مرض السرطان
Shutterstock

“الحرب على السرطان”.. هل هي معركة حقاً؟

عندما يأتي الحديث عن مرضى السرطان، كثيراً ما نصادف مصطلحات مثل “الحرب” على المرض، و”الانتصار” عليه، ولكن هذه المصطلحات العسكرية قد تؤذي المرضى بدلاً من رفع معنوياتهم.

منذ عدة أعوام، حين توفيت المطربة الفلسطينية ريم بنا بسبب سرطان الثدي، الذي ظلت تعاني منه لمدة 9 سنوات، إذ شفيت منه ثم عاد مرة أخرى، تناولت الصحافة خبر وفاتها بطريقة أن المرض هزمها أخيراً بعد سنوات من محاربته.

حالة ريم اتسمت بالخصوصية لكونها فنانة مشهورة، بالإضافة إلى أنها كانت تشارك أخبارها الصحية مع الجمهور، ولكن حالتها أظهرت أيضاً كيف تتعامل الصحافة مع السرطان بالمصطلحات القتالية.

لا شك أنك أثناء اطلاعك على الصحف أو المواقع الإخبارية صادفت مثل هذه العناوين:

  • لقد فقدنا فلان المقاتل بعد أن هزمه السرطان
  • أشهر محاربة سرطان بمصر يهزمها المرض
  • لقد تعافى فلان بعد أن انتصر على السرطان
  • متعافية من السرطان تروي صراعها مع المرض

الأمر لا يقتصر على الصحافة، وإنما يمتد، للأسف، إلى المسؤولين عن القطاع الصحي، فكثيراً ما نسمعهم يصرِّحون بأنهم يشنون حرباً على الأمراض لمكافحتها، مستخدمين لغة الحروب ومصطلحاتها، مثل الهزيمة والانتصار.

المشكلة أن التعامل مع الأمراض على أنها حروب أو معارك يجب الانتصار فيها، أو وصف الإصابة بالمرض على أنه اقتحام أو احتلال، لا ينقل صورة صحيحة، لأن هناك الملايين الذين يعانون من الأمراض المزمنة، مثل السكر والأمراض المناعية وضغط الدم وفيروس نقص المناعة البشري، وكلها أمراض لا علاج شافٍ لها، ونحن لا نخوض معها حروباً بل نتعايش مع وجودها.

بالإضافة إلى ذلك، نحن لا نسمع عن أننا فقدنا هذا الشخص أو ذاك بسبب هزيمته بجلطة قلبية أو حادث طريق.

من المفهوم أن سبب استخدام هذه المصطلحات هو رفع معنويات المرضى، ولكن كثيراً ما يأتي هذا بنتائج عكسية.

 

الطب لا الحرب

 

لا يعد استخدام مصطلحات الحرب عند التعامل مع السرطان حديثاً، إذ بدأ مع بداية القرن العشرين، تحديداً عام 1904، حين ذُكر لأول مرة في المجلة الطبية البريطانية. ورَسَخَت هذه المصطلحات حين استخدمها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1971، في خطابه عن السياسة الوطنية تجاه السرطان.

ولكن مع مرور الزمن، أثبتت العديد من الدراسات أن هذه المصطلحات غير دقيقة، بالإضافة إلى أنها تسبب العديد من المشاكل للمرضى.

التعايش مع السرطان
shutterstock

إذا سلمنا باستخدام مصطلحات الحروب في التعامل مع السرطان، سنكتشف أنها حرب غير عادلة أو متكافئة؛ ما يجعلنا قادرين على مكافحة بعض الأمراض وعلاجها هو أن العلوم الطبية توصلت إلى طبيعة عمل المرض، وبالتالي توفير علاج شافٍ له، وليس قدرة المريض على مكافحة المرض من تلقاء نفسه.

ومن ضمن المشاكل التي قد تنتج عن التعامل مع الأمراض عموماً والسرطان خصوصاً بمصطلحات الحروب، هي أنها تضع الكثير من العبء واللوم على المرضى، وكأنها تحثهم على وجوب محاربة المرض، إذ ينبغي أن يكونوا أقوياء في مواجهته.

أما في الحالات التي يتفشى فيها المرض في أجسادهم، يبدو الأمر وكأنهم “هُزموا” أمام المرض، أي أنهم ضعفاء لم يقووا على المواجهة.

تحمل هذه الاستعارات القتالية إشارة إلى أن المرضى الذين فقدناهم فشلوا في القتال بقوة كافية، أو “استسلموا” للمرض، في مقابل من نجوا لأنهم “حاربوا” المرض بطريقة أكثر صرامة، وهذا غير صحيح ولا دقيق من الناحية الطبية.

