية حيث تم تمييع كلمة دراسة علمية و احصائية ،لكن عندنا مثلا في المغرب العربي لم اسمع يوما بحدوث هذا الامر في جميع الاماكن (والدول كذلك) التي استقريت فيها لمدة أو زرتها . لكن ان كان هذا الامر منتشرا بشدة فإن المسار السليم لتصحيح الامر هو المسار القانوني ،لأن مؤسسات الدولة هي من تستطيع إحداث تغيير معين وفي وقت وجيز بغض النظر عن المجتمع وتوجهاته واعتقادات الناس . وهذا بالطبع دون فوضى ولا مشاكل لكن عن طريق نقاش برلماني ثم تشريعي و تنفيذي الخ…اما التوعية المباشرة للناس عن طريق مؤسسات المجتمع المدني فقد تصطدم بالكثير من العقبات
    الامر الاخر الذي لم يعجبني هو جعل الكاتبة للسبب الرئيسي لهذا الامر (نعتته بالسبب المرعب) هو ما زعمت من كون هذا يحدث بسبب خوف الرجال من الرغبات الجنسية للنساء وحاولت ان تكون لطيفة و غير مصرحة فاستمعلت تعابير : لا تكون النساء متوافقات مع تفضيلات الرجال، أو أن يمارسن الجنس بصفتهن شخصاً فاعلاً وليس مُستقبِلاً … ، والذي تقصده بالتأكيد هو أمر أعمق من هذه التعابير وهو أيضا فيل أضخم من الفيل الذي تحدتث عنه في هذا المقال، الذي لم يعجبني هو هذا الفكر الندي التضادي الذي يجعل دئما أي مشكل اجتماعي سببه هو الرجل أو المرأه ،طرف ضد آخر كأنو في دئما نزاع وصراع أبدي ، والحال أن هذا الامر يحدث فقط في دماغ أشخاص عندهم مشكل ما أو عقد معينة (يعني فيل آخرأضخم) ، والامر الواقع هو ان العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة بناء وتعاون وتكامل وليس علاقة تنافس، وفي كلا الطرفين يوجد اشخاص اشرار واخرون طييبون ، اشخاص متطرفون واخرون عاقلين ومتعتدلين وواقعيين، انا لست في محاولة لاعطي درسا للكاتبة انما فقط أحدد ان أي مشكل بشري معين سببه هو الانسان (الرجل والمرأة) سببه هو المجتمع ككل ولو لم يكون العقلاء (رجالا ونساء) في المجتمعات اكثر من غيرهم لا نقرضت البشرية مع كثرة المشاكل والخلافات التي واجهتها الانسانية عبر التاريخ.
    الامر الثاني هو زعمها أن المجتمع يحاول نزع ما تحاول ان تشير اليه بين السطور لم تصرح به وهو التفوق الجنسي للمرأة ، وخوف المجتمع من ظهور وانبثاق المرأة الخارقة “جنسيا”… وهذا محض هراء . الوقع انه لا يوجد ما يسمى “الرجال متفوقون ” او “النساء متفوقات ” جنسيا ، الذي يوجد في ارض الواقع هو اشخاص (رجالا ونساء) اقوى جنسيا من اخرين ، الناس متنوعون ، كل له قدراته و خصائصه التي لم لا يتميز بها ولا “يمدح” عليها لانه لم يكتسبها برغبته وليس هو المسؤول عن وجودها انما أعطيت له جينيا ،وفي النهاية كل ينتهي به المطاف فيما و مع من يناسبه ، وحتى ان لم يتنهي به المطاف مع من يناسبه (من ناحية القدرة) فإنه يحدث التعود والتوافق والتكامل بعد مدة باعتبار انه طبيعيا اختيار الشركاء لا يتم من خلال معيار محدد لكن من خلال حزمة من المعايير و الضوابط، وهذا الموضوع يطول فيه النقاش كثيرا …
    أنا أرى أنه كان من الممكن تناول هذا الامر بطريقة اكثر احترافية ، كان من الممكن أن يجرى حوار مع متخصص في علم الاجمتاع وعلم النفس ، ثم مع متخصصين في الدين ، مع متخصصين في القانون ، ثم مع اطباء جنسانيين ، وفي الاخير يمكن ان تخبرنا عن رأيها في الاخير،اما الحديث هكذا في مثل هذه المقالات “الرخيصة” (استسمح ، هذا ليس اسنتقاصا لكن هذا رأيي في نوعية المقال) هذا ليس مجديا لكن يدل على عدم احترافية او سوء نية خصوصا ان هذا الموضوع تتداخل في الكثير من المكونات والمعتقدات الاجتماعية، المقالات يجب ان تكون لهدف التعريف بالمشكل والبحث عن اقرب حل ممكن ، خصوصا ان المسؤولية الاخلاقية (وكذا القانونية لو في شخص قرر دراسة الثغرات القانويية في عملكم و منصتكم) الملقات على اكتافكم جد ثقيلة كون اكثر الزوار هم من فئات الصغار والمراهقين والشباب (يعني فئات غير ناضجة فكريا و دون مناعة نقذية)(يمكن معرفة فئات الزوار من خلال وسائل تحليل الترافيك)
    استسمح وشكرا.

  3. بعد قرأتي لمقالا ت أخرى…
    بعد قرأتي لمقالا ت أخرى لديكم في هذا الموضوع ، اشكركم على مجهوداتكم بهذا الخصوص ، لكن ما قلته بخصوص هذا المقال بالضبط ابقى متمسكا بها.

    1. مرحباً أيوب،

      شكراً لمشاركتك…

      مرحباً أيوب،

      شكراً لمشاركتك وعرض وجهة نظرك.

      تحياتنا

  4. تعرضت لختان بشع والناتج…
    تعرضت لختان بشع والناتج انعدام الرغبة

    1. مرحباً ليلى،

      الختان قد يؤدي…

      مرحباً ليلى،

      الختان قد يؤدي إلى نقص الاستمتاع أثناء الممارسة الجنسية ولا يؤثر على الرغبة بشكل مباشر. ولكن تعرضك لهذه التجربة الصعبة قد تؤدي إلى القلق حول الممارسة الجنسية مما يؤدي إلى نقص الرغبة.

      أنصحك بمشاهدة الفيديو التالي

      https://m.youtube.com/watch?v=3hwmmV05718

      تحياتنا

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات