“ماما.. الشمس صحيت”.. الأم العاملة وفقرة الساحر التي لا تنتهي
ليس سهلاً أن تكوني زوجة وأماً وعاملة في الوقت نفسه، الأمر أشبه بفقرة الساحر الذي يسعى للحاق بكل الكرات. أسلوب حياة صعب، وييسُر فقط بدعم الزوج والمجتمع.
“والآن مع فقرة الساحر”؛ تسمعها ويظهر أمامك رجل يقذف بأكثر من كرة في الهواء بيديه، محاولاً أن يحافظ على عدم سقوط أي واحدة منها، من خلال التركيز الشديد بين الإمساك بواحدة، والقذف بالأخرى وعينيه على الكرات التي ما تزال عالقة في الهواء فوق رأسه.
في الإنجليزية يطلقون على هذه اللعبة “juggling”، والمعنى الحرفي لتلك الكلمة هي السحر أو الشعوذة، بمعنى أن النجاح في عدم إسقاط أي كره من يد الساحر هي بمثابة فعل سحري يثير الدهشة.
في هذا التقرير ليس الساحر رجلاً، بل امرأة ينطبق عليها هذا الوصف، حاورتها لكم، وسأصطحبكم معها في رحلة بعنوان “يوم في حياتها”.
لا سحر ولا شعوذة
تسنيم محمد؛ أم شابة في منتصف الثلاثينيات من عمرها لطفلة تبلغ من العمر ثلاثة سنوات، ومحررة أولى في أحد المواقع الصحافة الإلكترونية العربية ومدير فريق بنفس الموقع.
هي في الأساس خريجة كلية الزراعة وحاصة على ماجستير ميكروبيولوجيا زراعية. أنجزت تمهيدي درجة الدكتوراه في نفس المجال، ولكن هذا المشروع – الدكتوراه- مؤجل الآن، وهي بطلة قصتنا اليوم.
فقرة الساحر التي نقدمها لكم لا نرصدها في السيرك، أو في أحد نوادي الترفيه، بل يمكنك أن تجدها في الكثير من البيوت المصرية، بل في جميع المنازل بالعالم، وهي المرأة القادرة على موازنة كونها امرأة عاملة، وأم، وزوجة، وإنسانة مستقلة لها حياة وأصدقاء وهوايات.
تلك المرأة التي تقوم بتلك المهام يومياً بالتوازي مع بعضها البعض، بينما هناك مهمتان في يدها، والثالثة عالقة في الهواء تنتظر منها أن تتلقاها، ورابعة تحاول شق طريقها إلى جدولها اليومي المزدحم.
وفي الحالتين؛ سواء لدى الساحر أو المرأة العاملة، يتطلب الأمر الكثير من التدريب والمجهود المبذول فيه والحيل التي يكتشفها كل فرد عن طريق التجربة والخطأ.
صباح يوم جديد
“ماما الشمس صحيت” هي الكلمة الأولى التي تسمعها تسنيم في السابعة صباحاً على لسان طفلتها زاد، المستيقظة بكامل نشاطها وحيويتها، بينما ما زال جسد الأم يتعافى من إرهاق الأمس والذي قضته في يوم آخر عادي في حياتها.
يوم تسنيم يبدأ بـ “الفضلات”، وفي الوقت الذي يحتاج فيه الشخص العادي نصف ساعة على الأقل ليستجمع قواه لبدء يومه، تنظف هي فضلات طفلتها التي تسربت من ملابسها في حادثة تقع بشكل متكرر، بجانب فضلات القطة، ولكنها أيضاً تريد أن تغسل وجهها، ولكن ليس هناك وقت لهذا الآن، لأنه وقت الإفطار.
ولكنه أيضاً نداء الطبيعة، والدقائق التي تقضيها تسنيم في دورة المياه صباحاً، كفيلة بأن تكون السبب في المزيد من الحوادث الصغيرة اليومية التي ترتكبها زاد بعينيها الطفوليتين البريئتين. وأول ما لفت نظري أن الأيام في حياة تسنيم تفتقد الممارسات اليومية التي نقوم بها ولا نقدر قيمتها، مثل الحمام الدافئ الطويل قبل النوم، أو ساعات الانتعاش في الصباح لشحن الطاقة.
“شيفت” الطهي يتخلله “شيفت العمل”
أي قرار مهما بدا تافهاً من وجهة نظر البعض يجب أن يضع الطفل في الاعتبار، تقول تسنيم: “غالباً ما تقدم الأم مصلحة الطفلة على مصلحتها”.
تجلى هذا في اختيارها لقبول وجود القطة في البيت، لأنها مفيدة لصالح التنمية العاطفية والنفسية لطفلتها، على الرغم من أن وجود حيوان أليف في البيت أشبه بوجود طفل ثانٍ.
تعمل تسنيم الآن من المنزل بعد أن حصلت على إجارة رعاية طفل من مركز البحوث، وعملها كمحررة أولى يتطلب منها تحرير تقريرين في الصباح بعد أن تنتهي من مهمة إفطار زاد، ولكن على سبيل المثال في اليوم الذي تحدثت إليها فيه، وقعت حادثة من الحوادث التي تطلق عليها عابرة رغم تكرارها.
