أحبك.. لكن لا أرغب فيك
تبدأ العلاقة بشغف شديد بين الشريكين، ولكن الرغبة تخفت بالتدريج، وبدلاً من حل المشكلة، يتهم الطرفان بعضهما بالفتور.
هل يمكننا القول إن الكثير من مشاكل العلاقات بين الطرفين سببها الجنس، أم أن العكس هو الصحيح، أي أن مشاكل الجنس هي التي تؤثر بشكل واضح على العلاقة بين الشريكين؟
الأمر مربك ومحير للكثيرين. ويعد فقدان أحد الشريكين للرغبة الجنسية تجاه الآخر أحد أبرز تحديات العلاقات.
في هذا المقال سنتناول الأسباب النفسية التي تؤدي إلى انخفاض الرغبة الجنسية، وكيفية التعامل معها.
يمكن أن نقسم مشاعر فقدان الرغبة بين الشركاء إلى قسمين، مشاعر تظهر منذ بدء العلاقة، ومشاعر تطرأ بعد البداية الشغوفة بين الشريكين.
الرغبة: صفر
يحدث أن تبدأ العلاقة وأحد الشريكين يفتقد الرغبة الجنسية.
في بعض الأحيان يكون هناك فصل في ذهن أحد الشريكين بين الأمور العاطفية والمشاعر الإيجابية من جهة، وبين الجنس من جهة أخرى.
كلمة “أحبك” لا تعني لدى البعض أن لديَّ رغبة جنسية تجاهك. تزيد هذه الحالة عند النساء اللاتي عشن في ثقافات منغلقة، ولم يحظين بأي نوع من التربية الجنسية، وكل ما يعرفنه عن الجنس أنه موضوع لا يصح الحديث عنه.
أو قد يكون تصور بعضهن عن الجنس أن دورهن فيه يقتصر على تلبية احتياجات أزواجهن، بدون الإفصاح عن مشاعرهن.
هكذا منذ البداية توجد حالة فقدان للرغبة الجنسية. فلا يوجد مؤشر ذاتي يعلن عن الاحتياج للجنس وتَشَاركه مع الطرف الآخر. بل أحياناً تصاحب الممارسة الجنسية مشاعر الغضب والنفور.
فقدان تدريجي
في المقابل توجد الحالات الأكثر شيوعاً.
وفيها يبدأ الشريكان حياتهما الجنسية بشغف، ثم يفقدان الرغبة تدريجياً.
قد يعود هذا الفقدان لأسباب متنوعة، وأهمها الضغوط، وخاصة الضغوط المصاحبة لأحداث الحياة الكبرى مثل الحمل والإنجاب، أو فقدان العمل، أو فقدان أحد الأحباء، أو عدم القدرة على إدارة ضغوط الحياة اليومية في العموم.
ويزداد الأمر سوءاً كلما كان الشريك الآخر غير متعاون وغير متفهم لطبيعة هذه الضغوط، ويركز فقط على احتياجاته الجنسية.
ما زلت أذكر زوجين طلبا المساعدة في العيادة بسبب كثرة خلافاتهما الزوجية، وإحباط الزوج بسبب انعدام الرغبة الجنسية لدى زوجته، والتي تغيرت كثيراً عن بداية زواجهما حين كانا يتمتعان بتوافق ورضا جنسي.
وحينما بدأت أرصد تاريخ علاقتهما، تَحَدَثَتْ الزوجة عن كم الضغوط التي تحاصرها، سواء الضغوط الاقتصادية، أو الضغوط المتعلقة بتربية الأبناء، أو ضغوط العمل، وأن زوجها لا يشاركها تحمل المسؤولية.
تَحَدَثَتْ عن أنها ما زالت تراه السند والحب، لكن مؤخراً بدأت تفقد رغبتها الجنسية تماماً، وكلما شعرت بأي بوادر للعلاقة تزداد غضباً بشكل غير مبرر.
كان الحل هنا يكمن في تعليم الزوجة مهارات إدارة الضغوط، وتعليم الزوج كيفية المشاركة مع الزوجة، وفهم الصلة بين التعرض للضغوط وفقدان الرغبة الجنسية، وأن يستوعب الزوج أن الأمر لا يعني أنها تكرهه، أو أنها ترغب في شخص آخر.
