• ذوو الاحتياجات الخاصة
• الجنس وتحديات الجسد

في العلاقة الجنسية.. الكفيف ليس كائناً فضائياً

By محمد أبو طالب on 2019-12-202022-09-14

الأفكار المغلوطة عن المكفوفين/ات كثيرة وشائعة، وتزيد عند الحديث عن العلاقات الجنسية. ويتناسى الكثير من الناس أن الكفيف/ة إنسان/ة طبيعي/ة، لديه/ا نفس مشاعر أي شخص آخر.

كوني كفيف هو أمر عادي بالنسبة لي وهو أمر لم يكن باختياري أو برغبة مني. 

وتجربتي كمستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي هي تجربة مختلفة، والسبب بسيط جداً، حيثُ يُطرح عليَّ الكثير من الأسئلة ، إما بدافع الفضول، أو بسبب عدم معرفة الآخرين عن عالمي إلا أقل القليل، وما يعلمونه مصدره الأفلام والمسلسلات فقط.

يوماً ماً، وبدون سابق إنذار، حدث شيء غريب.

بدأت القصة حينما كنت أتصفح موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ووجدت إشعاراً بأن إحدى صديقاتي أشارت إليَّ في منشور، وقد كانت الصدمة.

كان المنشور ببساطة لفتاة تسأل عن قدرة الشخص الكفيف الجنسية، لأن شخصاً كفيفاً تقدم لها للزواج، وتريد أن تعرف مدى استجابته خلال العلاقة الجنسية، وإن كان قادراً على ممارستها من الأساس.

للحظة أصبت بصدمة واستغراب شديد مما سمعته، وفي حقيقة الأمر لم أستطع الإجابة والتعليق لأنني لم أفهم سر هذا النوع من الأسئلة، فقد  أصابني السؤال بحالة من الاندهاش، وكأن فقدان البصر يمثل فقداناً للقدرة على ممارسة الجنس.

في الحقيقة أدركت مغزى السؤال بعدها بوقت قليل، فالبعض يرى أن الكفيف لا يستجيب للتحفيز أثناء الممارسة الجنسية لأنه لا يبصر، على الرغم من أن هنالك ألف طريقة غير الاستجابة البصرية للتفاعل مع الشريكة.

فقدان البصر لا يعني عدم القدرة على إقامة علاقة جنسية وهذه حقيقة، فليس هنالك ما يمنع الكفيفـ/ة من ممارسة علاقة جنسية ناجحة مع شريكه/ته طالما وُجد التفاهم بين الطرفين.

قد يعتبر البعض الأمر مربكاً في البداية، لكن فقدان البصر ليس عائقاً أمام العلاقة الجنسية في حد ذاتها. فالبصر ليس الطريقة الوحيدة التي يتواصل بها الأشخاص في ممارساتهم/ن الجنسية،  فهناك تواصل بالسمع واللمس، وبالتالي التواصل بين الكفيف وشريكته في العلاقة الجنسية لا يعتمد على  البصر.

على هذا الأساس يمكن للكفيف ممارسة علاقة جنسية ناجحة ومُرضية له ولشريكته.

ومثلما هو الحال في العلاقات الجنسية بوجه عام، فالتفاهم والتواصل أساسيان لنجاح العلاقة الجنسية مع الشخص الكفيف، فمن المهم أن يتفهم الطرف الآخر مسألة فقدان البصر؛ من خلال عدم وضع أي تصور مسبق أثناء الممارسة الجنسية والتعامل بشكل طبيعي بدون أي حساسيات أو ارتباك أو توتر..

ولعل هذه هي أكبر مشكلة قد تواجه الكفيفـ/ة وشريكـه/ته أثناء العلاقة ويمكن التغلب عليها بشكل سهل للغاية، من خلال التخلص من أي أحكام مسبقة نابعة من النظرة السلبية الموجودة في المجتمع والتي طالما قللت من الشخص الكفيف. 

shutterstock

التواصل ضرورة

للتواصل أثر كبير لإنجاح العلاقة مع الكفيفـ/ة، لأن التواصل بطبيعة الحال يعتبر شيئاً مهماً لتفهم احتياجات ورغبات الطرفين على حد سواء.

والتواصل هام مع  الكفيف/ة لفهم احتياجات ومشاعر ورغبات الشريك/ة .

كلما كان التواصل صريحاً وواضحاً كانت العلاقة أنجح وأمتع للطرفين.

وبما أن الكفيف/ة لا يبصر، فالتواصل يخفف عنه/ا التوتر والقلق وعدم الراحة أثناء الممارسة الجنسية، ويرفع عنه/ا الحرج الذي قد ينتج عن عدم فهمه/ا للشريك/ة من خلال التواصل البصري أو بالنظرات.

التلامس والسمع هما الوسيلتان الأفضل للتواصل مع الكفيف/ة أثناء ممارسة العلاقة الجنسية.

للتلامس والسمع أثر كبير في تعرف الكفيف/ة على جسد الشريك/ة، وكيفية التواصل معه/ا بشكل جيد. لأن أهم وسيلة لإدراك الكفيفـ/ة هي باللمس أو كما يقولون “التحسيس”، الذي يُمَكِّنه/ا من تكوين تَخَيُّل ينمي مقدرته/ا ومعرفته/ا ويوصل إليه/ا الصورة كما هي.

فمهما كان الوصف دقيقاً، فإن إدراك الكفيفـ/ة لجسد الشريك/ة لن يحدث إلا من خلال اللمس بالأصابع من أجل معرفة التفاصيل المرغوب في معرفتها.

وبالطبع لن يحدث ذلك إذا كان الشريك/ة غير متفهم/ة لهذا الأمر بشكل واضح، ومدى ضرورته للكفيف/ة وأهميته له/ا.

السمع يؤثر  أيضاً على مدى إدراك الكفيفـ/ة لما يحدث، فالاستماع للشريك/ة يعتبر أمراً هاماً أثناء ممارسة العلاقة الجنسية. وبالطبع، ليس المقصود هنا التصنع بل العكس تماماً، فكلما كان الأمر حقيقيًا أحس الشخص الكفيف بصدق مشاعر الشريك/ة له أثناء ممارسة العلاقة الجنسية.

ماذا عن الكفيفة؟

تعتبر المكفوفات أتعس حظاً بكثير من المكفوفين لأنهن  يوصَمن بانعدام المعرفة الجنسية وفقدان الرغبة الجنسية بشكل كامل. وهذا طبعاً منظور قاصر للغاية.

تفترض مجتمعاتنا أن فاقدات البصر لسن قادرات على ممارسة الجنس وإشباع رغبات الطرف الآخر، أو رغباتهن الشخصية، وأنهن  غير قادرات  حتى على الحمل والإنجاب بسبب فقدان حاسة البصر.

ولعل من أقسى الأمور هي نظرة الغالبية بأن المكفوفات لسن أهلاً للحب، أو ليس من حقهن  الزواج كالأخريات، مما يجعل زواجهن أكثر تعقيداً.

shutterstock

ولكن، وبما أن المكفوفات لديهن رغبة جنسية مثلهن مثل الأخريات، فلا بد من الإشارة  هنا إلى أن للمكفوفات، مثلهن مثل المكفوفين، بعض المتطلبات، فمثلاً لا بد من أن يكن واثقات  تمام الثقة في الشريكـ/ة، وأن يشعرن  ناحيته/ا بالأمان على أقل تقدير. 

أساطير حول الكفيف في العلاقة الجنسية

في موروثنا الشعبي أساطير كثيرة تحكى عن الشخص الكفيف، وكلها مليئة بالتناقضات، إما أنه يمارس العلاقة الجنسية بشكل ممتاز أو أنه لا يستطيع ممارستها من الأساس.

 ولعل هذا الأمر هو أحد أسباب تشوه الصورة عن المكفوفين/ات ومقدرتهم/ن أو عدمها في العلاقة الجنسية، أو اعتبار المكفوفين من الذكور  خارقين  للعادة وهذا بالطبع أمر غير صحيح بالمرة.

مشاعر ورغبات واحتياجات المكفوفين/ات  تشبه الآخرين. والحب واستقباله حقٌ طبيعي لهم/ن. وبالطبع، فإن ممارسة الجنس كما يمارسه الآخرون، هي الأخرى حق طبيعي لهم/ن حيثُ لا ينقصهم/ن شيء على الإطلاق، فهم/ن قادرون/ات على الاستمتاع والإمتاع

لا يمكن تجاهل احتياجات المكفوفين/ات أو اعتبارها منعدمة بسبب فقدان البصر، ولا يمكن أيضاً اعتبار المكفوفين خارقين للعادة لنفس السبب.

الإعاقة في حد ذاتها ليست مانعاً وليست حاجزاً أمام قدرة المكفوفين/ات على ممارسة الجنس أو التعبير عن الحب، فلسنا كائنات ممنوعة من حقنا الطبيعي في أن نحب ويحبنا الآخرون بسبب نظرة ظالمة ومجحفة تجاهنا لمجرد فقدان البصر الذي لا يمثل عائقاً أمام الممارسة الجنسية.

اقرأ المزيد: خمس قواعد للتعامل مع الخوف من الجنس لدى ذوي الاحتياجات الخاصة