لهذا تضع مصطلحات الحروب ضغطاً نفسياً كبيراً على أصحاب الأمراض، إذ تحثهم على أن يكونوا في حالة كفاح دائم، وبالإضافة إلى هذا الضغط النفسي، قد يؤثر هذا التفكير على اختياراتهم العلاجية، إذ قد يختار المريض/ة جراحات أو علاجات لها مردود صحي ضئيل حتى يتخلص من هذا الضعف أو المرض سريعاً.

أظهرت دراسة أن استخدام هذه المصطلحات العسكرية غير الموفقة، أدى إلى استخدام مفرط للعلاج الكيميائي في السرطانات غير القابلة للعلاج من أجل تحقيق بقاء أطول أو نوعية حياة أفضل من التي تحققها الجرعات الفعالة الأقل. وحُرم العديد من المرضى المصابين بالسرطان المتقدم من الوصول إلى الرعاية التلطيفية المبكرة التي يوجد دليل قوي على فائدتها.

ويوجد مرضى ليست لديهم خيارات علاجية كثيرة، وهذا يشعرهم بالعجز، خاصة مع وجود العديد من السرطانات التي تتطلب علاجات لوقت طويل، أو السرطانات التي لا تشفى تماماً وينبغي على المريض/ة التعايش معها، بالإضافة إلى أن العديد من أنواع السرطانات قد تعود مرة أخرى.

ورغم أنه من المفهوم أن استخدام هذه المصطلحات جاء من أجل تشجيع المريض على مقاومة المرض والالتزام بالعلاج، أثبتت بعض الدراسات أنها ساعدت على ترسيخ أن مرض السرطان صعب علاجه، وقد يتهرب البعض من إجراء فحوص مبكرة خوفاً من معرفة إذا كان مريضاً أو لا.

مريض السرطان
shutterstock

وفي العموم، قد يقلل هذا التعامل مع المرض من الاهتمام بالدعم والرعاية التي يستحقها المريض، بدون أي ضغوط عليه، مقابل اعتبار المرض عدواً عليه أن يسعى لمواجهته.

المرضى الذين فقدناهم بسبب السرطان ليسوا بالضرورة ضعفاء أو مهزومين.  

وحتى هؤلاء الذين “انتصروا” على السرطان لم تنته معاناتهم بفوزهم في الحرب، لأن عودة السرطان تظل قائمة.

وهذا المفهوم يقلل من معاناتهم بعد الشفاء أو التعافي، ما قد يؤدي إلى تقليل الرعاية الصحية والنفسية لهم على أساس أنهم انتصروا وانتهوا من المعركة، في حين أنهم ما زالوا بحاجة إلى الرعاية الاجتماعية والشخصية لتعويض ما فاتهم أثناء رحلة العلاج، وكذلك الاهتمام الطبي حتى لا يعاودهم المرض.

 

التعافي لا النجاة

 

سعياً لتجنب مصطلح الانتصار، اتجه البعض لمصطلح “النجاة” من السرطان، لوصف من عولجوا منهم، ولكن هذا المصطلح شائك أيضاً لأنه يعتبر المتعافين ضحايا نجوا، بالضبط كمن فروا ونجوا من الحرب.

لذلك يظل الحل الأفضل حتى الآن أن نقول عن المرضى أنهم متعايشون مع السرطان، أما من تجاوزوا المرض فيمكن أن يُقال عليهم “المتعافين”.

أخيراً، علينا أن نحترم اختيارات الأشخاص المصابين أنفسهم، لأن لديهم الحق بأن يطلقوا على أنفسهم الوصف الذي يريدونه، ولكن من المهم أيضاً تجنب الضغط عليهم وإضفاء مصطلحات بعينها عن تجربتهم.

 

إذا كنت تتعامل/ين مع مريض بالسرطان، يُفضَّل أن تسأله عن الوصف الذي يفضل/تفضل استخدامه.

 

ولكن نصيحتنا هي تجنب المصطلحات القتالية والعسكرية لأنها غير دقيقة طبياً وغير عادلة لوصف مرض منهك مثل السرطان.

مصادر

Vox

The guardian

The Lancet

Jama network

 

** تاريخ آخر تحديث: 27 فبراير 2024

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

آخر التعليقات (2)

  1. الوقوف بجانب مرضى السرطان…
    الوقوف بجانب مرضى السرطان ودعم معنوياتهم بحد ذات جزء من العلاج النفسي لهم ، ربي يشافيهم ويعافيهم .

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات