تسنيم فهيد
الحب ثقافة

المرأة قوة

“التحدي لم يدفعني إلى خانة اليأس والاستسلام وتذويت صورهم النمطية، بل شعرت بقوة في داخلي، تدفعني لأصبح أكثر عناداً وصلابة. قوتي كامرأة جعلتني لا أتهاون أو أتغاضى عن أي خطأ”

استكمال دراستي العليا والعمل في المجال الأكاديمي كان الحلم الذي لطالما حلمت به. وحين لم  تسمح لي الظروف بعد تخرجي من استكمال درجة الماجستير، اضطررت لوضع الحلم جانباً، والمضي في حال سبيلي والعمل لمدة من الزمن كمهندس أغذية في إحدى المصانع المصرية. كانت تجربة ثريّة، علمتني عدة دروس في الإصرار وما يدفع المرأة للاستمرار.

كنت المهندسة الوحيدة وسط 22 مهندساً ذكراً، هذا إذا استثنينا المديرين والعمّال. وبحكم عملي في إدارة المعامل والجودة، وقعت عليّ مسؤولية أخذ العينات واجراء الاختبارات الميكروبيولوجية عليها، والوقوف على أسباب التلوّث ونقطة وقوعه. واجهت الكثير من التمييز السلبي، والحكم على أدائي وكفاءتي لمجرد أني امرأة في ذلك الموقع.

التحدي لم يدفعني إلى خانة اليأس والاستسلام وتذويت صورهم النمطية، بل شعرت بقوة في داخلي، تدفعني لأصبح أكثر عناداً وصلابة. قوتي كامرأة جعلتني لا أتهاون أو أتغاضى عن أي خطأ. في الوقت ذاته، وبفضل ولعي بنقل المعلومة، صرت أوجّه العمّال وأشرح لهم بأسلوب مناسب عن أسباب التلوث الواقع وكيفية تلافيه. مع الوقت، تمكنت من إثبات جدارة المرأة في ذلك الموقع، وأصبحت محل ثقة من قبل كثيرين وغيرة البعض.

اكشفت أن العالم الأكاديمي أيضاً لا يخلو من التمييز ضد المرأة

 التمييز ضد المرأة في الحقل الأكاديمي
سنحت لي الظروف ومثابرتي بعد ذلك، باستكمال دراستي العليا. والتحقت بالعالم الأكاديمي، الذي اكشفت أنه أيضاً لا يخلو من التمييز ضد المرأة. من ذلك مثلاً تعليق أحد أساتذتي يوماً ما أن “البنات بتسجل ماجستير ودكتوراة عشان فاضيين، وأول ما يتخطبوا أو يتجوزوا، بيختفوا وشكراً على كده!”. وقتها نفيت عن نفسي تهمة التخلي عن الدراسة، دون أن أخوض نقاشاً حاداً أنفي فيه هذه التهمة عن بنات جنسي، أو أوضّح مدى المسؤولية والضغوط الجسيمة التي تتكبدها الفتيات للتوفيق بين الدراسة والبيت والعمل، وأن من حقهنّ ترتيب الأولويات بما يتوافق معهنّ.

لاحقاً وبعد سنوات، وعندما علق أحد أساتذتي على ورقة بحثية قدمتها بعد الزواج ولم تعجبه، بأني أعددتها أثناء “الطبخ”، تخشّب وجهي وأظهرت ضيقي، وقمت باستعراض سيرتي الذاتية ووظيفتي البحثية التي تُحتّم عليّ الوصول إلى درجة أستاذ دكتور، لا مجرد الحصول على درجة الدكتوراة، ثم تطور الأمر إلى اتخاذي قرارا بإلغاء تسجيلي للحصول على درجة الدكتوراة من هذه الجامعة والبدء من الصفر.. من جديد.

لماذا ندفع نحن النساء قيمة مضاعفة لأي نجاح نجنيه؟

احترامي لنفسي ولما وصلت إليه وإثناء غيرهم من الأساتذة والأخصائيين الدوليين على مستواي الأكاديمي، جعلني أرفض الإهانة والقبول بالتقليل من شأني، ارضاءً لسقف تفكير محدود وغرور ذكوري مارسه عليّ بعض أساتذتي، وأصررت على عدم استكمال دراستي معهم، والبحث على أفق أوسع، يقدّر المرأة.

جدتي نفيسة
الحب ثقافة

جدتي نفيسة؛ مصدر قوتي والهامي
أسأل نفسي طيلة الوقت… لماذا ندفع نحن النساء قيمة مضاعفة لأي نجاح نجنيه؟. هل كان أستاذي سيُعلّق بهذا التعليق الذكوري المهين، لو كان من قدّم له الورقة البحثية التي لم تعجبه باحث رجل؟ وهل كان سيصف باحث زميل أنه يتقاعس عن الدراسة والاجتهاد لمجرد أنه تزوج؟.

لا أنكر أني أحياناً أفقد إيماني بقوتي وبجدوى كل هذا، بل أشعر بالاستنزاف وأتمنى لو أني أستطيع التخلّي عن كل هذا وعدم السعي من أجل أي شيء. لكني أعود وأتذكر جدتي لأمي، الجدة الوحيدة التي تعرفت عليها، المرأة ذات الأصول الصعيدية، التي لم تتعلم القراءة والكتابة، وبرغم ذلك تكفّلت بمفردها – بعد أن ترملت صغيرة جداً- بتربية سبعة أبناء؛ أربع بنات وثلاثة ذكور، أصغرهم كان رضيعاً.

تحملت جدتي المسؤولية كاملة، وعلّمت أبناءها جميعاً برغم ضيق الحال وعدم وجود معاش لجدي أو ميراث يدرّ لها دخلاً ثابتاً. وحصل بعض أبنائها، وأحفادها وحفيداتها على درجات علمية  عالية منها درجة الدكتوراه والماجستير، ويعمل بعضهم في المجال الأكاديمي.

أجل… أواصل مثابرتي لتحقيق طموحي، برغم  التعليقات السخيفة والتضييق والسقف الذكوري المحدود.. أواصل التحدي.

فمثال القوة الحقيقي في حياتي، والذي أستمد منه طاقتي هو جدتي، “نفيسة عمر محمد”.. وإليها يرجع الفضل في نجاحي وإصراري على المواصلة وعدم الاستسلام. إنها مصدر قوتي والهامي الذي يساعدني على تجاوز العقبات. من مصدر قوتك والهامك؟

ملاحظة: الآراء الواردة في المدونات تعبّر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (1)

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات