التحرش في مكان العمل
الحب ثقافة

حكاية “سامي” زمان ودلوقتي.. كيف يجعلنا الوعي نساء أقوى؟

عندما كنا نتعرض للمضايقات من مدير مثل “سامي” لم نكن نعرف كيف نتصرف، لم نكن نعرف ما معنى التحرش وكيف نتخذ إجراءات ضده. ولكن الآن تغير الوضع.

عندما بدأت العمل مع بقية زملائي من أعضاء فريق الحب ثقافة للإعداد لحملة مناهضة العنف ضد المرأة في مكان العمل، وبدأنا مناقشة الزوايا المختلفة للموضوع، والأطراف المختلفة للمشكلة، لم يسعني إلا أن أتذكر “سامي” (اسم مستعار) المتحرش الأشهر في مؤسسة عملت بها منذ أكثر من عشر سنوات.

كان سامي في أوائل الأربعينيات من عمره، رب لأسرة جميلة، ويعمل في موقع قيادي في المؤسسة التي كانت مكان عمل آلاف الموظفين، في مصر وخارجها.

عندما التقيت به أول مرة في مقابلة العمل (الإنترفيو)، لم يبدر من جانبه أي قول أو فعل ينم عن تجاوز أو تحرش، ولكن كانت هناك تلك الموجات التي تلتقطها كل امرأة، في وجود شخص “بصباص”!

لم يهتم كثيراً بالسؤال بعمق عن خبرتي أو مؤهلاتي العملية والعلمية، واكتفى بسؤال واحد شديد السطحية: “هل يمكن أن تقدمي لي نفسك باللغة الإنجليزية؟”

أخبرني بعده بقبولي في الوظيفة المتقدمة لها، مع ابتسامة عريضة، رغم أنني مررت بسلسلة من المقابلات السابقة، وكان من الطبيعي أن يتشاور أولاً مع من أجروها، قبل أن يبلغني بالنتيجة.

لم يكن حدسي تجاه “سامي” كافياَ حينئذ لأتوقع ما هو آتٍ، وأرفض العرض الوظيفي الذي تلقيته من المؤسسة لاحقاً.

بدأت عملي هناك، وبدأت أتفاعل معه بحكم وظيفتي. شيئاً فشيئاً بدأت ألحظ اللطف الزائد من جانبه، مع بعض “الحركات” غير المريحة والتي يصعب في أحيان كثيرة تحديد ما إذا كانت بريئة أم لا. وقتها كنت صغيرة العمر والخبرة، مثل غيري، لم يكن لدينا وعي كبير للتعامل مع تلك الأمور.

بمرور الوقت، ومع اكتساب ثقة وصداقة من حولي من الزميلات، اكتشفت أن سامي “بتاع ستات” من الدرجة الأولى، على حد تعبيرهن، وأن له حوادث وفضائح متعددة يعرفها الجميع داخل المؤسسة، سواء في مصر أو خارجها.

روت لي الزميلات العديد من المواقف التي تعرضن لها مع “سامي”، والتي تتراوح ما بين مطاردات لمرؤوساته لمواعدته، وملامسات لمناطق مختلفة في أجسادهن في مكتبه أو أثناء تواجده معهن داخل المصعد، إلى زيارات مفاجئة لغرفهن الخاصة في الفنادق أثناء رحلات العمل ومحاولة إقناعهن بممارسة الجنس معهن.

مديري
shutterstock

ذات مرة، استدعاني إلى مكتبه لأمر يتعلق بعملي، ثم أخذ يدير دفة الحديث شيئاً فشيئًا إلى منحنى شخصي، وكيف أنني من ضمن “الموظفين المفضلين” لديه!

لم أع وقتها ما الذي يعنيه ذلك! واستمر الحديث في اتجاه أن علاقته بالبعض تحمل بعض “الحميمية البريئة”.

حاولت بشتى الطرق التهرب من هذه المحادثة وطلبت المغادرة. حاول اعتراض طريقي مطالباً بـ”قبلة” على سبيل السلام. استجمعت كل ما أوتيت من قوة في شخصيتي وصلابتي وواجهته بثبات وطلبت منه بحدة التزام مكانه فوراً وعدم الاقتراب خطوة أخرى واحدة.

لم يتمكن من ملامستي، على الأرجح أرهبه ثباتي ونظرة الشر في عيني، وما يعنيه ذلك أيضاً من احتمالات الشكوى لمديره المباشر فيما بعد.

بعد عودتي لمكتبي بدقائق، اتصل سامي بي في الهاتف الداخلي، واعتذر عما بدر منه، راجياً ألا أغضب مما قام به “فهو لم يكن يعرف أن الأمر سيغضبني إلى هذا الحد”.

لم يتعرض “سامي” لي مرة أخرى خلال العام الذي قضيته في المؤسسة بعد هذا الحادث. ولكن حوادثه وفضائحه مع غيري لم تتوقف، ولم تنقطع سيرتها أبداً، ضمن نميمة الجميع.

 

اسمها: جريمة تحرش

 

عندما تذكرت حكايات “سامي” اليوم، انتبهت لنقطة هامة: لم نكن نشير له بوصف “المتحرش”. لم يكن مصطلح “التحرش الجنسي” ذاته معروفاً آنذاك، منذ أكثر من عشرة سنوات.

ليس ذلك فحسب، كان تركيزنا، أنا وغيري من الزميلات اللاتي تعرضن لمضايقات أو تحرش من جانبه، ينحصر في استنكار ما يقوم به، ومحاولات النجاة الشخصية منه.

لم يكن وعي أياً منا يتضمن أن ما يفعله جريمة لها عقاب، أو كنا نعرف خطوات واضحة لتسجيل شكوى داخلية أو قانونية ضده، أو أن هذا خيار مطروح بالأساس.

اليوم، بفضل جهود مضنية من مؤسسات أهلية استمرت لسنوات طويلة، ويدعي البعض أن عملها دون جدوى، أصبح الجميع يعرف جيداً أن هناك جريمة اسمها “التحرش الجنسي” وأن لها عقوبة قانونية، إن تم إثباتها. أصبحت هناك جهات مخصصة لمكافحة التحرش الإلكتروني ومن يرتكبه.

الفتيات الأصغر عمراً يعرفن جيداً اليوم أن بإمكانهن مواجهة أي متحرش في الشارع، والعديد منهن يقمن بذلك فعلاً.

الوعي بالتحرش
shutterstock

البعض الآخر منهن ليس لديهن المهارات الكافية للمواجهة والمطالبة بالعقاب بعد، ولكن تغيير أفكار انهزامية ومعتقدات ذكورية ترسخت عبر الأجيال، ربما يحتاج لسنوات أخرى طويلة، فأي تغيير اجتماعي لا يحدث بين عشية وضحاها.

أثق أن قصتنا مع “سامي” لو تكررت اليوم، في ظل هذا الوعي النامي تجاه جريمة “التحرش الجنسي”، كان سيلقى ردود أفعال ومصير مختلف، ولم يكن ليفلت بما يفعله لسنوات، كما حدث في الماضي.

“سامي” تم فصله مؤخراً من عمله بسبب حادث تحرش جنسي بإحدى الموظفات في آخر مؤسسة عمل بها. وهي ليست المرة الأولى التي يفقد فيها عمله بسبب حوادث مخلة بالشرف في السنوات القليلة الماضية.

اقرأ المزيد: وسائل التواصل الاجتماعي.. مساحة عنف جديدة ضد المرأة العاملة

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

الحب ثقافة

مشروع الحب ثقافة يهدف لنقاش مواضيع عن الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات