لقاح الورم الحليمي البشري (HPV)، هل يحمي النساء فقط؟

ما أن تذكر الوقاية أو تلقي لقاح ضد عدوى منقولة جنسياً أو تصيب الجهاز التناسلي إلا ويعتقد الكثيرون أن ذلك ضروري فقط لمن ينخرط في علاقات جنسية متعددة، ولكننا هنا بصدد الحديث عن عدوى قد تحدث بمجرد التلامس الخارجي ولا تتطلب تعدد الشركاء الجنسيين (كذلك الحال في كثير من أنواع العدوى المنقولة جنسياً).

وقد تظل كامنة لسنوات في جسد المتعايش/ة لتنتقل للشريك/ة الجنسية، ومع تجاهلها قد تتحول أو تسبب أحد أخطر الأورام السرطانية في الرجال كما في النساء: حيث تتسبب تلك العدوى في سرطان الشرج، القضيب و أيضا الحنجرة في الرجال كما تتسبب في سرطان عنق الرحم عند النساء وبعض سرطانات الجهاز التنفسي العلوي في كلا الجنسين.


فيروس الورم الحليمي البشري هو العدوى الفيروسية المنتقلة جنسياً الأكثر شيوعاً في العالم؛ فمعظم الناشطين/ات جنسياً يصابون بالعدوى عند نقطة ما من حياتهم لمرة واحدة على الأقل. ويأتي وقت الذروة لاكتساب العدوى بعد الانخراط في النشاط الجنسي بفترة قليلة.


حيث تبدأ الثآليل في الظهور في فترة من شهر إلى ستة أشهر. تبدأ بشكل زائدة طرية، وصغيرة، ورطبة، بلون وردي أو رمادي. تنمو هذه الزائدة بسرعة، وتصبح قاسية، وبهيئة انتفاخ غير منتظم.

ورغم أن فيروس الورم الحليمي البشري ينتقل جنسياً، فإن الممارسة الجنسية الإيلاجيّة ليست شرطاً لانتقال العدوى. ويعدّ التلامس الخارجي للأعضاء التناسلية طريقة شائعة تماماً لانتقال العدوى. كذلك الجنس اليدوي أو الفموي حيث توفر منطقة الشرج والفم بيئة مناسبة لمعيشة الفيروس. كذلك القضيب، كيس الصفن، المهبل، الفرج.


هناك ما يزيد عن 100 نوع من فيروس الوَرَم الحُلَيمِي البشري والعديد منها لا يسبِّب مشاكل معقدة. وعادةً ما تختفي الأعراض ويقضي الجهاز المناعي عليه دون أي تدخّل في غضون بضعة أشهر بعد اكتسابها، ويزول نحو 90% منها خلال سنتين. وقد تستمر نسبة ضئيلة من حالات العدوى بأنواع معيّنة من الفيروس وتظل كامنة وتتطور ليزداد انتشار الثآليل وقد تصبح مؤلمة ومزعجة مع الوقت وقد تتحول أيضا للأورام السرطانية المذكورة سابقا.

في حالات قليلة ومحددة من ضعف المناعة مثل التعايش مع متلازمة نقص المناعة المكتسبة (إيدز) أو العلاج الكيماوي والإشعاعي يصعب أو يعجز الجهاز المناعي عن مقاومة تلك العدوى، إلا أنه في معظم الحالات ينجح الجسم في القضاء عليه واخماده. ولكن في حالاتٍ أخرى،  قد يتطور إلى إصابة المتعايش/ة معه بأنواع مختلفة من السرطانات: عنق الرحم والمهبل والفرج والشرج والقضيب والفم والحلق والجهاز التنفسي العلوي.


ينتقل الفيروس عن طريق ملامسة جلد منطقة مصابة لدى المتعايش/ة، ويتسبب في ظهور نتوءات أو بثور أو زوائد جلدية على المناطق المصابة به، وقد تحدث أيضاً التهابات بالأغشية المخاطية ومناطق الجلد المصابة.

الحصول على لقاح فيروس الورم الحليمي البشري HPV:

وإذا كنا هنا بصدد الحديث عن الوقاية من الفيروس وتلقي التطعيم، فكان يجب التوجه للمركز المختص بتقديم الخدمة للراغبين/ات في الحصول عليها، والسؤال عن كيفية الحصول عليه وعدد من حصلوا/حصلن عليه خلال العام الماضي كذلك كيفية الحصول على اللقاح والأنواع المتوفرة.


مركز “فاكسيرا” المختص بالمصل واللقاح في مصر لديه نوعان من اللقاح: جارداسيل وسيرفاريكس، وكلاهما يوفر الوقاية الضرورية من العدوى وتطورها إلى أورام سرطانية. وبالرغم من عدم وجود أى إجراءات معقدة للحصول على اللقاح إلا أن العزوف مازال مستمراً.


للحصول على اللقاح فقط تتوجه إلى الموظف/ة المسئول/ة – طبيب وطبيبة – وتبدي/ن رغبتك. اللقاح غير مجاني وتدفع رسوم لا تتجاوز بضع مئات من الجنيهات (هناك مطالبات بإدراج اللقاح ضمن البرنامج القومي للتطعيمات المجانية).  توجد فقط استمارة بسيطة تحتوى على أسئلة تختص بجمع وتحليل البيانات للأغراض البحثية والإحصائية، ثم تحصل على التطعيم عن طريق الحقن العضلي بالكتف وكارت للمتابعة؛  حيث يلزم الحصول على جرعتين تعزيزيتين بعد ذلك. بالإضافة لرقم للتواصل وتنبيهات لما يمكن توقعه بعد تلقي الحقنة. قد يشمل ذلك: ألم بسيط بموضع الحقن قد يستمر يومين واحتمالية حدوث ارتفاع طفيف في درجة الحرارة مع حكة بموضع الحقن.


تعذر الحصول على أي إحصائيات بعدد من تلقوا/تلقين اللقاح العام الماضي. فبناءً على محادثة جانبية، جرت مع إحدى الطبيبات المسؤولات عن التطعيمات لا يتم تسجيل استمارات الاستبيان في معظم الأحيان إما لرفض المتلقي/ة المشاركة والذي قد يكون بسبب مخاوف متعلقة بالخصوصية، أو لتكاسل الموظف/ة المسؤول/ة. ولكن الطبيبة أكدت قلة عدد الراغبين/ات في الحصول على اللقاح بالنسبة لما يتم رصده وتسجيله من حالات أورام سرطانية مرتبطة بوجود عدوى الفيروس.


وهنا يبرز السؤال المهم: لما العزوف عن تلقي مصل لعدوى بالرغم من بساطتها قد تتحول إلى أحد أشرس الأمراض وأكثرها فتكاً؟

بداية، هناك الاعتقاد السائد بين الكثيرين أن الأورام السرطانية التناسلية الأنثوية مثل عنق الرحم والمهبل لا تؤثر على الشريك الجنسي نظراً لأن الأورام السرطانية ليست معدية، إلا أن بعض تلك السرطانات قد تحدث بسبب فيروس الورم الحليمي البشري وهو فيروس مُعدي وقد يظل كامناً في الشريك/ة سنوات دون أعراض أو بأعراض غير ملحوظة وبالرغم من ذلك يبقى الفيروس معديا سواء كان هناك أعراض أو لا.

وقد يكون مصدر هذا الارتباط الذهني التقليدي لدى الكثير من الناس أن حملات التوعية طالما ركزت على السرطانات التي تسببها العدوى والتي تصيب الجهاز التناسلي الأنثوي (عنق الرحم والفرج) دون ذكر الفيروس كأحد أهم الأسباب وأنه في حالة انتقاله للشريك الجنسي قد يتسبب أيضا في أنواع مختلفة من السرطان في الذكور: سرطان القضيب والفم والحلق والشرج.حيث سجلت الولايات المتحدة تسبب فيروس الورم الحليمي البشري في 74% من حالات السرطان في الأماكن التي يصيبها الفيروس في الذكور، منها حوالي 63% من حالات سرطان القضيب. كذلك يتسبب في 89% من حالات سرطان الشرج في الذكور المصابين به.

يعتقد الكثير أيضاً  أن استخدام الواقي الذكري يشكل حماية من عدوى الفيروس. وبالرغم من الأهمية الشديدة لاستخدام الواقي الذكري في الوقاية من كثير من أنواع العدوى المنقولة جنسياً، إلا أن فيروس الورم الحليمي البشري من الفيروسات التي لا تحتاج اختلاط سوائل الجسد (الدم والسائل المنوي والسائل المهبلي أو سوائل الشرج) للانتقال، ويكفي تلامس سطح جلد المنطقة المصابة بين متعايش/ة مع الفيروس والشريك/ة الجنسي/ة للانتقال. وقد يحدث من أول اتصال جنسي وهناك دراسات تقترح أنه قد ينتقل عن طريق لمس اليد لأماكن الإصابة أو لمس شيئا لامس الثآليل أو من خدش أو جرح قطعي بالجلد, وهناك سلالات تصيب الأصابع سواء باليد أو القدم مسببه آلاما وقد تصبح نازفه. 

ويبقى الخوف التقليدي المعتاد من تلقي أي لقاح سواء من الآثار الجانبية أو خشية ما قد يتسبب فيه من آثار سلبية على “ذكورة” متلقيه. ولأننا هنا نناقش تطعيم لعدوى منقولة جنسياً، يصبح  الهاجس والخوف الأكبر في تأثيره على القدرة الجنسية والخصوبة وقدرة الذكر على الإنجاب، إلا أنه حتى الآن لم يتم تسجيل أي مشكلة تخص القدرة الجنسية والخصوبة أو التأخر في الإنجاب تسبب فيها الحصول على اللقاح لمن تلقاه من الذكور.

أحد أكثر الأسباب شيوعاً لرفض أو الخوف من تلقي اللقاح بين النساء هو الخوف من الوصم المرتبط بالنشاط الجنسي أو الافتراضات التي قد يحملها مقدمي الخدمة عن اختياراتهن في مجتمع قد يعرضهن للعنف نتيجة لتلك الافتراضات، كذلك الربط المغلوط بين انتقال تلك العدوى الجنسية وتعدد الشركاء الجنسيين أو افتراض شكل محدد من الممارسات الجنسية كالجنس الإيلاجي.


إلا أن الإيلاج ليس شرطا ومجرد التلامس بين الأعضاء الجنسية يكفي لانتقال الفيروس, وتشير بعض الدراسات لوجود طرق غير جنسية لانتقال الفيروس: مثل ملامسة الأسطح الملوثة حديثا بالفيروس إلا أن ذلك مازال موضع دراسة.

ولأن المجتمع يفرض على النساء أجندة جنسية تمنعهن من أي تجارب قبل الزواج، وتعتبر أن أي ممارسة خارج مؤسسة الزواج جريمة مجتمعية، أصبح الوصم يلاحق أي امرأة تحاول أو تعمل على حماية صحتها الجنسية.


إلا أن الحالة هنا يجب أن تتجاوز الخوف من الوصم! تلك ليست عدوى طفيفة قد تختفي من تلقاء نفسها. فطبقاً للمركز الأمريكي لمكافحة العدوى، فإنه يعتقد 91% من حالات سرطان عنق الرحم تسبب بها الفيروس. كذلك 75% من سرطان المهبل و69% من سرطان الفرج. 

وهنا يطفو الاعتقاد السائد بأن الثقافة الجنسية في الولايات المتحدة تختلف تماماً عما لدينا في مصر من ناحية الجنس خارج إطار الزواج والسن المبكر لممارسة الجنس كذلك تعدد الشركاء الجنسيين. ولكن حتى في الحالة المصرية، فإن ارتفاع نسبة الطلاق والزواج المتكرر والزواج المبكر وتعدد الزوجات لا تجعل حجة “عدم تعدد الشركاء الجنسيين أو الممارسة المبكرة للجنس” حاضرة في مجتمعنا.


وهنا تظهر أهمية إحدى الدراسات حول مدى انتشار الإصابة بفيروس الـ HPV الدراسة المصرية والمسح الذي تم. وُجد أن حوالي 10.4% من المشاركات لديهن عدوى فيروس الورم الحليمي البشري، وينتشر أكثر في فئة من 45 إلى 54 سنة؛ منهن نسبة 67.8% لديهن خلايا سرطانية بمراحل مختلفة ونسبة 5.5% لديهن سرطان عنق رحم. الملفت هنا أن كل المشاركات في الدراسة لم يكن لديهن أي أعراض تدل على وجود تلك العدوى أو أي عدوى أخرى بالجهاز التناسلي الأنثوي.


وبغض النظر عن الدراسة المصرية فإنه من الثابت أن 95% من النساء اللاتي لديهن سرطان عنق الرحم تأتي نتيجة اختبار الفيروس لديهن إيجابية، إذا تم ربط تلك الأرقام ببعضها فنحن أمام احتمالات مخيفة.


هنا يظهر السؤال عن دور المجتمع الطبي في نشر التوعية فيما يخص الفحص والوقاية من فيروس الورم الحليمي البشري وما يترتب عليه من أورام. والحقيقة أن معرفة وتوجه المجتمع الطبي المصري مخيبة للآمال في هذا الشأن: حيث كشفت دراسة أجريت على أطباء النساء والتوليد نقص شديد في المعرفة تجاه العلاقة بين الفيروس والسرطانات المتسبب بها: 45%  من الأطباء المشاركين لم ينصحو أبدا مرضاهم/ن بتلقي اللقاح و45% لديهم/ن معرفة ضئيلة فيما يتعلق بلقاح الفيروس,


إلا أنه هناك ما يدعو للتفاؤل: فبينما يميل الأطباء الأكبر سنا والأكثر خبرة لفحص عنق الرحم مباشرة بحثاً عن الأورام، يميل الأطباء الأصغر سناً والأكثر انفتاحًا للنصح بتلقي لقاح فيروس الورم الحليمي البشري.


تشعر إحدى الطبيبات المسئولات عن التطعيم بمركز فاكسيرا بالتفاؤل لما هو قادم، فقد شهدت خلال الفترة التي عملتها بالمركز ارتفاع نسبي خلال السنوات القلائل الماضية في عدد الراغبين/ات في الحصول على اللقاح. وأغلبهن من النساء تتفاوت فئاتهن العمرية وحالتهن الإجتماعية. حتى أنها شهدت العام الماضي حضور أم وطفلتها ذات التسع سنوات للحصول على اللقاح وحرصت على تلقي طفلتها الجرعات كاملة. إلا أنها تؤكد ندرة عدد الذكور الذين حصلوا على اللقاح طوال فترة عملها بالمركز وتأمل أنه بالتوعية الكافية والتي يقع الجزء الأكبر منها على المجتمع الطبي، قد ترتفع نسبة الذكور الراغبين في تلقي اللقاح مستقبلاً. 

يتوافر حاليا لقاح “جارداسيل” بمركز “فاكسيرا” ويعملون على توفير لقاح “سيرفاريكس” مجددا.

 المصادر:

https://hpvcentre.net/statistics/reports/EGY.pdf

https://www.scirp.org/journal/paperinformation.aspx?paperid=110701

https://www.sciencedirect.com

https://www.cdc.gov/cancer/hpv/statistics/cases.htm

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/35060068/

https://www.cdc.gov/cancer/hpv/statistics/cases.htm

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات