الفيروسات التنفسية وتأثيرها على الحمل
الأمراض التي تسببها الفيروسات التنفسية لها خطورتها الشديدة على المرأة الحامل، وجزء من خطورتها نابع من سرعة انتشارها. ولكن الأخبار السعيدة هي أنه يمكن تجنب تلك الأمراض بأخذ الاحتياطات اللازمة والاهتمام بالوقاية.
معظم البشر، إن لم يكن جميعهم، أصيبوا في طفولتهم بالحصبة أو الحصبة الألمانية أو الجديري أو النكاف.
كل هذه الأمراض تسببها فيروسات تعيش مع الإنسان ربما منذ نشأته.
وكل ما سبق ذكره من فيروسات ينتقل عن طريق الجهاز التنفسي، من خلال الرذاذ التنفسي الناتج عن طريق العطس والكحة، ومثلها في ذلك مثل كل الفيروسات المسببة للأنفلونزا.
عادة ما نصاب بهذه الفيروسات والأمراض الناجمة عنها ونحن صغار.
وتختلف حدة الأعراض من أعراض تنفسية طفيفة تشبه نزلة البرد والأنفلونزا إلى أعراض تنفسية حادة، بالإضافة إلى ظهور طفح جلدي مميز لكل من الحصبة والحصبة الألمانية والجديري، وتورّم الغدة النكافية في حالة النكاف.
وقد يصاب الطفل بهذه الفيروسات ولا تظهر عليه أي أعراض، هذا جائز.
ورغم إصابة الطفولة هذه -حتى بعد تناول التطعيمات الإجبارية- إلا أن تأثيرها، أو لنقل مضاعفاتها، بسيطة ونادرة بالنسبة للأطفال والمراهقين.
أما إصابة البالغين بأحد هذه الفيروسات فقد تسبب أعراض تنفسية حادة تصل إلى الالتهاب الرئوي الحاد.
وقد تصاب الحامل بأحد هذه الفيروسات إذا خالطت أشخاصاً أو أطفالاً مصابين.
وفي هذه الحالة تختلف المضاعفات باختلاف فترة الحمل التي أصيبت فيها.
وقد يصل الأمر إلى الإجهاض أو ولادة جنين ميت أو مصاب ببعض التشوهات الخلقية.
ولسوء الحظ لا توجد حتى الآن طريقة لمنع هذه المضاعفات.
لذلك تظل الوقاية هي الحل الأسلم.
الفيروسات التي تؤثر على الحامل
أود الإشارة أولاً إلى أن أعراض هذه الفيروسات على الحامل هي نفسها التي تظهر على غير الحامل.
ومن هذه الفيروسات:
1. الحصبة الألمانية والحصبة
الحصبة الألمانية ليست مرضاً خطيراً بشكل عام.
لكن إذا تعرضت سيدة حامل -لم تحصل على تطعيم الحصبة الألمانية خلال الطفولة- لأشخاص أو أطفال مصابين بالحصبة الألمانية، وخاصة إذا كانت الإصابة خلال الأسابيع الـ 12 الأولى للحمل، فقد يحدث إجهاض للحمل أو ولادة جنين ميت أو ولادة جنين مصاب بمتلازمة الحصبة الألمانية الوراثية وأعراضها هي:
ولادة طفل صغير الحجم مصاب بطفح جلدي، وقد يصاب بالعمى والصمم وتشوهات بالقلب، ويحدث له تدمير لخلايا الكبد والطحال.
2. الجديري
إصابة الحامل بالجديري، خاصة إذا لم تكن حصلت على التطعيم في الطفولة، قد تؤدي إلى حدوث متلازمة الجديري الوراثية للجنين، وذلك عند الإصابة خلال الأسابيع العشرين الأولى للحمل.
ومن أعراضها: ولادة طفل برأس صغير الحجم، وندبات بالجلد، وتشوهات بالأطراف، والعمى.
ولكن هذه المتلازمة نادرة الحدوث.
أما إذا أصيبت الحامل في الثلث الثاني من الحمل، فعادة ما يولد الطفل طبيعياً.
وقد يظل الفيروس كامناً بجسم الطفل عدة أعوام ثم يظهر في شكل حزام ناري (Herbes Zoster) وهو طفح جلدي مصحوب بالتهابات شديدة وألم عنيف.
3. النكاف
إذا أصيبت سيدة حامل بفيروس النكاف خلال الثلث الأول من الحمل فقد يحدث إجهاض للجنين.
والنكاف هو المرض الناتج عن فيروس النكاف -يصيب الأطفال في سن المدراس وما قبلها- حيث تتورم الغدة النكافية (غدة على الخد أمام الأذن تفرز اللعاب)، مع ارتفاع درجة حرارة الجسم وأحياناً الكحة والعطس.
وقد يصيب الخصية ويسبب التهابها وتورمها، ونادراً ما يؤدي إلى انكماشها، أو أن يسبب العقم عند الرجال.
الكورونا
مع بدايات عام 2020 ظهرت حالات إصابة بفيروس الكورونا المستجد (COVID-19)، وهو أحد الفيروسات المتشابهة مع الفيروسات المسببة للأنفلونزا، والذي انتشر، وبسرعة، حول العالم حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية عن جائحة الكورونا العالمية.
وكما تنتشر الحصبة والجديري عن طريق رذاذ الأنف والفم الناتج عن العطس والكحة، فإنّ الكورونا ينتشر بنفس الأسلوب.
وحسب مركز مكافحة الأمراض الأمريكي، وفي إطار ما هو متاح من المعلومات حتى الآن، فإنّ فرصة إصابة الحامل بفيروس الكورونا هي نفسها لغير الحامل.
أما المعلومات الأكيدة فهي أن جسم الحامل أضعف من جسم غيرها نتيجة التغيرات الهرمونية، ووجود جنين يتكون بداخلها.
وقد تتعرض الحامل لأعراض تنفسية أكثر حدة، حتى مع الأنفلونزا العادية.
ولأنه لا توجد حتى الآن معلومات علمية دقيقة حول تأثير إصابة الحامل بفيروس الكورونا سواء على الحمل أو على الجنين، ولم يتمكن العلماء والأطباء من تخليق تحصينات ضده، فإن الوقاية من الإصابة هي أهم ما يمكننا فعله حيال هذا الفيروس.
ويمكن الوقاية بتجنب مخالطة أشخاص مصابين بالفيروس، وغسل الأيدي بالماء والصابون، أو تعقيمها بالكحول باستمرار، وتعقيم الأسطح التي يسهل ملامستها باستمرار أيضاً.
التطعيمات
بفضل التحصينات والتطعيمات ضد هذه الفيروسات استطاع البحث العلمي والطبي تقليل حدة وخطورة هذه الأمراض.
جميع الرضع حول العالم يتناولون التطعيم الثلاثي ضد الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف (MMR) خلال العامين الأولين حسب جداول التطعيمات في كل بلد.
ورغم أن الحصبة الألمانية مرض بسيط كما أشرنا إلا أن إصابة الحامل به تؤدي، وبنسبة 90%، إلى ولادة طفل مصاب بمتلازمة الحصبة الألمانية الوراثية (CRS)، هذا إذا لم تؤد الحصبة لوفاة الجنين أو الإجهاض المبكر.
بحسب مركز مكافحة الأمراض هناك مائة ألف طفل حول العالم يولدون كل عام بهذه المتلازمة. ولذلك أطلقت منظمة الصحة العالمية عدة حملات حول العالم لإيصال هذا التطعيم لكل أطفال العالم.
استطاع التطعيم الثلاثي (MMR) تقليل أعداد الأطفال المولودين بمتلازمة الحصبة الألمانية الوراثية. فقد رصدت 8 حالات فقط بمتلازمة الحصبة الألمانية الوراثية في الولايات المتحدة، في الفترة من 2005 إلى 2015.
الحامل والتطعيمات والوقاية
يحظر للحامل تناول التطعيم الثلاثي لأنه مكون من الفيروسات نفسها بعد إضعافها ومعالجتها.
لذلك من الضروري تأجيل الحمل مدة شهر على الأقل حتى تحصل الأم على التطعيم، حال عدم تأكدها من تناوله في الطفولة.
و من الضروري أيضاً استشارة الطبيب في حالة ظهور أعراض تدل على إصابتها بالحصبة مثل ظهور طفح جلدي مع ارتفاع حرارة الجسم.
ساعتها يتمكن الطبيب من تحديد العلاج المناسب في الوقت المناسب، أو إعطاء أجسام مضادة حسب نوع الفيروس.
وبشكل عام يجدر بالسيدة الحامل الحفاظ على المسافات الآمنة وعدم مخالطة أشخاص أو أطفال مصابين بأعراض البرد والأنفلونزا، مع تناول كميات كافية من السوائل خلال اليوم، واتباع عادات غذائية وصحية سليمة.
مصادر
https://www.stanfordchildrens.org/en/topic/default?id=varicella-and-pregnancy-90-P02161
https://www.cdc.gov/rubella/pregnancy.html
https://www.cdc.gov/globalhealth/measles/
https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/need-extra-precautions/pregnancy-breastfeeding.html