وكثيراً ما يفزع الشريك إذا شعر بفقدان الرغبة الجنسية تجاه الشريك الآخر، ما يدفعه إلى ترك العلاقة، والبحث عن علاقة أخرى ممتلئة بالشغف. ولكن بعد الإقدام على ذلك، يكتشف أنه سرعان ما يشعر بفقدان الرغبة الجنسية في العلاقة الجديدة بأسرع مما كان يتخيل.
لذا فاللجوء إلى مساعدة نفسية متخصصة أمر ضروري، يساعد على فهم طبيعة ما نمر به، وكيفية إيجاد حل مناسب لطبيعتنا الشخصية وحياتنا.
المجتمع يقتل
تشيع في المجتمع تصورات خاطئة عن العلاقة الجنسية بعد الشريكين اللذين مرت فترة على زواجهما. فمثلاً حين تفصح الزوجة عن فقدان رغبتها الجنسية، تخبرها زميلاتها أن هذا أمر طبيعي بعد مرور وقت على الزواج، وينصحنها بالتجديد في شكل العلاقة والأوضاع الجنسية، والخروج معه للعشاء مثلاً.
ولكن بعد تنفيذ تلك النصائح لا تتجاوز الزوجة الأزمة، وتشعر الكثير من الزوجات أن هذه الحلول محبطة وغير مجدية.
أما في حالة فقدان الزوج للرغبة، يكون التفسير الوحيد لدى الزوجة هو أنه لا يحبها، وأنه ينوي الخيانة.
وقد يكون رد فعلها أن تهتم بنفسها، وأن تحاول إثارة الزوج بملابس نوم جديدة، وحين لا يجدي الأمر تتوتر العلاقة وقد تصل للطلاق.
والحل الأسلم في أمثال تلك الحالات هو اللجوء إلى مساعدة متخصص لتجاوز هذه الأزمة، وغالباً ما يتم ذلك بتعلم مهارات بسيطة تساعد على التوافق في الأمور الحياتية التي تؤثر على صحة حياتنا الجنسية.
مشكلات أخرى
من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى انخفاض الرغبة الجنسية إصابة أحد الشريكين بالاكتئاب أو القلق، وهو الأمر الذي أفردنا له مقالاً سابقاً.
أيضاً التعرض لحوادث الاغتصاب أو التحرش الجنسي من الأسباب التي تؤدي لفقدان الرغبة الجنسية، فشعور الشريكة بالعجز إزاء ما حدث واسترجاعها لحدث الاغتصاب أو التحرش يجعلها غير قادرة على منح جسدها لأي شخص، حتى لو كان زوجها.
هي تريد أن تحتفظ بهذا الجسد وحيداً، وكأنها ستصونه بهذا الشكل، ومجرد مشاركته مع أحد هو خيانة لهذه الصيانة المتصورة، ويجعلها تستدعي نفس مشاعر الاغتصاب.
هكذا يحدث فقدان للرغبة الجنسية، ولا تؤدي كل الحلول الراغبة في الإثارة سوى لغضب المرأة.
الغضب والذنب المصاحبان لفقدان الرغبة الجنسية يؤرقان الشريكين، فالشريك الفاقد للرغبة يشعر بأن الآخر لا يفهمه ويضغط عليه، ولا يحترم رغبته، ويُحَمِّله عبء تدهور العلاقة، ولا يتفهم المسؤولية المشتركة لتجاوز هذه الأزمة.
والشريك الآخر يشعر بالغضب من سلبية الفاقد للرغبة وعدم الاستجابة لمحاولات إصلاح الأمر، والتي تكون بعيدة كل البعد عن التعامل مع السبب الحقيقي، وتظل محاولاته ضاغطة ومحبطة.
الإحساس بالذنب أيضاً قد يجعل الطرف الفاقد للرغبة يشعر بخذلانه للطرف الآخر وأنه تسبب فى جرحه، وفى بعض الأوقات يشعر بالميل إلى الابتعاد نتيجة إلحاح هذه المشاعر ومحاولة التخلص منها.
من الأشياء التي تساعد الشريكين على تجاوز هذا الأمر هو الإفصاح عما يشعران به لبعضهما، والتأكيد على حبهما، والتأكيد على ذلك الفصل بين الجنس والحب.
كلما كان لدى الشريكين ذلك الاستعداد لمشاركة ما يمران به مع اختصاصي نفسي، زادت فرصة تجاوز تلك المشكلات. لكن رفض أحد الشريكين اللجوء للمساعدة يعقد الأمر كثيراً ويعرض العلاقة لمشكلات أكبر قد تؤدي إلى فقدانها.