أثناء انشغال تسنيم بتحرير أول مادة، أسقطت زاد كوباً من الحليب على ماكينة صنع القهوة أثناء توصيلها بالكهرباء، وكان عليها إنقاذ هذا الموقف في نفس الوقت الذي كانت تحرر فيه التقرير، وتوضح لي أن هذا أقل ما يمكن أن يحدث أثناء عملها، خاصة وأن ابنتها ترفض أن يأخذ “اللابتوب” اهتمام أمها منها.
“ماما بتحكي مش متعصبة”
في المقابل يكون على تسنيم إنهاء جزء يتم تحديده مسبقاً من مهام عملها التحريرية قبل الساعة الثانية عشر، حتى تبدأ مهام الطهي، وهذا لأن زوجها الذي يعمل طبيب أسنان يذهب للعمل في الرابعة عصراً، وعليه تناول الغداء قبل ذهابه للعمل.
في الأوقات التي يكون فيها الأب في المنزل، يحاول قدر إمكانه مساعدة تسنيم في مهام زاد، من خلال تنفيذ طقس الاستحمام اليومي، أو شغل وقت زاد باللعب أثناء عمل تسنيم أو قيامها بالطهي، أحياناَ يخرج مع الطفلة لزيارة الجدة حتى يمنح تسنيم وقتاً من الراحة، ولكن ظروف عملها من المنزل، وظروف عمله من خارج المنزل، تجعل قدرته على مساعدتها في مهام الطفلة محدودة للغاية.
توضح تسنيم أنها لا تلجأ للطعام الجاهز من الخارج إلا مرة واحدة في الأسبوع، كما أنها لا تشتري الأطعمة نصف المطهية، حفاظاً على صحة أسرتها، ولذلك يكون طقس الطهي طقساً يستهلك وقتاً طويلاً من اليوم، ووجبة اليوم الذي شاركناها فيه؛ حماماً محشياً.
تقول لي تسنيم هذا في تسجيلات صوتية أسمع في خلفيتها صوت “تحمير” البصل، بينما زاد تتحدث بجوارها طالبة منها ألا تكون “عصبية”، تطمئنها تسنيم قائلة “ماما بتحكي مش متعصبة”.
وتخبرني تسنيم أنها لا تلجأ إلى منح طفلتها هاتفاً ذكياً لمشاهدة المقاطع المصورة على “اليوتيوب” بغرض كسب بعض الوقت للطهي أو العمل ولم تلجأ لهذا الأمر سوى فترة الحجر الصحي، وهذا سبَّب إدمان لطفلتها، قضت وقتاً طويلاً في محاولة علاجه، وكان التعامل مع أعراض الانسحاب مهمة جديدة تضاف إليها.
“انتهيت حرفيًا”.. طقوس ما قبل النوم
في نفس اليوم الذي تحدثنا فيه مع تسنيم، رن الهاتف مظهراً على شاشته اسم مدير العمل.
في حين تطلب زاد انتباهها الكامل وتنشغل في عملية الطهي المعقدة، كان عليها الرد على الهاتف لتعلم أن لديها اجتماعاً في تمام الساعة الرابعة والنصف.
هكذا عليها إنهاء مهام الغداء سريعاً لتستعد لهذا الاجتماع الذي يمتد -أونلاين- لمدة ساعة كاملة.
تقول تسنيم إن التحدي الحقيقة هو أن لا تفقد أعصابها، وأن لا تفرغ توترها وعصبيتها على طفلتها، التي لا تدري أن أمها بحاجة إلى الصمت والهدوء الآن.
هل استمتعت تسنيم بوجبة الطعام التي قضت ساعات تجهزها لأسرتها؟ وهي تأكل على عجالة لتلحق بالاجتماع؟ لم أجرؤ على طرح هذا السؤال.
“انتهيت حرفياً” تقولها تسنيم في تمام الساعة السادسة مساء.
ولكن رغم إرهاقها عليها الاستعداد لطقوس ما قبل النوم مع زاد: تغيير الملابس والعشاء الخفيف وغسيل الأسنان. أما الأكثر تعقيداً، فهو إقناع طفلتها بالنوم، في حين تتعلق الطفلة بأي نشاط يمنعها من الاسترخاء في الفراش.
بعد طقوس قد تستمر لمدة ساعة والتي وصفتها تسنيم بالـ “مأساة”، لن يكون نهاية اليوم بالنسبة لها، فهناك المزيد من العمل عليها أن تقوم به قبل أن يأتي زوجها من العمل، وتبدأ طقس تحضير العشاء لهما.
تنهي عملها بالطاقة القليل التي تبقت معها، عليها أن تستجمع تركيزها لأنها العين الأخيرة التي تنظر للتقارير قبل النشر، وأي خطأ ستحاسب هي عليه وليس كاتب المقال.
بعد انتهاء عملها الذي استغرق في المجمل ما يزيد عن ثماني ساعات، و14 ساعة مع زاد قبل أن تخلد للنوم، والانتهاء أيضاً من ترتيب المنزل قدر الإمكان ليكون جاهزاً لاستقبال زوجها، عليه أن تعود للمطبخ مرة أخرى، لتجهيز العشاء.
يمكنك أن تتخيلها وهي تتناول طعام العشاء وهي في أمس الحاجة للنوم، والساعة الآن تقترب من الحادية عشر مساءً.
ولكنها أيضاً، طوال اليوم، لم تجلس مع زوجها ساعة واحدة على انفراد. يكون زوجها متحمساً لمشاهدة عروض “نتفلكس” معها، وأن يقضيا معاً بعضاً من الوقت.
هي أيضاً تريد ذلك، وإلا لن تجد حياتها الزوجية مكاناً وسط يومها، ولذلك تشاركه هذا الطقس الذي يستمر للساعة الثانية عشر أو بعد ذلك.
تتجه إلى النوم وهي في غاية الإرهاق، وتشعر أنها بحاجة إلى يوم راحة كامل، ولكن صوت زاد يأتي مرة أخرى في الساعة السابعة صباحاً قائلاً: “ماما.. الشمس صحيت”.
تؤكد تسنيم أنها ليست امرأة خارقة، وإنها قد تخفق أو تسيء التقدير أحياناً.
تتذكر تسنيم أهم موقف جعلها تشعر بالتقصير، وكان في الشهور الأولى لولادة زاد، عندما كانت الطفلة مريضة وتبكي طوال الوقت، ظنت تسنيم لعدم خبرتها في ذاك الوقت أن هذا ما يفعله حديثو الولادة، ولم تهتم للأمر، حتى ساءت حالة الطفلة ثم اكتشفت أن سبب مرض طفلتها أنها مصابة بحساسية الألبان، الأمر الذي مثَّل مهمة جديدة تُضاف إلى مهامها كأم جديدة، وهي العمل على توفير مراقبة طعامها حتى توفر لطفلتها اللبن الصالح لتغذيتها.
أسلوب حياة تسنيم يؤثر أيضاً على حياتها الاجتماعية، قبل كتابة هذا التقرير بأيام، رأيت وجهاً آخر من حياتها ربما لم تنبه هي إليه، وهي لحظة اللقاء بالصديقات، كان تجلس معي أنا وصديقتنا الثالثة، هي تخبرنا أنها أمامها ساعة واحدة فقط تقضيها معنا، تلك الساعة قد تحدث كل خمسة أشهر أو أكثر من ذلك.
لا ينبغي للأحلام أن تتوقف
أكثر ما يثير التقدير والاحترام في نفسي تجاه تسنيم، هو الإصرار على عدم ترك أحلامها البحثية والدراسية وراءها على الرغم من الضغوط اليومية التي تتعرض لها، خاصة وأنها كانت تستعد للسفر إلى الصين، ومعها تذكرتها والتأشيرة لاستكمال الدكتوراه، في حين اكتشفت أنها حامل في زاد، ما منعها من السفر.
ولكن هذا لم يوقفها، وقبل ظهور الجائحة في العام 2020 واثناء عملها بدوام كامل كأم وزوجة ومحررة أولى، قدمت في برنامج لدراسة الدكتوراه بجامعة ناجويا في اليابان، ونجحت في البحث المبدئي للرسالة، وتخطت بنجاح اللقاء مع المشرف على الرسالة عبر سكايب، وكانت تخطط للسفر هي وزوجها وابنتها لاستكمال الدكتوراه في اليابان، ولكن الجائحة حالت دون ذلك.
تؤكد تسنيم لي أنها رغم كل هذه الضغوط تعتبر نفسها امرأة محظوظة، ترى نفسها شخصاً قوياً ومستقلاً مادياً، ولديها زوج يحترم أحلامها ويساعدها بالقدر الذي يستطيعه.، وعلى الرغم من ذلك تشعر في أحيان كثيرة بالإحساس بالذنب والتقصير، ولا ترى في نفسها الأم الخارقة رغم كل ما يبدو بالنسبة لنا.
تشعر تسنيم أن النساء اللواتي يمررن بالمعاناة الحقيقية هن نساء “الطبقة المطحونة” لأن لا واحدة منهن تمتلك أجهزة حديثة في مطبخها، ولا يوجد لدى أي منهن القدرة على الاستعانة بمساعدة لتنظيف المنزل من حين إلى آخر.
وهي محظوظة أيضاً بزوجها مقابل نساء كثيرات لا يقدر أزواجهن طموحهن الشخصي، إذ لا يعتقدون أن للمرأة طموح خارج كونها أماً وزوجة.
لقراءة المزيد: ما الذي يجعل هذا الزواج ناجحاً؟
انا حينما افكر بالامومه…
انا حينما افكر بالامومه ساضحي بوظيفتي واذا كان زوجي ( حيطه مايله ) لن انجب واضحي بزوجي وانسى شيء اسمه امومه .